بدل رفو المزوري من غراتس (النمسا): فقد الكباريت النمساوي فنانا كبيرا واسطورة خالدة في تاريخها والذي اعتبره الناس قلبها، انه الفنان الراحل كيرهارد برونار والذي تمكن بقدراته الفائقة ان يكون استاذ الكوميديا الغامضة ، رحل عن عمر ناهز الرابعة والثمانين في فيننا.. برحيله تاثر الجميع وقال الكل كلمتهم في حقه واولى الكلمات كانت لرئيس دولة النمسا (هانز فيشر) حيث قال بان كيرهارد برونار كان انسانا سياسيا وتمكن ان يقرب حقائقا مُرة مغلفة بالفكاهة والهزل، واما مستشار دولة النمسا (الفريد كوزينباور) قال: لقد كانت احاسيس برونار ضد الظلم جعلته ضمير نمسا. وزيرة الثقافة النمساوية قالت في رحيله: بان كيرهارد برونار تمكن ان يسلي الكبار في الكباريت بعقل وجلبهم على الافكار الاخرى.. الكل كان لهم كلمة في رحيل اسطورة الكباريت برونار.
كيف تكون ومن اين البداية مع انسان قد حرث ارضا خصبة لفن اصيل تذكره اجيال هذا الوطن، بعد عام 1945 وبهذا المقدار المركز والمثمر وربما على هذا المذهب التالي في مسرحياته الهزلية وبالصورة الهزلية حين قال : اليوم يلبس فيردل (تصغير فرديناند) الابله جواربا نظيفة ومخططة بالازرق والاصفر وهذا من الاناقة، هذا مقطع من احدى اغانية في الكباريت عن (فيردل الابله) وكذلك اغنية سكك حديد بلوس) واغنية (مع البابا الذي يصلح الامر)، وكل هذه الاغاني صارت لدى الشعب النمساوي كاناشيد وطنية يرددها الجميع وقد كتبها مع صديقيه (هلموت كفالتينكر، كارل ميرتس)، ويمكن ان تبدأ ايضا مع هذا الرجل الذي قدم في اذاعة (و 3) للمتقدمين وصار بها مؤسس موسيقى البوب في النمسا.
كيرهارد برونار.. لم يكن متزلفا قط، ولم يكن في فيننا وفي تلك المنطقة التي ابصر فيها النور سعيدا وقد قال هذا الحديث لصحيفة كلايني تسايتونغ النمساوية في البحث عن اثار حياته في فيننا، حيث كانت اللغة البوهيمية نظيرة للغة الرسمية في البلاد، حيث سموا الانف (فرن ياك) وفي منطقته التي لم يكن فيها سعيدا، استوطن عمال الطابوق في اواسط القرن التاسع عشر وكانوا مجبرين على الحياة في السراديب وحياة الضراء.. لقد كانت الحياة في منطقتهم فقيرة ومتدنية جدا بمقدار ان الطبيب (فيكتور ادلر) ترحم عليهم وتاثر بهم وهذا ما دعاه الى تاسيس حزب العمال والذي تغير بعده الى الحزب الاشتراكي.. هذه الحياة وهذه الماسي طبعت لدى كيرهارد برونار ليصبح قلب الكباريت السياسي الوقح في النمسا، الكباريت الذي غير ممكن من دونه (يوسف هادر)و (الفريد دورف).
كيرهارد برونار.. من مواليد 23\10\1922، في فيننا ـ النمسا، وفي عام 1938 والذ ي يعتبره العام المشؤوم له ولعائلته وللانسانية كلها وحيث اعدمت كل عائلته من قبل هتلر وهو بدا بعملية هروب مغامراتية الى فلسطين، وقطع هو صديقه نهر الدانوب سباحة لكيلومترات كثيرة عرضا وفي هذه المغامرة مات صديقه غرقا في ا لدانوب واما هو فقد صار فوق الماء باعجوبة... كعادته في حياته وفي مذكراته المسماة (مرآة امام الوجه) يقول فيها : بان هناك في الحياة اشياء كثيرة للنسيان ومن هذه الاشياء التي من الاحسن نسيانها هي (كورت فالدهايم) رئيس دولة النمسا الاسبق والامين العام للامم المتحدة الاسبق، حيث يقول كيرهاد برونار بان كورت فالدهايم كان السبب في رحيلة الى فلوريدا عام 1989 وليس السبب الذي وجدوه هو دفع مليون شلنك، حين حكم عليه بدفع الضرائب.. ولكنه ببساطة امتنع عن دفع الجزاء.

رجع كيرهارد برونار الى النمسا عام 1993 بعد ان تعهداصدقاؤه ومن سخائهم الكبير بان يدفعوا الجزاء من جيوبهم كي يعود اسطورة النمسا الى وطنه..
كيرهارد برونار، كانت عائلته تتكون من اربعة اطفال وطوال عمره كان يتذكر القلب الكبير لوالده حين كان يمنح كل متسول شيئا وكان يتذكر حين كانت والدته تزجر والده بان لا يعطي المتسولين شيئا لا نهم يصرفونه في شرب الخمرة وكان رد الوالد : حين امنحهم شيئا لولم يناموا بهدوء فانا وضميري سننام بهدوء.. هذه صفات الفنان الكبير الراحل التي ورثها من ابيه..
والان على كيرهارد برونار ان ينام بهدوء وقد عمل طول حياته ككباريتي وعازف وملحن ومترجم ومقدم.
ولقد قدم اعمالا كثيرة وكبيرة تفتخر بها الساحة الفنية والمكتبة الانسانية ومنها خشبة امام الراس، قدمها حين رجع من فلسطين في الخمسينيات وكباريت محاورات ترافيلس جيك معا مع هلموت كفالتينكر.. وفي شبابه ايضا عاش كمطرب في الشوارع وملحن حين عاد الى فيننا.
سيرة الفنان الكبير حافلة بالمغامرات واعمال تشهد تاريخ النمسا واغان يرددها الصغار والكبار ويعتبرها الكثيرون مقدسة كاناشيد وطنية وبهذا يفقد الكباريت النمساوي قلبه وتطوى صفحة اسطورة هذا الرجل العملاق بهدوء وحزن لدى النمسا.