محمد مزيد منبغداد: صدر عن دار الشؤون الثقافية العراقية كتاب يحمل عنوان quot;الخطاب السينمائي .. من الكلمة الى الصورةquot;.. للناقد السينمائي العراقي الدكتور طاهر عبد مسلم.. وتضمن اربعة فصول مع مقدمة. الخطاب السينمائي لدى طاهر هو مشروع نقدي حرص فيه على الاجتهاد في خطاب السمعي البصري في شموليته.. والسينمائي في خصوصيته.. ويزعم الناقد انه في هذا الكتاب ينفتح على مستحدثات القراءات المعمقة لفن الفيلم تلك القراءات التي لاتنطلق من مسلمات تقليدية ومكررة بل تحاول ادماج نظرية الفيلم والنظرية النقدية بالمدارس والاتجاهات الحديثة.. مستحضرا كشوغات مفكرين كبار مثل فوكو وبروب وبارت وفان ديك في سياق المناقشات التي طرحها فيما يخص الخطاب السينمائي والمنطقة الوسط التي يمثلها السيناريو بين السرد في الرواية والقصة والسرد المقترن بالشاشة.
يستعرض في الفصل الاول الذي يحمل عنوان ldquo;شعرية السرد السينمائيrdquo; الاساليب التي بلغها الابداع الفيلمي ابتداءً من كاتب السيناريو وانتهاء بالمخرج.. وتتسع الدائرة لتفتح مديات اوسع للانتقال بالرمز والدلالة من الاطار الكتابي الى كم غزيد من الاحتمالات الفكرية والمعنوية التي تقدمها الصورة.
في الفصل الثاني الذي يحمل عنوان السيناريو والسرد.. الشكل الادبي والنسق السمعبصري يحاول المؤلف الاقتراب من التطبيقات الفيلمية على الرواية الادبية فهو يرى ان اية قراءة في بنية النص يجب ان تنطلق من بؤرة تتجمع حولها اتجاهات النص فتتكشف افعال الشخصيات ودوافعها والحيز الزماني والمكاني الذي يؤخر ذلك الحدث.
ان هذه المعطيات: الشخصية/الحدث/ الزمان/المكان ظلت تحرك الاطار التجريبي للنصوص زمناً طويلاً ويشير تاريخ الرواية بشكل خاص الى تلك التحولات العملاقة التي شهدها الفكر الانساني الذي تجسد في الرواية كمدار كامل للحياة البشرية. ولتقريب الصورة يذهب مؤلف الكتاب الى ان المتظر ادوين موير يستقرئ النص الروائي من وجهة نظر تحاكي الحاجة الحقيقية للصورة المرئية وقد قسم (موير) الرواية الى ثلاثة اقسام هي: رواية الحدث ورواية الشخصية والرواية الدرامية.ان السيناريو لا يغادر المعطيات الموضوعية التي تكون النسيج الروائي وسيل المدركات الحسية التي تعبر عنها الشخصيات في النص لكنه لا ينغمر في متاهات النص ولا ينقاد الى تداعيات الشخصيات بل انه يدفع قدماً باتجاه ايجاد تحولات ومتغيرات وباتجاه تصعيد النص وتصعيد الاحداث فيه. سنرى في هذه النقطة تفصيلات كثيرة جاء بها المؤلف لا يسع المكان ذكرها كلها.

في الفصل الثالث الذي يحمل عنوان ldquo;نسق السرد والنوع الفيلميrdquo;.. يسلط المؤلف الضوء على الظاهرة الفيزيائية للسمعية/البصرية/الحركية التي تحيل هذه الظاهرة الى صلة مباشرة بعالم فيزياوي مواز قد يجري تمثله في الخطاب الروائي او التشكيلي او المسرحي لكن لكل منهم في واقع الامر بناه النسقية الخاصة المختلفة (الخشبة، اللوحة، الكتاب، قطعة الحجر او الخشب) يقابلها الضوء الكهربائي والصوت المسجل على الشريط، النقل على الشريط، حركة الشريط بسرعة معينة لتحقيق عنصر الايهام بالحركة.وينتقل المؤلف عبر عناوين صغيرة الى ldquo;السردية في السينما الفرنسيةrdquo;متتبعا المسار الذي سار عليه الاخوة لومير الفرنسيين وتجاربهما الطليعية في عرض اول الافلام السينمائية في التاريخ.. ثم ينتقل الى حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية متتبعاً الكبار المخرجين الفرنسيين كجاك رينوار ورينيه كليمان حيث واقعية رينوار التي تشكل سمة هذه السينما وعلامة من علاماتها المتميزة حتى يصل الى (تروفو) الذي رافق الموجة الجديدة في السينما الفرنسية بما حملته من تجارب سردية مختلفة وقد فصل المؤلف علاقة تروفو بهذه الجماعة حين ازال الجدار الذي يفصل العالم السينمائي عن الواقع منادياً بملامسة الانسان العادي والخروج من الاستويوهات الفخمة والمظاهر الدعائية. وفي عنوان فرعي آخر ldquo;المحاكمة مثالاً بين كافكا وارسو ويلز يقرأ المؤلف مجازفة اورسون ويلز في تحويل رواية كافكا الى فيلم.. حيث تمكن ويلز من خلال اسلوب الابهار البصري من اجابته لتساؤلات كافكا المتفجرة في المحاكمة.. انطلق ويلز في اخراج المحاكمة من ازمة الشخصية وتكثيفه البنى الدرامية والوسائل التعبيرية وتأطيرها لتحيط بالبطل المأوةم وتكون فضاء يحيا في كنفه. يشير المؤلف د. طاهر الى ويلز عمد الى توظيف الحركة ولكنها ليست الحركة المبنية على المطاردة ورد الفعل العنيف والسريع ولكنها حركة تحسسها في ادق الايهاءات والانفعالات العميقة المنعكسة في ذات تخضع المتغيرات للتساؤل والمحاكمة.

في الفصل الرابع الذي يحمل عنوان ldquo;النص السمعبصري والاعداد والاقتباسrdquo; يعالج فيه المؤلف الرواية كيف يتم اعدادها فيلمياً مطبقاً نموذجه على عدد من الافلام المهمة التي تم الاقتباس منها كالحرب والسلام لتولستوي وجسر على نهر درينا لايغو اندريتش ورواية الصخب والعنف لفولكن.. وهناك دراسة تطبيقية للاعداد والاقتباس نموذجة رواية الحرافيش نجيب محفوظ الذي ثم فيه انتاج ستة افلام مأخوذة من رواية الحرافيش اولها (فيلم الحرافيش انتاج 1985 عن الحكاية الثالثة اخراج حسام الدين مصطفى وفيلم (المطارد) انتاج 1985 عن الحكاية الرابعة اخراج سمير سيف وفيلم (الجوع) انتاج 1985 عن الحكاية الثالثة والخامسة والتسعين اخراج علي بدرخان وفيلم (شهد الملكة) انتاج 1985 عن الحكاية السادسة اخراج حسام الدين مصطفى وفيلم (اصدقاء الشيطان) انتاج 1987 عن الحكاية السابعة اخراج احمد ياسين وفيلم (التوت والبنوت) انتاج 1986 عن الحكاية العاشرة اخراج نيازي مصطفى . ثم يقوم بتحليل الافلام الستة كيف استفادت من الرواية واقتبست منها المعالجات الدرامية والحكائية لها.