حملت حزنها على راحتيها و رسمت بها ملامح وجهها ..أرادت أن تصنع كونا جميلا فعلقت في حياة قصيرة.مسحت دموعها لترسم لوحة سعيدة ، فتبللت وتمزقت .
لو كانت تعلم حينها أن الضوء القوي الذي أعمى بصيرتها هو ولادتها لما بكت حزنها الأول .ولو علمت أن شمعتها الأولى ستجر خلفها ظلام سنوات عديدة لما اطفأتها .
لو كانت تعلم حينها فقط .
إحتضنت حبها ودمغته في قلبها .. أردات أن تكون حلما فتحولت إلى غفوة تعب مضن..
أسندت رأسها الى كتف تبحث عن دفء ، أرادت أن تكون عطشا لا يروى ،فانكمشت بين حناياها عذراء خجول .
أغمضت عينيها ولها على قبلتها الأولى ،أرادت أن تغرق في شهوة لا تنضب ، فكانت شهوة لا شهوة فيها .
لو كانت تعلم حينها فقط .
رممت جسدها هيكلا و ركعت خشوعا ،كادت تكون إيمانا لا يتزعزع ..لعلها تحولت قديسة.
تسللت بين مشاعرها تبحث عن نور ما ، أمسكت بروحها وسلختها من مكانها ، أغرقتها سوادا وخنقتها الحادا .
قامت برحلة بين الارض والسماء، مدت ذراعيها طائرا حرا وحطت مركبا هائما ..كشرت عن أنيابها أسدا وانقضت على فريستها تفرغ دمه ، رفعت ريشتها فنانة و رسمت موتا ، بنت منزلا وتزوجت أميرا وسيما ، أنجبت أطفالا وقتلتهم .. إتشحت سوادا أرملة وحيدة ..تكومت يتيمة تنتحب والديها ..تمددت قبرا تنعي موتها .
صدحت أغنية وتمايلت وجدانا .. تجمدت .. لعلها أصحبت لحظة .
تلمست طريقها بين سماء واخرى.. أرادت أن تكون منزلا فانتهت تائهة تبحث عن منزل لها ..كادت تصبح حبا.
لو كانت تعلم حينها فقط .
لفت معطفها على جسدها وخرجت تبحث عن معنى لكلامتها ،أرادت أن تصبح وضوحا لا غبار عليه ، فاختنقت بين معان لا سبيل لها لفهمها .
جلست ترتاح قليلا من تعب أضناها، تأففت من ريح عصفت رفعت يديها لتحمي وجهها من غضب يصفعها.حملت حقائبها وركضت نحو البحر غربة ..وقفت بين الحشود تبحث عن من تودعهم ،أحنت كتفيها يأسا ورحلت ..
لو كانت تعلم حينها فقط ..
لو كانت تعلم انها مجرد فكرة .. لما رضيت أن تكون .. لعلها أصبحت هي الحياة.