الحرب تؤثر في طرق التجارة الاستراتيجية. من هرمز إلى باب المندب إلى السويس، مخاطر التصعيد مرتفعة جدًا وتضر بالجميع.
إيلاف من بيروت: تزيد الحرب بين حماس وإسرائيل من المخاطر التي تهدد التجارة البحرية وطرق الطاقة، والتي تواجه بالفعل تحديات بسبب الهجمات المتكررة التي تقودها إيران على ناقلات النفط التي تعبر مضيق هرمز وخليج عمان وشمال بحر العرب.
وبحسب تقرير نشره معهد الدراسات السياسية الدولية الإيطالي، حتى لو بقي الصراع محصورًا جغرافيًا في إسرائيل وغزة، فإن المخاطر التي تهدد حرية الملاحة وأمن الموانئ التجارية ستستمر. وفي الواقع، هناك عاملان مهمان في هذا الإطار: الدور الذي تؤديه الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة، والتحركات غير المتكافئة المحتملة لإيران.
تقول إليونورا أرديماني، الباحثة في معهد نفسه، إن أقفال مضيق هرمز فرضية بعيدة للغاية، في حين تشكل الهجمات على الأهداف البحرية، خصوصًا الإسرائيلية والأميركية، خيارات أكثر احتمالًا. تضيف: "في الوقت نفسه، تُنصح السفن التجارية المبحرة إلى إسرائيل باتخاذ إجراءات الحماية الكافية ضد الصواريخ، وسيتم تعويضها من قبل الحكومة في حالة تعرضها لأضرار في المياه الإقليمية الإسرائيلية". وتعتمد ناقلات النفط المتجهة إلى إسرائيل الآن إيقاف أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بها لتجنب اعتراضها.
بعد 7 أكتوبر: التجارة والموانئ والصواريخ
بعد 7 أكتوبر الماضي، أطلقت حماس مرارا وتكرارا، من غزة ومن جنوب لبنان، صواريخ بعيدة المدى باتجاه مدن حيفا وإيلات وعسقلان وأشدود. فأغلقت إسرائيل ميناء عسقلان، المدخل الرئيسي للنفط إلى البلاد، وانخفض النشاط في ميناء أشدود الذي يصدر البوتاس للأسمدة والبروم. في هذا السياق، بحسب تقرير المعهد الإيطالي، يتم إعادة توجيه العديد من السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل نحو ميناء حيفا الشمالي.
تزايدت أهمية مدينة إيلات الجنوبية استراتيجيًا، إذ تطل على خليج العقبة، وتوفر لإسرائيل طريقًا بديلة هي طريق البحر الأحمر، مقارنة بالشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط الذي تحتدم المعركة قربه. إلا أن إيلات تتعرض أيضًا للهجمات، من حماس من الحوثيينفي اليمن، الذين يتلقون مساعدات عسكرية من إيران وحزب الله. فقد أعلنوا مسؤوليتهم عن ثلاث هجمات بالمسيرات والصواريخ على جنوب إسرائيل. وقد اضطرت تل أبيب إلى تعزيز دفاعاتها البحرية في البحر الأحمر بسبب هذه التهديدات.
نقاط الاختناق: الكميات والطرق
في سياق هذه الأزمة، تخضع جميع المضائق البحرية في الشرق الأوسط لمراقبة لصيقة: السويس (بما في ذلك امتداد خليج السويس في البحر الأحمر)، وهرمز (قبالة إيران)، وباب المندب (قرب الأراضي اليمنية التي يسيطر عليها الحوثيون). وعلى الرغم من غياب أي تهديد مباشر لنقاط الاختناق في الوقت الحالي، فإن النزاع غير المباشر بين إيران والولايات المتحدة - والذي يظهر بوضوح في الحرب بين حماس وإسرائيل - يمكن أن يتردد صداه في أمن الطرق البحرية والبنى التحتية العديدة.
يمر عبر قناة السويس يوميا 3.6 ملايين برميل من النفط الخام، ويربط خط أنابيب سوميد خليج السويس بالبحر الأبيض المتوسط وأوروبا، ويمر فيه 80 في المئة من النفط المصدر من الشرق الأوسط والخليج. كما يمر عبر مضيق هرمز 21 مليون برميل يوميًا وأكثر من ربع التجارة الدولية بالغاز الطبيعي المسال، ويمر أكثر من 6.2 ملايين برميل من النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة عبر باب المندب يوميًا، أو 9 في المئة من النفط الذي يتم تداوله من طريق البحر.
بالنسبة إلى الدول الأوروبية، باب المندب أكثر استراتيجية من هرمز. في الواقع، من بين 6.2 ملايين برميل من النفط الخام التي تعبر المضيق يوميًا، يتم توجيه 3.6 ملايين برميل إلى أوروبا، و2.6 مليون برميل إلى آسيا. بخلاف ذلك، 76 في المئة من براميل النفط الخام التي تعبر هرمز تتجه إلى الأسواق الآسيوية.
