ارتفعت درجات الحرارة بشدة في مناطق عدة حول العالم خلال هذا العام، من ضمنها بلدان الشرق الأوسط، بحسب وكالة مراقبة تغير المناخ (كوبرنيكوس) التي أعلنت أن شهر حزيران (يونيو) الماضي كان الشهر الأشد حرارة على الإطلاق، وهو الشهر الذي توفي فيه ما لا يقل عن 900 حاجاً أثناء أداء فريضة الحج في مكة متأثرين بارتفاع درجات الحرارة، حيث تتجاوز درجات الحرارة الآن 40 درجة مئوية في بعض البلدان العربية مثل السعودية والكويت وقطر وغيرها.
ومع ازدياد اهتمام العرب بالسياحة والسفر في السنوات الماضية، وخاصة في فصل الصيف، يبحث بعض السائحين العرب عن مناطق تكون درجات الحرارة فيها أقل نسبياً من بلدانهم.
وبحسب المنتدى الاقتصادي العالمي ( WEFORUM)، تحتل الدول الأوروبية الصدارة في قائمة البلدان الأكثر استقبالاً للزائرين، وأبرزها اليونان والبرتغال والمملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وتركيا وغيرها من الدول الأوروبية التي تتمتع بدرجات حرارة معتدلة في الصيف.
لكن أنظار بعض السائحين العرب باتت تتوجه صوب بقعة جغرافية لم تحظَ بشهرة واسعة ولم يروج لها بشكل كبير، إلا أنها نالت إعجاب الكثيرين ممن زاروها خلال السنوات القليلة الماضية.
فما هي هذه الوجهات الحديثة؟
- مواعيد تأشيرة شنغن: كوابيس الحصول على موعد لطلب الفيزا تفتح الباب للسوق السوداء
- لماذا يتظاهر الإسبان ضد السائحين؟
- هل مضايقات السياح الخليجيين في تركيا "عنصرية" أم حوادث فردية؟
في ظل شعبية مواقع التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام ويوتيوب وتيك توك التي لعبت دوراً في نقل تجارب الآخرين عبر هذه المنصات، تحولت أنظار السائحين إلى أماكن طبيعية خلابة مخبأة في قلب آسيا الوسطى، فأخذت أعداد الزائرين إليها من الدول العربية تزداد عاماً بعد عام بحسب مركز الإحصاء والمعلومات الاقتصادية (CEICDATA)، الذي كشف بالأرقام عدد السائحين القادمين إلى قيرغيزستان في عام 2022، والذي ارتفع من عشرات الأشخاص في العام إلى الآلاف.
ومن أبرز البلدان العربية التي قدم منها السائحين، الجزائر والبحرين ومصر والكويت والسعودية ولبنان، وخاصة بعد انتشار مقاطع فيديو لسائحين عرب زُعم أنهم تعرضوا لسوء معاملة في تركيا من جهة، وخروج متظاهرين في بلدان أوروبية من بينها إسبانيا واليونان وهولندا احتجاجا على أعداد السائحين الغفيرة التي تتدفق على بلادهم من جهة أخرى.
أوزبكستان وقرغيزستان وكازاخستان وطاجيكستان وتركمانستان، الواقعة في آسيا الوسطى، لم تحظَ برواج واسع على الرغم من طبيعتها الخلابة وتاريخها العريق وآثارها القديمة التي لا تقل أهمية و جمالاً عن أي بلد سياحي آخر.
تحدثت بي بي سي إلى بعض الأشخاص الذين زاروا بعض هذه البلدان عن تجاربهم وسبب اختيارهم لهذه الدول كوجهة سياحية جديدة.
أوزبكستان
قال لي نايف محمد (39 عاماً) من السعودية، عبر الهاتف، والذي زار أوزبكستان قبل عامين برفقة أصدقائه، ويخطط لاصطحاب أسرته أيضاً إلى هناك: "في الحقيقة، بمجرد أن تسمع أسماء المدن الشهيرة في أوزبكستان، مثل سمرقند وبخارى وغيرها، ستطرب أذناك لسماعها، لما لها من قيمة وأهمية تاريخية كبيرة في قلوبنا، تعلمناها على المقاعد الدراسية. فالأسوار والمباني والمساجد القديمة في ذلك البلد، تأخذك في رحلة خيالية عبر التاريخ، ولوهلة، وبينما تسير في شوارعها القديمة، وخاصة في العاصمة طشقند وبخارى وخيوة، تشعر وكأنك في رحلة عبر الزمن، إنه شعور غامر لا يمكنني وصفه، كان بالنسبة لي أشبه بحلم جميل أريده أن يتكرر".
