علي نزار هاشم : إن الناظر في تتابعات الأيام ، وتشكيلاتها ، الغريبة ، الجميلة ، المختلفة ، والمدهشة ، يتأكد أن ما يلي ، دوماً ، أفضل مما سبق !
إن الحياة ، حتى لو أغلقْتَ سمعك وبصرك ، فهي تمر ، بقربك ، أمامك ، وعليك أيضاً ، إن تتابع الأيام أمر محتوم ، لدوران الأرض ، وأنت ، مع هذا التتابع ، تزداد خبرة ، وحنكة ، ونضجاً ..

دون اطلاع تترقى ، ودون تعلّم تفهم ، ودون تبادل تتعمق خبرتك ، لمجرد أن الحياة تمر معك بتتابع يجر أذياله عليك .. إن الحياة ، بكلكلها ، أمر محتوم تواتره ، فتجد نفسك ذا حكمة ، دون أن تطلبها ، ودون أن تسعى من أجلها ، إن العمر الذي مرّ ، يقدمها هدية لك ، وكأن ما أخذه من نشاط ، وحيوية ، وشباب ، يعطيه لك خبرة حياتية ، ما أخذه بيد من قوة ، يعطيه باليد الأخرى حكمة !

إن في الحياة ألغازاً كبرى ، وتفاصيلاً شتى ، يصعب على الفرد أن يحصيها ، أو يتخصص فيها مطلقاً ، فيعمد إلى التفريع ، عساه يحصد لجزءٍ من اللغز حلاً ما ! يقع كل فرد في وهدة تخصصه ، ويغرق به ، فينظر إلى الدنيا من منظوره ، ويتعشق الحياة تبعاً لرغائبه ، فتضيع الغابة من أجل أشجارها !

إن الحياة والمعرفة ، تتمازجان معاً ، مما يصعب تفريقهما ، فيترافق الشعور بهما ، ويختلط ، فيشكَل على الفرد توجهه ، وتضطرب بوصلته .ليستا في حالة تناقض ، بل هي أقرب إلى التكامل ، لذا فالتوجه نحوهما بهذه المعرفة المسبقة ، تجعل إمكانية الإستفادة منهما أكبر وأشد . إن الحياة هي خبرة التبادل مع عامة البشر ورواياتهم ، والمعرفة هي خبرة التبادل مع خاصة البشر ومؤلفاتهم . إن الإعتماد على الثانية ، أرقى وأفضل ، حيث تتسامى النفس ، فتتجلى أنوارها مشعة ، لكنها دون الأولى تبقى دون ثبات الواقع ، محلقة في مثاليات الصومعة وآثارها ...

إن الإعتماد على الأولى ، فقط ، تجعل الفرد خبيراً في الحياة ، دون تجلياته التاريخية ، كما تدفعه إلى التعلم بطرق وعرة ، مليئة بالأشواك ، فيمضي عمره بين تجربة وخطأ ، كي يمتلئ كيسه حكمة ، يقدر عندها على الإشعاع منه ! إن توازي الإعتمادان ، مطلوب وضروري ، وما أفضّله ، ينطلق من الثانية ، ليصل إلى الأولى ، ثم يقفز من الأولى نحو الأخيرة ، بما يشكل حركية ودينامية وتبادليةً بينهما ، يمد صاحبه بخبرة الحياة ، وحنكة التجارب ، وثبات المبادئ ، وقوة منطق الحجج ، وعقلانية الحوار ...

إن الحياة ، والمعرفة .. هي أيقونة جديدة ، يتمثل فيها ، توازٍ جديد ، لروح وثابة دوماً ، نحو الحق ، والتغيير .. لا تركن لثبات ، سوى ثبات الحق نفسه ، وتتكيف مع تبدلات النوّ ، بما يضمن مصلحة مبادئ الحق . إن الحياة ، تلزم كل فرد بتتابعاتها ، فالأيام تسرع نحو الفناء ، مما يسرّع بفناء الفرد نفسه ، ليبقى تواتر الأيام مستمراً بعده ... فالحياة لا تنتظر أحداً !

والمعرفة ، بكل فروعها ، لا يمكن سبر غورها مطلقاً ، لذا ، لا بد من التزام جانب يكون التخصص فيه مشبِعاً للفرد ، فيشعر أنه حي يرزق ... لا بد من طلب المعرفة ، ومن خلالها ، يمكن للحياة أن تتشكل بألوان عصية على التخيل دونها ، إذ يبقى العقل ملاذاً أخيراً لأحلام هذه الأرض ... إن الإستغراق بالتفاصيل ، والإستغراق بالتخصصية ، يستبعد الألوان إلى حدية لون واحد أو لونين ، مما يشكل ضرراً على الخيال .. فالعقل . إن المعرفة لا تتكون من مجرد حياة ، ويمكن لها أن تستبدلها ، بينما الحياة تقف عاجزة عند حدود المعرفة ، فلا تتخطاها ، ولا يمكن لها أن تتفوق عليها !

لتتابعات الأيام صدى ، ومنه يمكن للفرد أن يترقى ... ومع اتخاذه المعرفة هادياً ، يصبح لترقيه طعم النضج وعمقه !