اصطدتـُه فيما أنا أكتبُ.
كثيرا كمنتُ له في القروح، في العبارات، وفي مفارق الطرق، عندما تعوي المدن من شدة الالم فيماالذئاب، في فواصل الجسد، تلحسُ عظام فكرتي عنه. لكنه كان يفر من مدى الإشارة، يختفي مثلما جاء، ساحبا خلفه حزمة من خنادق حفرتها لإصطياده، وشراكا، هي قصائد تعكس قارئها، وقد تعفـّن في مرايا الأمل.
كنتُ مبعثرا قبل ذلك، اُطيح بالشجن: أمدُّ يديّ في الجهات، أجر الهواء من ياقته، وأشدُّ العاصفة من شعرها، لاعقا الجروح التي شاركتني العيش مكشوفـا تحت عدسة مكبرة: غاضبا غاضبا كنتُ أشرب العالم بعينين معصوبتين، وأتقيأ كل شيء، دمعة بعد دمعة. مع ذلك فقد كنت مشرقا مثل ولد عاشق، يكتب طائرته الورقية على نهر من الاسفار. وبين دفاتر الاغنية، في بحة الرخام، كنت أحنو على الغابة،أفرك صدأ ذاكرتها: أكشط الزئير، و أفرش لضيوفها سرير الغبطة، بالرغم من القتال العنيف بين نفسي وبيني، لأن الكمائن التي نصبتها كانت كثيرة، ولأنني كثيرا ما وقعتُ فيها.
وهاهو الان في غرفتي، مجردا حتى من ظلامه، فيما الزمن يجري كعادته، تاركا لنا، نحن الاثنين، فرصة عادلة للانقضاض على بعض: كنتُ واثقا من أنه هو، وليس نسخة مزوّرة، كتلك التي كنتُ اطاردها في الحروب، التي خضتها دون طائل، فسحبت ُله كرسيا من حديقة القصيدة، واجلسته. غنيتُ له: ياليل
ياليل ياليل
ياليل
كم ناديتـُكَ ياليل ؟
كم أنشدتُ، تحت مظلات حرابك:
الا يا أيها الليل الطويل
ياليل
أنتَ ياليل
يامن تفر من الليل الى الليل
يامن تنقل الليل الى الليل، ياليل..
الا انجلي بصبح
ولم تنجلِِ، ولومرة، ياليل ؟

كان غنائي نواحا، كان بكاءا، كان صراخا، كان.. حتى رأيتُ أن النجوم، على كتفيه، قد بدأتْ بالثغاء، كما أن القصيدة، هي الاخرى، قد اكتظتْ بحشرجات القتلى، فمزقتـُها، ورفستـُه. هكذا تركته يتلوى، وحيدا في الغرفة، وخرجتُ لأتثائب..

[email protected]
شاعر عراقي مقيم في بغداد