كيف سيؤثر هذا الصراع المحتمل على أسعار النفط وحياة الملايين حول العالم؟ وما هي تداعيات التصعيد على أسواق الطاقة والاقتصادات العالمية؟
تسود حالة من الترقب في أسواق النفط، في ظل ما يتردد حول احتمالية توجيه إسرائيل ضربة لاحتياطيات النفط الإيرانية ردا على الهجمات الإيرانية على إسرائيل، وسط مخاوف من أن تصعيدا أوسع نطاقا للعنف قد يهدد منشآت النفط في منطقة الشرق الأوسط.
وحينما سئل الرئيس الأمريكي جو بايدن، الخميس، حول موقفه من استهداف إسرائيل المحتمل للمنشآت النفطية الإيرانية، رد قائلا "نناقش هذا الأمر"، تاركا الباب مفتوحا أمام كل السيناريوهات. وارتفعت أسعار النفط إلى أعلى مستوى خلال شهر، في أعقاب تصريحات بايدن، قبل أن تعود وتستقر مجددا.
فما السيناريوهات المستقبلية في حال تطور الصراع وما تأثيرها على حياة الملايين حول العالم، حيث الحروب لا تقتل فقط في ساحات القتال، بل تمتد آثارها إلى ما هو أبعد، إلى كل زاوية من زوايا العالم.
ماذا سيحدث في حال الرد الإسرائيلي على إيران؟
إن التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط تنعكس على أسعار النفط ولكنها ستتوقف على مدى رد الفعل الإسرائيلي على الهجوم الإيراني، كما يشرح مدحت يوسف خبير اقتصاديات البترول، ونائب رئيس هيئة البترول المصرية الأسبق.
وشنت إيران هجومها المباشر الثاني على إسرائيل في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول بإطلاق نحو 180 صاروخ بعض منها اخترق الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وذلك ردا على اغتيالين نفذتهما إسرائيل؛ أحدهما لزعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله في بيروت والآخر لرئيس المكتب السياسي حماس إسماعيل هنية في طهران.
وتوعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرد في الوقت الذي يراه مناسبا، قائلا إن إيران "ستدفع ثمن خطئها الكبير"، في حين حذرت طهران من أنها ستشن هجوما أكبر إذا تم استهدافها.
وفي أعقاب الضربة ارتفعت أسعار النفط بنحو 5%، تجاوز سعر خام برنت، المؤشر الدولي، 75 دولارا للبرميل في حين تجاوز خام غرب تكساس الوسيط 72 دولارا، وذلك وسط تحذيرات من الخبراء من توسع الحرب.
ويتابع مدحت يوسف لبي بي سي عربي، "أي توتر في منابع إنتاج النفط والغاز الطبيعي سواء بسبب نزاعات إقليمية أو دولية، قد يؤدي إلى تعطيل الإنتاج أو التصدير، مما سيقلل من العرض في السوق. تليها تزايد المخاوف من توقف إمدادات النفط والغاز بالتالي الطلب يزيد لتأمين الاحتياجات، وهو ما يؤدي إلى زيادة الأسعار بسبب قانون العرض والطلب الذي يحكم الأسواق".
ويفترض يوسف، "إذا ضربت إسرائيل إيران سيكون التخوف من توقف الإمدادات يعنى الشحن والتفريغ، لأن 40 % من إمدادات النفط والغاز في العالم تأتي من منطقة الخليج. وهي منطقة غنية بالموارد البترولية، وبالتالي قد تشهد الأسواق حالة من الهلع بسبب توقف موانئ الشحن".
ماذا إذا استهدفت إسرائيل المنشآت النفطية الإيرانية؟
يشرح د. توماس أودونيل أكاديمي وخبير الطاقة والجغرافيا السياسية، معني استهداف المصافي الإيرانية والذي يعد خيارا مطروحا وتدعمه واشنطن، ويقول "هو حرمان الاقتصاد الإيراني من البنزين والديزل، أي منع إيران من تكرير نفطها الخام وتزويد السوق الداخلي بالديزل والبنزين ومنتجات أخرى، أي ضرب الاقتصاد الداخلي لإيران".
