بؤس الشعر العربي الآن من خلال مجموعات شعرية جديدة مختلفة (الحلقة الثانية)
3-quot;زلة أخرى للحكمةquot; لجريس سماوي
الاخلاص لبدايات شعر التفعلية وخواء وهذر لا ينقطع
(سادن الغيم ذات ليل أتاني
فاعتراني من الهوى ما اعتراني
قال : بُح بالمنى، ونم في جداري
واجترحني، وجد بورد الأماني
من يحيل الجدار غيماً وينسى
يكسر الليل تحته ويراني.
من قصيدة (فريسكو على جدار غائم).
تقدم وكالة الأنباء الأردنية (بترا) مجموعة جريس سماوي بالكلمات الطنّانة التالية : (حظي الديوان الشعري للشاعر الأردني جريس سماوي (زلة أخرى للحكمة) بطبعتيه، الأولى
التي صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر والثانية التي صدرت عن المكتب المصري للمطبوعات باهتمام الأوساط الثقافية العربية وخاصة في معرض الكتاب الدولي في القاهرة. يقول جريس سماوي انه أراد أن يمتد الى الأفق العربي في هذا النتاج الفكري الشعري الأول ليلفت الانتباه الى وجود شعر وفكر في الأردن). وتصريح الشاعر هنا مفارقة كبيرة غير مبررة وهو يعرف انه لا يمثل الشعر ولا الفكر الأردني. سيزول عجبنا للحماسة الشديدة التي تقدمها لنا وكالة الأنباء الأردنية في تضخيمها لظاهرة جريس سماوي وديوانه الأول الذي صدر بعد أكثر من عقدين في كتابة الشعر ونشره في الصحف والدوريات العربية، حين نعرف أن هذا الشاعر الذي تقدمه ميسون أبو بكر في منبر (دنيا الوطن) الفلسطيني بقولها : (وهو يتولى الآن منصباً هاماً حيث يعمل مديراً لمهرجان جرش. هذا الذي يقام في رحاب التاريخ ويجمع أهل الفكر والأدب والفن). اذن هذا الشاعر ليس شاعراً حقيقياً وانما هو (عتوي)* كبير يرأس ادارة مهرجان جرش الذي يقام كل صيف في الأردن، ولكي أعطي الدليل على نزع صفة الشاعر عنه. أعود الى كلمة محرر وكالة (بترا) في قوله (الديوان الشعري للشاعر الأردني جريس سماوي) ولست أدري هل أراد أن يثّبت الشعرية في المجوعة ويميزها عن (ديوان المظالم وديوان البريد وديوان الخراج) لكن يبدو أن الأمور قد اختلطت على هذا المحرر الذي اكتشف أن وضع مجموعة قصائد في كتاب تكون نتيجتها ديوان شعر. قبل الدخول في مناخات المجموعة أود أن أعّرف القارئ بطبيعة وعمل الشعراء الذين يشرفون على ادارة المهرجانات الثقافية في العالم العربي في نسج العلاقات العامة وتوجيه الدعوات والدعوات المقابلة للاشتراك في هذه المهرجانات التي تقام في الأردن وسوريا وتونس والمغرب ومصر وعمُان واليمن* والمجانية في التقريظ والاعلانات الكاذبة عن الابداع عند هؤلاء المدراء وسواها من الترهات التي باتت مفضوحة لنا الآن. يكتب الصحفي المصري شريف الشافعي من القاهرة في صحيفة (الرياض) في عددين مختلفين عن جريس ومجموعته ويقول في العدد الصادر بتاريخ 20 ابريل 2005 بحماسة انشائية يحسد عليها : (حيث ينحو الشاعر الى القصر بقدر ما ينحو الى السهولة والوضوح والابتعاد عن التعقيد والتكلف، كما استطاع الشاعر أن ينجو من السقوط في فخ الرتابة بواسطة تنويع الصياغات والإفادة من الخيوط المرهفة للسرد وتقنيات الفنون الأدبية الأخرى كالمسرح. ورغم أن الشاعر يمنح ذاته حرية في فضاء النص، فإنه في الوقت نفسه يلتزم تقنيات القصيدة التفعيلية من موسيقى ظاهرة وصور بيانية وتخييلات مجازية، كما تتسم لغته بقدر من الشفافية والسمو فوق نبرة الحياة اليومية) ثم يستشهد هذا الصحفي والناقد العبقري بقصيدة لا علاقة لها بحماسته هذه ليخدع نفسه ويخدع القارئ غير المطلع على المجموعة. ويكتب أحمد الشهاوي وهو ناسج علاقات عامة ماهر