حماس وحزب الله والحوثي: البعد البحري لميليشيات إيران
طورت الميليشيات الموالية لإيران وحدات بحرية بدعم حاسم من طهران. إضافة إلى الاستخدام المحتمل للصواريخ والمسيرات ضد أهداف بحرية، يمكن حزب الله الاعتماد على وحدة بحرية مكونة من بضع مئات من مسلحيه، مجهزة بصواريخ مضادة للسفن روسية وصينية الصنع، على متن غواصات وسفن إيرانية مثل "غدير" و"ذو الفقار"، إضافة إلى كوماندوز للعمليات البحرية.
كذلك، تعمل حماس والجهاد الإسلامي على تعزيز وحداتهما البحرية بدعم إيراني. وتقوم حماس وحزب الله باختبار غواصات يتم التحكم فيها عن بعد لضرب الحقول البحرية وخطوط أنابيب الغاز. في عام 2018، قصفت إسرائيل قاعدة بحرية تابعة لحماس في قطاع غزة ، ودمرت أسلحة متقدمة كانت فيها. وفي عام 2021، حاولت حماس ضرب حقل غاز تمار البحري الإسرائيلي بعشرات الصواريخ، لكنه كان محميًا بالقبة الحديدية. وقبل اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان في أكتوبر 2022، هدد حزب الله بمهاجمة الحقول البحرية الإسرائيلية وأطلق في يوليو 2022 ثلاث مسيرات باتجاه حقل كاريش المتنازع عليه حينها بين الإسرائيليين واللبنانيين، اعترضتها إسرائيل.
حتى الآن، الأكثر نشاطًا في الحرب البحرية هم الحوثيون الذين اعتادوا ضرب السفن العسكرية والتجارية في البحر الأحمر باستخدام المركبات السطحية غير المأهولة والعبوات الناسفة المحمولة بالمياه، وبالألغام البحرية. كان هدفهم الرئيسي حتى الآن هو السعودية. ففي عام 2020، أدى اصطدام قارب مسيّر بناقلة نفط إلى انفجار أغلق ميناء جدة بشكل مؤقت.
الأمن البحري: المجالات الحرجة
تقول أرديماني: "تدور حرب الشرق الأوسط الجديدة في سيناريو بحري مليء بالتحديات. قبل أن يبدأ الصراع بين حماس وإسرائيل، كان أمن بعض الممرات البحرية عرضة للخطر. منذ عام 2019، شهدنا حلقات من الحرب غير المتكافئة (هجمات بالصواريخ والمسيرات والقوارب المسيرة ضد سفن مدنية في البحر أو بنية تحتية اقتصادية أو طاقة أو موانئ) بشكل متكرر بين خليج عمان وبحر العرب وجنوب البحر الأحمر، من قبل إيران والميليشيات المتحالفة معها، مثل الحوثيين".
استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في مارس 2023 لم يؤمن حرية الملاحة بين هرمز وخليج عمان، حيث استمرت الهجمات على ناقلات النفط. منذ عام 2021، هاجمت إيران أو استولت أو حاولت ضرب ما يقرب من عشرين سفينة تجارية وفقًا للبنتاغون، ولم يتم الإبلاغ عن أي حوادث منذ 7 أكتوبر.
قبل عامين فقط، أدت الهدنة في اليمن بين الحوثيين والحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة والتحالف العسكري الذي تقوده السعودية إلى الحد من انعدام الأمن في جنوب البحر الأحمر. لكن الهدنة لم يتم تجديدها منذ أكتوبر 2022.
مصالح إقليمية وعالمية
يشكل استقرار التجارة البحرية وطرق الطاقة أولوية بالنسبة للعالم أجمع. في المملكة العربية السعودية، تركز عمليات التنويع الاقتصادي على بنود رؤية السعودية 2030، التي تركز بدورها على الصادرات والبنية التحتية، وبالتالي تتطلب طرقًا بحرية آمنة. مع ذلك، فإن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة يتمتعان بإمكانية تجاوز مضيق هرمز من خلال طرق بديلة. فالسعودية قادرة على تضدير نفطها للعالم من محطة ينبع في البحر الأحمر التي يمر عبرها 80 في المئة من النفط الخام الذي تصدره الرياض إلى أوروبا، فيما يصدر الإماراتيون نفطهم انطلاقًا من ميناء الفجيرة، شرق هرمز.
تقول أرديماني: "لا تستطيع آسيا، بدءًا بالصين والهند، تجاهل الأمن البحري لشبه الجزيرة العربية والخليج، فنصف واردات بكين ونيودلهي من النفط الخام يأتي من الخليج. وبعد أن احتدمت الحرب بين حماس وإسرائيل، فإن إرسال الولايات المتحدة غواصة تعمل بالطاقة النووية إلى الشرق الأوسط يشكل رسالة ردع أخرى لإيران وحلفائها، ويسلط الضوء على أن حقيقة مفادها ألا استقرار إقليمي من دون أمن بحري".
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "معهد الدراسات السياسية الدولية" الإيطالي
التعليقات