ويرى أودونيل أن ذلك الخيار ربما يترك تأثيرا إيجابيا على الأسواق العالمية، "لأنه إذا لم تستطع إيران تكرير نفطها، فقد ترسل المزيد من النفط إلى السوق، وهو ما قد يؤدي إلى انخفاض سعر النفط".
تنتج إيران حاليا حوالي 3.9 مليون برميل يومياً، وتصدر حوالي نصف ذلك، أي ما يقرب من 1.7 مليون برميل يوميا.
ولكن إذا استهدفت إسرائيل محطات تصدير النفط، "فسيؤدي ذلك إلى منع جزء كبير من صادرات الـ1.7 مليون برميل يوميا من الوصول إلى السوق العالمية، وهو ما يمثل صدمة أكبر في السوق العالمية."
ويقول أودونيل لبي بي سي إن الأسواق العالمية لن تتضرر بالشكل الكبير إذا تم إخراج النفط الإيراني من السوق، لأن منظمة أوبك تستطيع تعويض النقص بسهولة خاصة، في ظل ما لديها مما لا يقل عن خمسة أو ستة ملايين برميل من النفط يوميا تحجبها عن السوق، وهناك أيضا قدرة في نصف الكرة الغربي على المساهمة، لذا لن تكون أزمة، على الرغم من أنها قد تؤدي إلى ارتفاع مؤقت"، بحسبه.
ويري أودونيل، أن ارتفاع سعر خام غرب تكساس الوسيط وبرنت بنحو دولار، "ليس قفزة كبيرة في الأسعار. ولكن يعيد المخاوف من حرب في الشرق الأوسط".
ماذا سيحدث في حال التصعيد الإيراني؟
ويرى أودونيل أن إيران تتجنب مواجهة مباشرة مع إسرائيل، وتوجه ضربات متفرقة لأهداف في إسرائيل، وتشجع أذرعها على المواجهة، ويقول الباحث الألماني "ليس في مصلحة إيران الدخول في حرب مع إسرائيل، وليس من الواضح أن إسرائيل تسعى لاستفزاز حرب، ولكنها قد ترغب في عقاب إيران وتوجيه ضربة مدمرة لها، وفي هذه الحالة ستكون إيران حذرة جدًا من الوقوع في هذا الفخ".
ويتابع الخبير الألماني أودونيل، "أحد الخيارات هو أن تضرب إيران دول الخليج الأخرى التي تراها حليفة للولايات المتحدة وإسرائيل، مثل السعودية والإمارات، وهما منتجان رئيسيان للنفط، وتهاجم قدرتهم على تصدير النفط. وهنا لن تكون حربا مع إسرائيل فقط، بل سينضم جيران إيران إلى الحرب والولايات المتحدة بشكل مباشر وقوي". ولكنه استبعد هذا السيناريو.
ولم تهدد إيران بمهاجمة منشآت نفط خليجية لكنها حذرت من أن أي تدخل مباشر من قبل من وصفتهم بـ"داعمي إسرائيل" ضد طهران من شأنه أن يدفع إيران إلى شن "هجوم قوي
على قواعدهم ومصالحهم" في المنطقة.
من المتضرر في حال التصعيد؟
ويتوقع المهندس خالد العوضي مستشار اقتصاديات الطاقة برأس الخيمة، أن يزيد سعر البرميل بنسبة 40 % أي يتراوح سعره بين 90 – 100 دولار، إذا تبادلت إسرائيل وإيران الرد واستهداف المنشآت النفطية.
ويتابع العوضي، "السوق حاليا في حالة ترقب وخوف والزيادة التي شاهدناها لا يمكن أن تقارن بالحرب الروسية الأوكرانية، ولكن في النهاية استمرار الحرب يعني زيادة الخسائر عن المكاسب التي ينتفع منها تجار الحروب، لأن التأثيرات ستطال جميع قطاعات الاقتصاد".
ويتوقع مدحت يوسف، أن تكون الدول غير المنتجة للنفط، الأكثر تضررا وفق تطور السعر العالمي، وقد ينسحب الارتفاع على تكاليف النقل والتصنيع، وفواتير الطاقة وأسعار السلع الأساسية، كما الحال بالنسبة لدول مثل مصر والأردن، خاصة أن "تركيبتهم السعرية بها نوع من الدعم وتتطلب زيادة فورية". أما دول مثل الجزائر وليبيا فهي دول منتجة للبترول وبالتالي تعتمد على الإنتاج المحلي".
ووفقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية، فإن السعودية تستحوذ على أكثر من ثلث القدرة الإنتاجية لأوبك وأكثر من نصف طاقة الإنتاج الاحتياطية. يليها في الإنتاج بالترتيب العراق، الإمارات، الكويت، قطر، ليبيا، سلطنة عمان، الجزائر، مصر.
لماذا تختلف حروب الشرق الأوسط عن الحرب الأوكرانية؟
لا يمكن مقارنة تأثير الحرب الأوكرانية الروسية بحروب الشرق الأوسط، كما يقول مدحت يوسف.
عقب انطلاق الحرب الأوكرانية وغزو الجيش الروسي البلاد في فبراير/ شباط 2022 ارتفع وقتها سعر النفط إلى أعلى مستوياته منذ 14 عاماً، واقترب سعر برميل خام برنت من عتبة 140 دولاراً، وحلقت بمعدل التضخم إلى مستويات قياسية هزت كل أسواق العالم، بما فيها أسواق السلع والحبوب والمواد الخام والمعادن.
ويقول خبير اقتصاديات البترول إن القرار الأوروبي والأمريكي في بداية الحرب الأوكرانية بوقف اعتمادهم على النفط والغاز الروسي، تسبب في ارتفاع الأسعار بشكل كبير، قبل أن تعاود الانخفاض، عندما استطاعت الدول الأوروبية تأمين احتياجاتها، لأن الإمدادات كلها تأتي من منطقة الخليج العربي وليس من البحر الأسود".
ويشرح خبير اقتصاديات البترول أن الخوف يؤدي إلى زيادة الطلب حتى يحدث تشبع للأسواق، هنا إذا غمر النفط الأسواق تنخفض الأسعار اذا افترضنا أن الامدادات ظلت مستمرة في حالة الحرب. مثل ما حدث منذ بدأ الحوثيون هجماتهم على السفن في البحر الأحمر وتهديد الملاحة التجارية في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لأن السفن وجدت ممرا ملاحيا بديلا، لم تتأثر أسعار النفط، بل تأثرت عائدات قناة السويس.
أما الوضع الحالي كما يشرح مدحت يوسف، "لا يجب أن ننسي أن قرار أوبك بتخفيض الأسعار في بداية عام 2025، كان بسبب وجود وفرة في الأسواق وهو ما أدى إلى انخفاض الأسعار من مستويات 80 دولار للبرميل إلى 70 و69 دولار للبرميل. الخوف الأكبر في حالة الخوف هو إعلان إسرائيل ودول الخليج عن إيقاف الشحن من موانئها، مثل ما حدث في حرب 1973".
يتفق معه أودونيل أن سعر النفط تراجع لأكثر من عام، على الرغم من أن أوبك بلس حاولت جاهدة رفع السعر من خلال حجب حوالي 6 ملايين برميل من النفط عن السوق طوال معظم العام.
ويتابع "في اجتماعهم في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول، قررت أوبك الاستمرار في حجب النفط عن السوق، من خلال التخفيضات الطوعية. في الواقع، ووصلت الأمور إلى النقطة التي ترى فيها السعودية الآن أن هناك مشكلة، فهم يريدون أن يكون السعر عند 90 أو 100 دولار للبرميل لدفع متطلبات دولتهم، ولكن إذا لم يتمكنوا من الحفاظ على السعر الحالي أقل من 70 دولار للبرميل، سوف يركزون على زيادة حصة السوق، وكان هناك تصريح للوزير السعودي قال إنه قد ينخفض إلى 50 دولارًا للبرميل، ولكن على الأقل ستحتفظ السعودية بحصة كبيرة من السوق. وبالطبع هو خبر سار للولايات المتحدة وحلفائها في أوكرانيا في حربهم ضد روسيا، لأن روسيا ستفقد الدخل. لأنها تبيع بأسعار أعلى لكل من الهند والصين".
وفي هذه الحالة قد تضطر روسيا إلى تأميم صناعتها النفطية للتعامل مع انخفاض الدخل.
ويرى المحلل الاستراتيجي أودونيل، "قد حان الوقت لإعادة النظر في سيناريوهات بديلة لسقف سعر دول الأوبك، والعقوبات المفروضة على النفط الروسي".
التعليقات