الرسامة البلجيكية أنيك دلبورت باكس: البحث عن أزمنة تونس الفاتنة

بسوسة - تونس: تمكن الفضاء الثقافي رواق quot;الوكالةquot; بالمدينة العتيقة بسوسة من أن يحقق إشعاعا مهما جاء نتيجة مثابرته منذ انطلاقه على تكريس و تحقيق أهدافه المتمثلة خصوصا في الانفتاح على المشهد التشكيلي التونسي والعربي والغربي بكل تنوعاتهم، بحرص خاص من صاحبته السيدة نجاة النابلي عياد على دعم كل المبدعين على اختلاف جنسياتهم وخاصة منهم الذين يمتلكون تجارب قيّمة. وتبرز المعارض التي احتضنها منذ انطلاقه و منها معرض الرسام السوري أسعد فرزات و كل من محمد بلعجوزة ومصطفى الدنقزلي، التنوع الثري في التجارب الإتجاهات الفنية. ولمزيد دعم هذا التوجه اختار الرواق أن يستضيف فنانة تشكيلية أوروبية وهي البلجيكية quot; أنيك دلبورت باكس quot; عرفت بولهها اللامتناهي بتونس. وسيفتتح معرضها الشخصي يوم السبت 31 آذار (مارس) على الساعة الخامسة والنصف مساء ليتواصل إلى غاية يوم 19 نيسان (أفريل).
وتختزل حياة أنيك دلبورت باكس الممتدة على حولي 45 سنة مجموعة من التجارب المتداخلة حد يصعب معه الفصل بين المرأة الفنانة والأستاذة و الرحالة والمشتغلة بمجال الديكور والمغرمة بالغات والتاريخ والجمال والمفتونة بالألوان. و كل هذا الثراء الحياتي منح لوحاتها الممزوجة بسحر الشرق - الذي تحلق به علاقتها بتونس تحديدا - ودهشة الغرب، أسلوبا فنيا متميزا ورؤية بصرية موغلة في الروحانية المستلهمة من عبق أزمنة تونس الفاتنة بما فيها من خصوصيات فريدة يتوارثها المجتمع التونسي منذ آلاف السنين..

ويمثل معرضها محاولتها الفنية في الحفاظ على هذا الموروث الاجتماعي والفني ورغبتها الجامحة في حمايته الاستفادة منه والاحتفاء به على طريقتها الخاصة. و تقول متحدثة عنه: quot;حتى بعد مرور عشرين سنة على قدومي إلى تونس فإن هذا البلد ما زال يسحرني..كل مرة أكتشف شيئا جديدا يعيدني إلى الماضي الموشح بالفتنة والثري بالرموز والعادات و التقاليد و الأشياء.. العديد من الرموز عبرت التاريخ و الثقافات والمعتقدات و الأديان و العادات و الجهات و لا نزال نستعملها إلى يومنا هذا وهي تعد من التراث ومنها quot; الخلال و quot; الزيتونة quot; وquot;الخمسة quot; والسمكة quot; والعين quot; وغيرها.. و لئن كانت دلالتها تتغير حسب المعتقدات و الجهات بالرغم من إنها رموز قديمة عبرت آلاف السنين، فها نحن نستعملها إلى الآن.. هنا في تونس منذ زمن، والآن أيضا، عندما أشاهد امرأة بربرية بلباسها التقليدي أفكر في درس اللاتينية و قراءة حياة أثينا اليومية.. البلد مبعثر عبر بقايا عدة حضارات: النوميدية والفينيقية والرومانية والبيزنطية والعربية، وشواهد مسكونة بماض زاخر بالتألق.. ولئن اخترت الإستقرار بحمام سوسة، فإنني قضيت أيضا ثلاث سنوات بمدينة الكاف في عمق التاريخ على سفح جبل quot;الديرquot; حيث يطل المكان بما يتميز و ينعم به من منظر رائع وأخاذ على quot;مائدة يوغرطة..quot;
وتضيف متحدثة عن إغتذاءها من التراث التونسي في لوحاتها: quot; الأشكال الهندسية الأساسية مثل الدائرة والمثلث والمربع والمستطيل وغيرها.. هي أشكال مستخدمة بغزارة و سلاسة في الرموز التراثية القديمة، و تتجلى قيمتها في أنها تمنحنا متعة القدرة على استخدامها على ما لا نهاية لتجسيد المعنى أو الرسالة: أي المدلول.. أعلم أنني أحب الحديث عن تونس من خلال لوحاتي عبر رمزية بسيطة مستمدة من التاريخ و الجغرافيا كمحاولة مني لجلب الانتباه إلى مفارقات وعادات وأحداث ولحظات وأناس ومدن وجهات.. حقا، تونس تستحق أن تحكى.. quot;
هذه بعض ألوان و فضاءات لوحات الفنانة التشكيلية البلجيكية quot;أنيك دلبورت باكسquot; التي حولت عشقها لتونس إلى حكايات تتحدث عن تفاصيل الحياة اليومية البعيدة عن تلوث العولمة و صخب الحداثة و العابقة بعطر الأصالة رسمتها بريشة مشاعرها والمحلقة في سماء أحاسيسها الشفافة.. إن معرضها رحلة ممتعة بين نور العشق وروح التاريخ و تراب الجغرافيا ونار الكائن و ماء الفن..