نسرين عزالدين : يقول الطبيب أنه من المفترض اننا نعاني من الاكتئاب حاليا ..فمسار الحروب يفترض اننا تأقلمنا معها خلال ايامها الاولى لنعود ونكتئب بشكل quot;شرسquot; حين تنتهي . اما مهمة الخروج من دوامة الكآبة هذه فمنوطة بالشخص ومدى درايته بحالته ومدى استعداده للمعالجة .
يقف جارنا العجوز على الرصيف المقابل ، يتوجه نحوي دون سابق انذار ليلقي التحية . لا اذكر اننا تجاوزنا quot;رسمياتquot; القاء التحية يوما .اما اليوم فسألني عن احوالي فاجبته ، وسالته بدوري عن احواله فاخبرني انه مكتئب.حركت رأسي كمن يعلم خفايا الامور ..quot;نعم طبيعي هكذا يقول الطبيبquot;.يبتسم ويخبرني انه شاهد برنامجه على التلفزيون ايضا ثم يشتمه..فأشتمه معه لا لسبب وانما لانه بات يحق لنا ان نشتم من نشاء ..فنحن في نهاية المطاف نعاني من اكتئاب ما بعد الحرب .
لعله غاب عن الطبيب العزيز اننا حين تنفسنا الصعداء لم نكد نكمل مهمة الزفير حتى خرج علينا الزعماء بـ بلبلتهم التي لم نرتاح منها حتى خلال الحرب اصلا.
هم يتكلمون دون توقف ..الشخص نفسه تشاهده اكثر من مرة على شاشات مختلفة .وطبعا فان quot;حدةquot; رأيه تختلف باختلاف القناة التي تستضيفه .وعلى سبيل المثال، فان احد الشخصيات السياسية يفصح عن رأيه بعنف وحدة ضد السيد نصر الله وضد الحرب وضد المؤيدين للحزب والحزب نفسه على شاشة المؤسسة اللبنانية للارسال، لكنه وبعد ساعات معدودة يبدو اكثر هدوءا واقل شماتة واكثر موضوعية على شاشة الجزيرة.
لا بأس نحن شعب متقلب ..فما بالك الزعماء.
وفيما خص الزعماء تبرز حاليا معضلة quot;الشائعاتquot; والقصص واللقاءات quot;العرضيةquot; مع شخصيات اسرائيلية.واخرها كانت قصة النائب وليد جنبلاط ،ولو سلمنا جدلا ان quot;الاعداءquot; كثر وان القصص quot;التخونية quot; قد تنبثق من هنا وهناك فانه كان بامكان النائب جنبلاط عدم الاعتراف quot;باللقاء العرضيquot; ونفي ما نقل عن النائبة الاسرائيلية كوليت افيتال وتجاهل quot;الخبرية quot; كلها كما تم تجاهل quot;خبرياتquot; من قبلها .لكانت حينها الحادثة برمتها رهن بالشخص المتلقي ومدى استعداده لتصديق هذه القصص حالها حال التقرير الصادر عن الوزير مروان حمادة والذي اتهمه بانه زود اسرائيل بمعلومات عن مكان تواجد نصر الله وطلبه عدم وقف الحرب من اجل القضاء على حزب الله ..
لكانت كلها مجرد قصص يمكن للمتلقي تصديقها او تكذيبها ..
ولعل المثير للسخرية في الموضوع برمته هو عدم انكار اللقاء وانما الحرص على quot;تصحيح الحديثquot; .ما يعيد الى الاذهان قضية ثكنة مرجعيون الغريبة جدا .ولمن لا يذكرها فان الثكنة تم quot;احتلالهاquot; من قبل الجيش الاسرائيلي واحتجاز من فيها من جيش وشرطة ومدنيين لبنانيين ، ليصار بعدها الى quot;حل الموضوع quot; وتسليم سلاح جيشنا الى الاسرائيليين على ان يتم تسليمه لاحقا لقوات الطوارئ الدولية .. حينها انطلقت المواكب من مرجعيون لتقصف بعد ذلك بساعات .وبعد انتهاء الحرب عرض التلفزيون الاسرائيلي صورا للعميد عدنان داوود المسؤول عن الثكنة وهو يستقبل الاسرائيليين بالترحاب وابتسامته العريضة تكاد تقفز من وجهه و يقدم لهم الشاي .بعدها صرح وزير الداخلية بالوكالة احمد فتفت انه تم استدعاء داوود للتحقيق لا وبل عبر عن غضبه العارم لانه quot;قدم لهم الشايquot; .
