... والاستبداد السياسي اتجاه الدين وحقوق الإنسان


من الدمام: حذر الكاتب والباحث والمفكر الإسلامي السعودي الشيخ حسن الصفار من استفحال ظاهرة ثقافة الاستهتار بالحياة بإسم الدين التي سادت في بعض أوساط أبناء الأمة الإسلامية. واستغلال الدين كستار وغطاء لأفظع جرائم العدوان على الحياة. بالرغم من هذا الدين العظيم يقدّس الحياة، ويعتبر العدوان عليها أشد جريمة, كما انتقد الصفار في كتابه الجديد "الخطاب الإسلامي وحقوق الإنسان" الصادر عن "المركز الثقافي العربي" الخطاب الإسلامي المعاصر, انه مقصر أتجاه قضايا حقوق الإنسان كون الأمة الإسلامية رضخت لحكم مستبد بإسم الإسلام، وإن سيطرة الاستبداد السياسي على الأمة سمح بتقديم الإسلام كغطاء لأبشع ممارسات القمع ومصادرة الحريات وانتهاك الحقوق في حقب طويلة من تاريخ الأمة". واعتبر أن الثقافة التبريرية التي سادت بألوانها المختلفة (الدينية والأدبية) مدعومة من قبل الحاكم وإمكانياته مع ما صاحبها من قمع صارم للرأي الآخر والفكر التنويري.
وقد استشهد الكاتب بعدة فتاوى متسائلاً عن موقعية تلك الفتاوى من الإنسانية..كما اعتبر سماحة الشيخ الصفار أن الخطاب الإسلامي ركز على حق الله وأهمل حقوق الإنسان معتبراً أن من أهداف رسالات الأنبياء هو القسط مستشهداً بقوله تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)

حقوق الله وترك حقوق الإنسان
وقد لاحظ المؤلف على الخطاب الديني تركيزه على الدفاع عن حقوق الله تعالى وضعف اهتمامه بالدفاع عن حقوق الإنسان مستشهداً بالبحوث الفقهية التي ركزت على أحكام الصلاة والصيام والحج ذاكرة مختلف الصور والاحتمالات حتى الخيالية من مسائلها، بينما لم يتبلور عنوان جامع عن قضايا حقوق الإنسان في الفكر ولا في الفقه ولم تطرح إلا بشكل عابر ضمن أبواب فقهية مختلفة. وكذلك على مستوى الإعلام والتثقيف الجماهير يلاحظ الحديث عن جانب الواجبات الشرعية العبادية والتحذير من الذنوب والمعاصي أما الحديث عن حقوق الإنسان السياسية والاجتماعية والفكرية والتحذير من انتهاكها فهي قليل نادر.

ضرورة ملحة
وأكد الكاتب بأن تطوير الخطاب الديني إنسانيا ضرورة ملحة وليس قضية هامشية ذاكراً ثلاثة أسباب لذلك: إنجاز تقدم على مستوى التنمية الإنسانية في المجتمعات الإسلامية أولاً. وثانياً النجاح في صنع العلاقة السليمة مع الآخر داخل وخارج الأمة. والإسهام في خدمة القضايا الإنسانية على الصعيد العالمي ثالثاً.

تعريف الإنسان بحقوقه
في البحث السادس من الكتاب يناقش الكاتب "ثقافة حقوق الإنسان وبرامج العمل" معتبرا أن أول خطوة في طريق إحقاق حقوق الإنسان والدفاع عنها هي التعريف بتلك الحقوق ونشر ثقافتها. وقد وضع الكاتب برامج للعمل من أجل حقوق الإنسان على ثلاثة أصعدة: القوانين والتشريعات أولاً بحيث تكون الأنظمة والسياسات المعتمدة منسجمة مع مواثيق حقوق الإنسان الإسلامية والعالمية ويعاد النظر في أي واقع تنظيمي ينتهك شيئاً من الحقوق. ثانياً الأداء التنفيذي للسلطات لأن نسبة كبرى من انتهاكات حقوق الإنسان تحدث نتيجة ممارسات خاطئة من بعض المسئولين والموظفين في مؤسسات الدولة مما يجعل تفعيل مؤسسات الرقابة والتدقيق وديوان المظالم ووسائل الإعلام أمراً ضرورياً. وثالثاً المجال الاجتماعي أي في علاقات الناس مع بعضهم البعض ويشمل ذلك العنف الأسري والتعامل مع الزوجات والأولاد، كما يشمل أيضاً العلاقة بين الفئات الاجتماعية.

استغلال الدين لأفظع الجرائم
وأستغرب الكاتب في الفصل الثامن الذي بعنوان "قدسية الحياة وثقافة الاستهتار" من الاستهتار بالحياة بإسم الدين قائلاً: "هذا الدين العظيم الذي يقدّس الحياة، ويعتبر العدوان عليها أشد جريمة، كيف سادت في بعض أوساط أبنائه ثقافة الاستهتار بالحياة؟! وكيف أصبح ستاراً وغطاءً لأفظع جرائم العدوان على الحياة؟!" وقد أستشهد بالعمليات الإرهابية التي تستهدف النساء والأطفال تحت عنوان الجهاد!

شفقة واصلاح
أما في الفصل الأخير والذي بعنوان "النهي عن المنكر شفقة وإصلاح" فقد رد فيه على التساؤل حول تعارض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع ضمان الإسلام لحرية الإنسان بثلاثة نقاط: حرص الإسلام على مصلحة الإنسان وفائدته أولاً وذلك لأن الإسلام يريد لأفراده أن يعيشوا حالة متبادلة من الحرص على مصلحة الآخر، وأن تشيع في قلوب أبنائه محبتهم لبعضهم البعض. وثانياً الانطلاق من المحبة الصادقة للإنسان. مراعاة السمعة العامة للإنسان ثالثاً بحيث يحافظ المصلح على عدم فضح المذنب وإفشاء ذنبه وذلك لأن الهتك محرم. وقد اختتم الكاتب الشيخ الصفار كتابه بملحق ضم ثلاثة إعلانات لحقوق الإنسان : الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وإعلان حقوق الطفل، و وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام.

يذكر أن الكتاب صدر عن "المركز الثقافي العربي" بيروت - لبنان ويقع في 191 صفحة من الحجم الوسط، وهو من إصدارات هذا العام 2005م.