في كل بلدان العالم العربي ويشبه أحد الأشخاص عندنا في ادعاءاته حول تهديده من قبل القوى الاسلامية بسبب مجموعة تمزج الحب في التصوف وفوزه بالجوائز العديدة لاكتشافاته المزعومة في الشعر وهو يكاد يكون أحد الضيوف الدائميين على مهرجان جرش قائلاً عن جريس سماوي ضمن مجاملة معروفة : (هو شاعر أشعله البرق، وحلّت به النار، ودارت به الريح، يشدو بترنيمته بين كثبان الجسد، ويغمض عينيه قرب الرخام المقدس، يعزف لحنه البدائي في خفة، ويداري به وحشته وضياعه، يشعل قلبه. إنه جريس سماوي، سارق الخيل ليلاً، الراقص مثل عريس من الجن منتشياً بلغته وصوره. خيمته من هواء، وبيته غبار السفر، يفرش أحلام روحه لحرفه، ويشعل الأرض كي يحرق اللغة ويحرسها. منذ أن دق أوتاده في العراء وغطى المساء بأستاره ومضى، وهو مستغرق في السديم، يرى كل شيء. هو شاعر علق الأرض في دورق من مياه، ومد أسفاره للبعيد، ورتب للمبحرين طريقاً وللعاشقات هدايا من لؤلؤ). نحن الآن بحاجة هنا الى من يفك لنا طلاسم الشهاوي هذه ويوضح لنا ما المقصود ب : الرخام المقدس و اللحن البدائي و سارق الخيل ليلاً. ولا ندري أية خيل هذه التي يسرقها الشاعر في الليل ؟ و عريس من الجن وخيمة الهواء و يحرق اللغة ويحرسها و دورق من مياه. تنقسم المجموعة في طبعتها الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2004 ب 174 صفحة الى 5 أقسام ضمن فذلكة يغلب عليها الطابع اللبناني المجاني في التصفيط والتبويب من دون روابط معلومة تربطها من ناحية الموضوعات أو الفترات الزمنية أو المناخات وهي غنائية وتتكئ على التقفية في جميع القصائد ومكتوبة على طراز شعر التفعيلة في الخمسينيات من القرن الماضي ووفية لرؤى وتقاليد ومعمار ذلك الشعر، كما يتعكز الشاعر فيها على حرف الواو وكاف التشبيه في الكثير من القصائد لربط الجمل والسياقات ضمن مناخ البدايات الأولى لشعر التفعيلة : جريس سماوي
(مريض بجوعاي
بالزالفين الى كعبتي
بالحجيج
الألى انتظروا طَلَّتي
عند جسر التعب
وأنا لم أُطِل
مريض بمن رسموا صورتي
كهلال
ومن لعنوا الحوت
من رقصوا كالدراويش
لكنني لم أهل). قصيدة (الرغيف)
تظهر التداعيات الرومنتيكية غير المنضبطة ذات المرجعيات التراثية التقليدية لثقافة الشاعر بارزة في أغلب قصائد المجموعة، كما تبدو لغته في خلفيتها القاموسية واضحة أيضاً عبر استخدامه مفردات مثل : (الهوى. الحجى. الأشهى. الأبهى. الحشا. الحرّى. المشتهى. صاحبتي. كثبان. أهجر. خباء. الثريا. أيها الناس. الحجيج. نديم. ماجنة. الشائنة. ثراه. الذي عَقّني بالغياب. التقاة. زلفى. هشاشتي. المستهام. الذاريات. العاديات. مجلوة. أترجى. دمايا. حمايا. خُطايا. تتبع الحُسنيين. الخجلى. أفراس. الدنيا. أقم القِرى. جوعى. الشعرى اليمانية. الألى). ويتبع في مناخ المجموعة كله ستراتيجية غنائية صارخة تخلت عنها القصيدة الحديثة نهائياً عبر تشظيها وامتلاءها بالتجارب الحياتية والمعرفية والصور والرموز والأقنعة والأحداث والحيوات المتعددة في تحولاتها والتجارب. لا تشذ عنها أية قصيدة ، عبر تقفية لفظية خالية من كل تجربة وحدث، لا نخرج منها بشيء يذكر من القصيدة الأولى حتى القصيدة الأخيرة. أقدم هنا هذه المقطعات من قصائد متفرقة لأعطي الدليل على ذلك :
(بجناحين من ألق الضوء مرَّت
وألقت على تعب الروح
أغنية تحيتها العابرة
ومضت
خلفتني رماداً وأغنية حائرة
ومضت
مثل حلم جميل مضت
ليتني لم أكن متعباً حين مرّت
ليتني لم أكن نائماً في ممرّ الدخان
ليتني لم أكن مثقلاً بضباب المكان .
