إسماعيل الربيعي منالمنامة: استضاف المنتدى الأهلي الثقافي المفكر والباحث الأكاديمي فؤاد شهاب، للحديث في حوار مفتوح حول موضوعة أمن الخليج العربي، وكان مقدم الحوار الدكتور راشد نجم، قد أشار في معرض تقديمه، إلى المرحلة التي وصفها بالحرجة، لا سيما وأن دول المنطقة ما انفكت ترقب وبحذر شديد الأوضاع التي أفرزتها أحداث احتلال العراق وحالة الفوضى العارمة التي يمر بها، حيث الانفتاح غير المحمود العواقب على التفجر والمشكلات المتفاقمة، من صراعات طائفية وعرقية وأحداث عنف، بالإضافة إلى الأزمة الدولية التي خلفتها حالة الشد والجذب بين إيران والمجتمع الدولي حول المفاعل الذري وتخصيب اليورانيوم، وبالقدر الذي يحضر الراهن بكل ثقله على المجمل من العلاقات التي يمر بها الخليج العربي، فإن المنطقة شهدت وعلى مدى تاريخها الحديث تطلع القوى الكبرى للسيطرة العسكرية والتوجه نحو نهب خيراتها الاقتصادية، فيما يبقى هاجس الحذر حاضرا في المجمل من مفردات التفاعل، والتي يمكن تلمسها من خلال الميزانيات الكبيرة التي ترصدها مجمل حكومات الخليج العربي في التسلح.
استهل الدكتور شهاب حديثه بالإشارة إلى نقطة محورية، أطلق عليها توصيف الإشكالية، والمتمثلة في التوجه نحو الربط التقليدي بين الخليج والنفط، فيما يتم التغاضي عن المركز الفاعل والرئيس والذي يقوم على عنصر التاريخ.ومن هذا المنطلق المنهجي كانت القراءة الشاملة للأحوال والأوضاع والعلاقات والرؤى والتصورات والتحديات ومحاولة رصد المتغيرات.والواقع أن المرتكز التاريخي الذي اختطه الباحث كان قد فتح الأفق الواسع نحو تفعيل مجال القراءة، من دون الوقوع تحت طائلة المطابقة والإسقاطات المباشرة، بقدر ماكان يمثل موجها رؤيويا كان له الأثر في توسيع مجال التحليل، ومن هذا كانت الإشارة إلى الموقع الذي يفوق النفط بمراحل، والذي كان بمثابة الغاية التي تطاحنت حولها المزيد من القوى الكبرى، حيث التطلع للسيطرة على طرق التجارة العالمية، إن كان في البحر المتوسط أم البحر الأحمر، فيما بقيت البصرة وسيراف وهرمز والبحرين تمثل محطات تجارية كبرى حرصت مجمل القوى للهيمنة والسيطرة عليها، حتى كان التطلع نحو تأجيج حدة الصراعات وبمختلف أشكالها، السياسية والطائفية والتجارية، فيما تم تدويل أمن الخليج باعتبار نطاق المصالح وتوجهاتها المباشرة.ويأتي الحدث التاريخي الحاسم في تدويل الصراع حول الخليج انطلاقا من الحملة الفرنسية على مصر عام 1798، حيث اعتبر الخليج خط الدفاع الأول عن المصالح البريطانية في الهند، فيما كان التطلع البريطاني وقد اعتلته الهواجس التجارية أولا والسياسية والعسكرية تاليا، حتى كانت سلسلة المعاهدات السياسية التي تم توثيقها مع دول المنطقة، بدءا بعمان عام 1798 مرورا بالمعاهدات التي تم توقيعها خلال الفترة 1821 حتى العام 1971 والذي شهد انسحاب بريطانيا من المنطقة.هذا مع أهمية الوعي بأن الواقع السياسي كان قد أشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد تركزت مصالحها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والتي لم تأل جهدا من توجيه قدراتها نحو ربط المنطقة بمصالحها والتي تمثلت بأهمية السيطرة على مصادر الطاقة البترولية.
الرؤية المتفاعلة التي يبحث فيها المحاضر، تفرض بحضورها الكثيف على المجمل من العلاقات الراهنة، خصوصا وأن الحدث العراقي، بات يفصح عن توسيع مجال الاحتمالات، ولعل الخطر الأقرب إلى الحدوث يتمثل في إمكانية تسرب المقاومة للوجود الأمريكي في الخليج، ، بل وربما يتوجه نحو استهداف من يتعاون مع الأمريكان، ومن هذا الواقع تتبدى أهمية تكثيف التبصر حول موضوعة تعميق الرؤية الإستراتيجية، مع ضرورة الحرص على تعزيز مفهوم وثقافة المواطنة .ومنهج تفاعلات الرؤى الذي يؤسس له الدكتور شهاب بتؤدة واجتهاد، يقوم على تفعيل مجمل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وصبها في قالب استراتيجي، ينطوي على رؤية لمواجهة احتمالات المستقبل الذي ينفتح على المزيد من التصورات والتحديات. فالأمر لا يتوقف عند التحديات السياسية المباشرة، بقدر ما يقوم على ضرورة البحث في التفاصيل التي تفرزها الأحداث المباشرة، إن كان على صعيد أزمة النووي الإيراني والأخطار التي يمكن أن تتسلل إلى مناطق الجوار، مع أهمية البحث في العوامل الداخلية، والتي تتمثل في حجم وأثر العمالة الآسيوية على المنطقة، مع أهمية النظر في مستوى الدور الذي يلعبه مجلس التعاون الخليجي بوصفه منظمة إقليمية، أو في تعميق دالة التوجه لدى المواطن حول ثقافة الاستهلاك، وتعميق موجهات الرؤى نحو الوعي بالدور المأمول له في بناء الإنسان القادر على مواجهة الواقع من خلال الإحساس العميق بالمواطنة والانتماء للواقع بكل تفاصيله، من دون الوقوع تحت طائلة الموجهات المجزوءة والفرعية.