الأرض التي ضمت حدود أوزبكستان الحالية، كانت ذات يوم في قلب طريق الحرير التجاري القديم الذي ربط الصين بالشرق الأوسط وروما. ومن أجمل وأبرز مدنها: العاصمة طشقند وسمرقند وبخارى وخوارزم (خيوة).
وقد اعتنق الأغلبية العظمى من الأوزبكيين الإسلام، بعد وصول العرب المسلمين إليها في القرنين السابع والثامن.
يقول نايف: "من منا يجهل الإمام البخاري والخوارزمي وابن سينا والفارابي والبيروني؟ لقد تركوا بصمة ولا يمكن للتاريخ إلا أن يذكرهم بفخر".
قبل ترسيم الحدود الحديثة، حكم البقعة الجغرافية التي هي أوزبكستان حالياً، سلالة السامانيين الفارسية، التي حولت بخارى إلى مركز مهم للثقافة الإسلامية، ثم حكمها المغول. وتلى ذلك قيام الدول الأوزبكية المستقلة (بخارى وخوقند وسمرقند) ثم الاتحاد السوفيتي، الذي تفكك ونالت أوزبكستان استقلالها في عام 1991 في أعقاب تفككه.
يقول نايف: "عدا عن قيمتها التاريخية، انبهرت حقاً بطبيعة البلاد الخلابة والمتنوعة والطقس الجميل خلال فصل الصيف، فمن جهة ترى الجبال والمروج الخضراء ومن جهة أخرى، تتمتع برؤية آثارها وأسواقها القديمة، ناهيك عن العمارات والمباني المعمارية الحديثة.
وعن الأسعار، يقول إنها منخفضة للغاية مقارنة بالأسعار في أي بلد سياحي آخر.
ويوضح:" أينما سرت، سترى أشخاصا يدعونك لاحتساء الشاي أو يقدمون لك بعضاً مما بحوزتهم أو يدعونك لزيارتهم في منزلهم، إنهم طيبون لديهم حسن الضيافة والكرم، كما أن الطعام متنوع ولذيذ، ولن تحتار بالبحث عن الطعام الحلال لأنك تجده في كل مكان".
ويقول نايف: "كان اختياري لزيارة أوزبكستان محض صدفة، حيث شاهدت أحد المؤثرين على موقع يوتيوب وهو يعرض تجربته في البلاد، أحببت ذلك ودب فيّ الحماس لزيارتها، فاتفقت مع صديقين وزرناها معاً".
ولا يخفي نايف استياءه من مقاطع الفيديو التي انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي التي وثقت الإساءات المزعومة التي تعرض لها السائحون العرب في تركيا في الآونة الأخيرة، وكذلك احتجاجات السكان في إسبانيا حول تدفق السائحين إلى بلدانهم.
"أردت حقاً رؤية هذه البلاد التي لا نعرف عن تفاصيلها الكثير، فدفعتني روح المغامرة والاستكشاف لزيارتها مع أصدقائي".
وانعقد مؤخراً المؤتمر الإسلامي الثاني عشر، لوزراء السياحة، في خيوة (خوارزم) التي اختيرت كعاصمة للسياحة لعام 2024، من قبل المؤتمر.
قيرغيزستان
مثل جارتها أوزبكستان، لم تحظ قيرغيزستان برواج وشعبية واسعتين على الرغم من تاريخها العريق، وطبيعتها الخلابة والمتنوعة. لكن أنظار بعض العرب باتت تتوجه إليها لعدة أسباب، من بينها الأسعار المنخفضة وسهولة الحصول على التأشيرة السياحية.
شرح لي سليم عمر (45 عاماً)، وهو سوري عاش حياته متنقلاً بين سوريا والإمارات والسعودية، عن تجربته السياحية إلى قيرغيزستان في العام الماضي مع أسرته.