كملاك صغير
بيدين من الفضة الساحرة
وفم مثل حبة توت مقدسة
وجناحين من ألق الضوء
مرّت
وألقت تحيتها العابرة
خلفتني رماداً وأغنية حائرة). قصيدة (التحية).
(عينان راغبتان
والكحل من شِعرٍ مقفى بالنعاس
وخمارها كشف وإخفاء
وموسيقى الحواس). قصيدة (امرأة متخيلة).
(يجوس فوق ملاسة الحجر المضيء بها
فينتشر العبير
وهو انبلاج البرق والمعنى
وهو المعَّنى والفقير
وهي الفضاء الطلق
والجسد المنير
وهو الأسير
لكأنها امرأة
تلامس شهوة أخرى
وكأنه الذكر الضرير). قصيدة (مطر وتمثال).
(لرعاة المجوس الثلاثة
أمنح أجراس روحي
أضمُّ لموقدهم نار روحي). قصيدة (فريسكو على جدار غائم).
(والمرتوي بالندى
والأماسي
ألا أيها الورد
يا ذا البهاء
ويا ذا الرجاء
ويا ذا المسرات
يا أيهذا النبي المؤاسي
ويا أيهذا النبي المسمر بالحلم
والممتلئ بالنعاس).قصيدة (دعاء الورد).
(منذ أسراره
منذ أحلامه المصطفاه
منذ أن أشعل الأرض
ذات شتاء بعيد
ومنذ خفايا رؤاه
منذ أمطاره المشتهاه
يرى كل شيء
ولا شيء يراه). قصيدة (البحر).
(دائرتان من الضوء
ترتعشان
تسيلان
مثل نبيذ عتيق
وتختلجان
هما أجمل الهندسة
وفمان
يقرآن كتاب الغوايات
من دونما مدرسة
رغبتان
تبحثان عن الروح. تنجذبان
وتبتعدان وتندغمان
هما جمرتان
تشعلان المكان وتأتلقان
دائرتان فمان
منفلتان من الوزن
غامضتان
هما نغمتان
هاربتان من العود
صعلوكتان). قصيدة (قبلة).
وألآن ndash; ماذا بامكاننا أن نقول عن شاعر في عصرنا وأيامنا هذه يرأس أحد المهرجانات الثقافية والفنية والسياحية في العالم العربي . يقّفي ويقول في قصيدته : (ألا أيها ال) ؟. في أفضل الأحوال سنقول له : (عد عزيزنا جريس سماوي الى خيمتك وصحرائك وبدويتك الشعرية، واترك الادعاء في الشعر والفكر الأردني الذي تحاول أن تلفت الانتباه اليه الآن. نحن أدرى منك في الشعراء الأردنيين الحقيقيين وابداعهم).
* عتوي. القط الكبير في العامية العراقية
* تلقيت دعوة الى مهرجان في اسبانيا بعد سقوط نظام صدام بشهور ورفضت المشاركة
كما اتصل بي قبل شهور شخص اسمه علي حسين دهيس يرأس تحرير مجلة أدبية في صنعاء وطلب مني المشاركة في (مهرجان صنعاء للشعر) فرفضت أيضاً، وغدرت بصديقي الشاعر العراقي رحمن النجار الذي دعاني الى قراءات في أمسية بالعاصمة الدنماركية وسافرت الى هناك بعد أن قام مشكوراً بترجمة القصائد التي أخذت من وقته الكثير، لكنني عدت الى بيتي قبل موعد الأمسية بساعة في القطار الواقف في الجهة الثانية من محطة كوبنهاكَن وأغلقت تلفوني واعتذرت من رحمن بعد فترة طويلة.
التعليقات