سوما (تركيا): يجثو عثمان أرسلان أسفل شجرة في الصباح الباكر ويعدّ كوباً من الشاي، غير بعيد من محطة لتوليد الكهرباء تعمل بالفحم الحجري وتسبّب تلوثاً في قريته التركية على ساحل بحر إيجه يثير حفيظة السكان والمزارعين.
بعد عودته من مكّة المكرّمة حيث أدّى مناسك الحج مع زوجته، يتحدث عثمان أرسلان الى وكالة فرانس برس عن الحقبة الذهبية التي عرفتها الزراعة المحلية قبل أن يتم إنشاء محطة للطاقة الحرارية في قرية سوما بغرب تركيا.
خلال تلك الحقبة، كانت أشجار الزيتون في وضع أفضل، بحسب ما يؤكد أرسلان وهو ينتظر اختمار الشاي الذي يتداخل الدخان المتصاعد من غليانه، بالدخان الأسود المتصاعد من بعيد من المحطة.
بالإضافة إلى التداعيات البيئية، شهد منجم الفحم في سوما أيضًا أسوأ كارثة صناعية في تاريخ تركيا. ففي العام 2014، قضى أكثر من 300 شخص في حادث بالمنجم، ما جعل هذا القطاع غير ذي شعبية لدى السكان.
وعلى غرار محطات كهربائية أخرى، تشهد سوما انخفاضًا حادًا في موارد الفحم لديها وتسعى للتوسع في أراض جديدة، وهو سبب إضافي لاستياء السكان.
الشهر الماضي، تواجه ناشطون بيئيون وسكان مع عناصر الدرك في محافظة موغلا (جنوب غرب) احتجاجًا على بدء أحد المصانع قطع الأشجار بحثًا عن الفحم.
"مساعدة شبه معدومة"
وجال صحافي في وكالة فرانس برس في مناطق محيطة بخمس محطات كهربائية تركية تعمل بالفحم، حيث تبدو التكلفة البشرية المرتبطة بهذا المورد الشديد التلويث، مرتفعة جداً.
لم تعد أشجار الزيتون في مدينة ميلاس على ساحل بحر إيجه تثمر كثيرًا، على غرار شتول الطماطم والفاصولياء في سهل أفشين. وباتت مشكلات التنفس أبرز مرض مسبّب للوفاة في ياتاغان.
في البلدة الواقعة بجنوب شرق تركيا، تنبعث من محطة كهربائية من الأقدم في البلاد رائحة قوية لغاز الميثان الذي يشكّل طبقات تغطّي الأشجار والحدائق يمكن رؤيتها بالعين المجرّدة.
يقول أوكان غوكتاش (44 عامًا) وهو يروي أرضه قبل حلول المساء، إن شقيقه كان يعمل في هذه المحطة مثل "العديد من أبناء القرى في المناطق المحيطة" قبل أن يتقاعد.
ويوضح "المساعدة (الحكومية) لقطاع الزراعة شبه معدومة، فيما لم يكن أمام السكان خيار سوى العمل في المحطة".
وتزداد الانتقادات للحكومة في حين أكّد الرئيس رجب طيب إردوغان، الذي أُعيد انتخابه في أيار/مايو، أن تركيا ستحقق هدف صفر انبعاثات كربونية بحلول العام 2053.
وتركيا هي الأخيرة من دول مجموعة العشرين تصادق على اتفاق باريس للمناخ بعدما أصبحت البيئة قضية رئيسية عقب الحرائق الدامية في 2021.
بغضّ الطرف عن ذلك، لا تزال المحطات الكهربائية تنال تراخيص حكومية للتوسع.
"جشع"
هكذا، جرفت محطّتا ينيكوي وكيميركوي أراضي كانت تُزرع فيها أشجار زيتون ميلاس الذي يصدّر إلى أنحاء العالم.
ويقول قرويون إن ينيكوي تشتري أراضي زراعية بأسعار مخفّضة، في ما يُعدّ استغلالاً ليأس أصحاب الأراضي المحليين المقتنعين بعجزهم عن فعل غير ذلك.
لكن إدارة المحطة تطمع بالمزيد وتواصل سعيها للاستحواذ على الأراضي الزراعية والغابات لتلبية احتياجاتها.
خلال العامَين الأخيرَين، ابتلعت المحطات العديد المساحات الساحلية بشكل شبه كامل، ما أجبر بعض السكان على الهجرة، بينما أصبحت حياة آخرين تعتمد على العمل فيها.
يقول نائل (63 عامًا) إن محطة كارابيغا على ساحل بحر إيجه توظّف 600 شخصًا بينهم ابنه.
وفي مدينة أفشين الواقعة في محافظة كهرمان مرعش (جنوب شرق تركيا)، يتأمّل العامل يوسف (48 عامًا) من شرفة منزله المنجم حيث يعمل.
ويقول إن المزارعين يواجهون صعوبات في زراعة أراضيهم بسبب تلوث المنجم.
ويعرب عن اعتقاده بأن المنجم لا يستخدم منقيات الهواء المناسبة ليلًا، ما دفعه وشقيقه لتقديم شكوى قانونية كانت بلا طائل، إذ خلص الخبراء المكلفون إلى عدم وجود أي مخالفة.
التعليقات