"بعد أن أنهينا زيارتنا للعاصمة بشكيك، التي تتمتع بهندسة معمارية مميزة يفوح منها عبق التاريخ، ذهبنا إلى وادي ألتين أراشان، وهو آية من آيات الجمال. كان المنظر ساحراً لم تر عيني مثله من قبل، كنت كمن وطأت قدماه بقعة من بقاع الجنة، حيث الجبال الشاهقة الخضراء والشلالات والأنهار العذبة والخيول المنتشرة في المراعي الخضراء، كان ألتين أراشان أشبه بلوحة فنية من إبداع الخالق".
وأشار سليم إلى أنه عند زيارة هذه البلاد، لابد من تعلم بعض الجمل المفيدة أو الاستعانة بدليل سياحي يجيد العربية أو الإنجليزية لأنك ستقابل الكثير من الناس الذين لا يتحدثون الإنجليزية، بل القيرغيزية والروسية.
وتابع: "وكوني زرت عدة دول أوربية من قبل، أستطيع القول بأن الأسعار منخفضة ومشجعة جداً لقضاء رحلتك بأقل التكاليف، وبالطبع تختلف الأسعار بحسب المكان وشعبيته، ففي العاصمة تكون الأسعار أعلى من الريف أو المدن الأقل شهرة. أما المواصلات فثمن البطاقات يكاد لا يذكر لرخصها، عدا عن الطعام المتنوع واللذيذ وتوفر المصنوعات والزخارف اليدوية، وكلها بأسعار منخفضة حقاً".
"أثناء زيارتنا، لم نصادف الكثير من السائحين الأجانب، بل كان معظمهم إما سكان محليين أو روس أو من الدول المجاورة، لا أعلم من أي البلدان، لكنهم كانوا يتحدثون الروسية كلغة ثانية".
وأبدا سليم حماسه وهو يحدثني عن خطته لاصطحاب أقاربه وأسرته لرحلة جماعية حالما يتسنى له الوقت المناسب خلال هذا العام، ووصف لي البلاد على أنها "مزيج من العراقة والحداثة" من حيث الهندسة المعمارية والطرقات والأسواق والخدمات المتوفرة.
ومثل أوزبكستان، معظم سكان قيرغيزستان اعتنقوا الإسلام، إلى جانب الأديان الأخرى مثل المسيحية والبوذية، كما أن اللغات الأخرى المستخدمة إلى جانب القيرغيزية، هي الروسية والأوزبكية والإيغورية والقيبتشاكية.
كازاخستان
تعد تركمانستان وطاجيكستان وكازاخستان أقل شعبية من جارتيها أوزبكستان وقيرغيزستان فيما يتعلق بالسائحين العرب، لكنها باتت تستقبل هي الأخرى، المزيد من السائحين القادمين من الدول العربية في السنوات القليلة الماضية.
وبحسب موقع "ذا أستانة تايمز"، قالت وزارة الثقافة والرياضة الكازاخستانية، إن السائحين من الشرق الأوسط "باتوا يختارون كازاخستان كوجهة سفر بشكل متزايد".
وأبرمت كازاخستان عقوداً مع العديد من وكلاء السفر في الإمارات العربية المتحدة في سوق السفر العربي خلال العامين السابقين، وتزامن ذلك مع أزمة تأخر مواعيد الحصول على تأشيرة شنغن التي تتيح للسائحين السفر إلى أوروبا.
وساعدت العقود التي وقعتها شركات السفر الكازاخية في معرض سوق السفر العربي الأخير الذي أقيم في السادس من مايو/أيار في دبي، على زيادة إقبال الناس على السفر إلى كازاخستان، بحسب نائب وزير الثقافة والرياضة الكازاخستاني، يرزان يركينباييف، الذي أكد لموقع "ذا استانة تايمز" زيادة عدد الرحلات الجوية المباشرة بين بلاده ودولة الإمارات، خلال العامين الماضيين.
وأخيراً، تتمتع كل دولة في آسيا الوسطى بجاذبية فريدة من نوعها تدفع هواة الاستكشاف والسائحين إلى الغوص في تفاصيلها لمعرفة المزيد من خباياها المذهلة.
التعليقات