سلوى اللوباني من القاهرة: تناول الكاتب quot;يوسف القعيدquot; علاقة المسلمين والمسيحيين في رواية quot;قطار الصعيدquot;، وأثارت ضجة كبيرة في حينها، وأتت روايته الجديدة quot;قسمة الغرماءquot; التي صدرت عن دار الساقي لعام 2006، لتناقش من جديد هذه العلاقة المسكوت عنها في مصر، والمسكوت عنه في مصر أكثر من هذه العلاقة وانعكاساتها، اختزلها القعيد في عنوان روايته قسمة الغرماء، أي قسمة الخسارة ين وجوه عديدة من المصريين، رواية تتتساءل من خلال سطورها ما الذي أوصلنا الى المربع الأخير؟ وما الذي جعل مستقبل هذه البلاد وراءها، وحولها الى شظايا وأطلال لما كان؟ تدور أحداث الرواية على لسان ثلاثة من أبطالها كل من منظوره الذاتي، وهم الشاب المسيحي ماجد، ووالدته مرام، والفنانة quot;مهرةquot; التي اعتزلت وارتدت الحجاب، يجمعهم المهندس quot;عبود جرجسquot; والد ماجد الذي ترك مصر ليعمل بالخارج، تاركاً زوجته وابنه في لوكاندة في حي شبرا، لتبقى صلة الوصل بينهم مبلغ شهري يرسله لهم من خلال الفنانة مهرة، التي خسرت تحويشة عمرها في احدى عمليات توظيف الاموال، بعد انفصالها عن زوجها ضابط الجيش quot;مصطفى نور الدينquot;، من خلال أبطال روايته باختلاف أديانهم واوضاعهم الاجتماعية سلط القعيد الضوء على انعكاسات معاهدة السلام بين مصر واسرائيل التي أتت بعد انتصار اكتوبر عام 73 آخر حروب مصر.

الفقر
رصد بروايته المتغيرات الاجتماعية التي عصفت بمصر خاصة وبالعالم العربي عامة، تطرق الى الفقر وعبر عنه من خلال الشاب ماجد بكثير من العبارات....quot; تتوه على مدار الايام بين الحقائق والمعاني، وتظل حيرى حتى تصل الى بر أمان يتمثل في احضاري الفلوس من مهرة، وان كان الأمان لا يدوم طويلاً، يوماً بليلة، واحياناً ساعات لا تصل الى يوم ولا الى ليلةquot;....quot;وان لم أستذكر دروسي في النهار فلا مفر من المذاكرة في الليل، وهذا ممنوع لأن اضاءة النور ليلاً بحساب والا فيا ويلناquot;، وفي وصف ماجد للحرمان الذي يعانيه ووالدته quot;ربما صامت عن النوم مثلما صمنا عن أشياء كثيرة يتكلم عنها الناس باعتبارها من أساسيات الحياةquot;، وحرمان معظم الشبان من فرص العمل...quot;ومن الذي يعمل من شبان هذه الأيام؟ لا بد من واسطة تنهد لها الارض ويسمعها الأصم ويراها الاعمى، ويشمها الابكم...معك كارت توصية طلبك مجاب، ومن دون هذا الكارت الذهبي جميع الابواب مغلقة في وجهك مهما كانت الشهادة التي تحملهاquot;، وهجرة الشباب خارج مصر، فهي حلمهم الكبير، مجرد حصوله على الشهادة التعليمية quot;يفلت هارباً من هذا البلد الذي يعد مصيدة لناquot;، كما تناولت الرواية الفروق الطبقية التي أصبحت واضحة جداً في مصر من خلال زيارة ماجد لصديقه اكرامي الشاب الغني الذي يسكن فيلا واصفاً اياها بالحصن أو القلعة...quot; أصبحت خنادق تخفي أناساً يخوضون معارك ضد أنفسهم وضد الآخرين من حولهم، أكثر من كونها أماكن للراحة والسكنquot;، مما أدى الى شعور بالغربة بين الناس..quot;حولي غرباء عني وأنا غريب عنهمquot;، وبين حرمان الفقير وترف الغني فالمشروب الوحيد المتاح للفقير هو شرب المياه من الحنفية.