وانتهى الموضوع فلا اتهام بالخيانة ولا التعامل مع العدو ولا اي تفسير منطقي مقنع للموضوع برمته..
ويستمر وزير الداخلية بالوكالة احمد فتفت بالتبرير quot;المربك quot; للموضوع وردا على سؤال ان كان فعلا العميد داوود قد هدده بانه ان لم يخرجه من هذه الورطة فانه سيورطه معه فكان جوابه quot;لا ابدا هذا الكلام غير صحيح quot;.. وليردد الجواب نفسه عن المعلومات المتداولة حول اتصالات قام بها داوود بجوني عبدو _ وهو لا يحق له كرجل عسكري الاتصال بشخصيات سياسية _ لحل الازمة .الجواب الهادئ نفسه ..فان كان الهدوء هو دبلوماسية سياسية فان فتفت دبلوماسي سياسي من الطراز الاول.
تتعدد القصص وتختلف، بعضها يتصل باسرائيل مباشرة وبعدها يتصل باسرائيل عبر اميركا من اجل القضاء على حزب الله من جهة ، ومن جهة اخرى هناك قصص تتعلق بسوريا وبايران من اجل ابقاء حزب الله ..قصص المحاور يعني .
المحور الاول المعني باميركا وفرنسا يريد ان ينهي حزب الله لسببين كما يقول اولهما انه حزب مسلح والثاني انه دولة داخل دولة . لكن السبب الاول لا يصبح واقعيا الا اذا اضفنا عليه quot;مسلح اكثر منهم quot; لان كل الجهات والاحزاب في لبنان مسلحة ، اما الثاني فايضا لا يصح الا اذا اضفنا له quot; دولة اقوى من دولهم داخل الدولة quot; ، فكما هو معروف فان لبنان مقسم الى مناطق و كل منطقة تقطن فيها طائفة او اكثرية ساحقة من تلك الطائفة _مع بعض الاستثناءات _ تابعة لزعيم ما يسير امورها ويفرض عليها ما يريده .
لكن القوة هنا لا تعني قوة المال ، فحزب الله لا يعيش حياة الترف التي يعيشها بقية الزعماء ، وتحديدا امينه العام الذي من المفترض ان يعيش في نعيم ما بعده نعيم ، كما ان الحزب يتواجد في المناطق التي اهملتها الدولة عمدا منذ الازل في الوقت الذي يسرح ويمرح quot;اقل وزير او نائبquot; في قصوره ومؤسساته ..ولا يجب ان ننسى ان حاليا هو موسم quot;الجيوب الملآنة quot; فالمساعدات المالية ..على مد عينك والنظر حاليا ، وبعد اشهر ستكون على مد جيبة الوزير ويد النائب .
ما يتمتع به حزب الله هو قوة داعمه لبنانيا وعربيا وحتى دوليا .. قوة الصراع مع إسرائيل ..وقوة اعادة الاعتبار للقضية الفلسطينة والعربية وحق الانسان بالدفاع عن ارضه .. قوة هزيمة من لم تهزمه الدول العربية مجتمعة . ان الخوف لا يكمن في السلاح ولا في دوليات داخل الدولة ، بل يكمن في عقيدة هذه الفئة . فما الهم لو كانت اسلحتهم من صنع ايراني او سوري فلو كانت من صنع اردني مثلا هل كانت quot;المصيبة quot;التي يتحدثون عنها اقل تأثيرا ، فهو سلاح حوربت به اسرائيل . سلاح عقائدي حارب اسرائيل . وهنا تكمن المشكلة ..في السلاح العقائدي وفي محاربة إسرائيل.
وحتى يتمتع اي من quot;المعارضين quot; بالجرأة للاعتراف بهذا سنظل ندور في لازمة المحاور.
.. هل لطبيب الاكتئاب نظرية ما عن اكتئاب المحاور .






التعليقات