شظايا ناتجة عن الكسر
كما تناول مظاهر التدين السائدة في مصر منذ سنوات، واصفا اياها على لسان والدة ماجد quot;ان شيئاً ما تهشم في هذه البلاد، لا تعرف كيف انكسر ولا متى؟ ولكنها تعرف أنها تتعامل مع الشظايا الناتجة عن الكسر، منها اللافتات على الاتوبيسات، واكثرها تعبيراً كانت اللافتة التي تقول quot;الاسلام هو الحلquot;...quot;فكل الاتوبيسات مغطاة بهذا الكلام...مكتوب على شكل اعلان، قد تتغير الالوان وشكل الخط ولكن الجملة واحدة، لا أعرف من المعلن؟ من الذي يدفع قيمة الاعلان؟ جهة؟ مصلحة؟ انسان؟ حتى تصبح كل الاتوبيسات مغطاة بهذا الكلام؟ أي اسلام؟ وأي حل؟quot; وفي رحلة ماجد الشهرية من شبرا الى مهرة ليحصل على المال مستخدماً عدة مواصلات وهو يتمنى ويحلم بمشوار المواصلة الواحدة، يصف ما يراه من متغيرات...quot; ذقون ولحى أينما أدرت وجهي... جلابيب بيضاء بدلا من البدلات التي كانت أنيقة في زمان مضى وانقضى ولم يعد له وجود، لا أعرف الى متى تستمر هذه الاحوال الغريبة، اللون الاسود هو السائد للباس النساء...بعض النساء يرتدين حجاباً لابراز المفاتن التي تغطيها الملابس العادية...والنقاب يحول المرأة الى خيمة من السواد، ذيل الخيمة يجرجر على الارض وراء المنقبة، فيثير الغبار في الصيف، اما في الشتاء فيختلط بالوحل وطين البرك الذي تركته الامطارquot;، وفي زيارة ماجد لصديقه المسلم اكرامي يشير الى دلالات الاسماء في العلاقة بين المسلمين والمسيحين، فلم تعر والدة اكرامي أي اهتمام عندما نطق اسمه الاول فقط، بينما لو نطق الاسم ثلاثياً لحدد كثيراً من الدلالات لمن يستمعون اليه.

متغيرات
يصف مصر بأنها مدينة تسكنها الملايين ولكن بلا أصدقاء، فالصداقة أصبحت عملة نادرة بين الناس، كما يجب تجنب سؤال الناس بقدر الامكان quot; الذي يعرف يرد، والذي لا يعرف يفتي بالمعرفةquot; يحاولون أن يبدوا عارفين أمامك، وفي النهاية لا أحد يقول الحقيقة، لأنه لا يعرفها، وليس مهماً ان يتم تضليلك، المهم أن يرد عليك، فمن الصعب أن تجد انساناً يقول لك لا أعرف أو أنه غريب مثلك، ومن أبلغ ما وصفه القعيد في عبارة بسيطة، هو حال الناس في الشوارع، قائلاً... quot;الناس الذين يمشون على أقدامهم، فهم يتسلون بالكلام مع أنفسهم، يقتلون الوقت، ويلتهمون المسافات بمناجاة النفس، يواجهون بها أهوال الزمان والمكانquot;، وكيف أصبح الطعام للاعلان عن هوية اجتماعية معينة، quot;في بلادنا الاكلات تحدد طبقات من يأكلونهاquot;، وعلى لسان والدة اكرامي وصف النظرة الطبقية للتعليم...quot; الجامعة لمت بعد مصيبة مجانية التعليم، فهل يذهب الى الجامعات أصحاب هذه الاشكال؟ لقد أصبح كل أمر غريب جائزاًquot;، يختصر القعيد هذه المتغيرات وانعكاساتها في لقاء ماجد ومهرة قائلاً quot;أن لكل منا همه ولكل منا ما يشغله، وأن ذلك يجعلنا في أبعد مسافة عن الآخر... في مدينة لا تعرف الرحمة طريقها الى قلبها، هذا إن كان لها قلب أصلاًquot;.

قسمة الغرماء:
أشار القعيد الى قسمة الغرماء بانها ستقضي على أجمل صبايا العصر من خلال خطران وهما الارهاب أو الفساد، quot;فحملة المدافع يرهبون من يتصورون أنه عدو الله مع أنهم أعداؤه، والذين يسكنون القصور يرفلون في ناتج الفساد وعوائده...ليس مهماً أن في الوطن من سيموت من الجوع، ومن يموت، في الوقت نفسه من التخمةquot;... كنا نفاخر بالاهرامات وأبي الهول ونهر النيل، نقول عندنا ثلاث من عجائب الدنيا السبع، قسمة عادلة نحن لدينا ثلاث، والدنيا كلها فيها أربع، ولكن ها نحن الآن، عندنا ما هو أفضل الارهابي والفاسد معاً، تجمعا في وقت واحد فأصبحا أكبر حليفين في عصر التحالفات الكبرى، وهل يمكن أن يكون عند الآخرين ما عندنا؟؟؟ كما تجمع قسمة الغرماء في نهاية الرواية بين مهرة ورغباتها المكبوتة منذ ان تحجبت، وماجد الشاب المسيحي المراهق، وهي لحظة التقاء جسديهما بما تحمل من معاني عن المسكوت عنه في المشهد المصري.

[email protected]