1.
يفتحون كتاب الظّلمات
لغات حبلى بالكراهيّة
تتفتّت في العوالم
وتذهب برغبتها الجامحة
أشلاء إلى العدم

بتراتيل الكتاب
يعدّون أعراس الثّأر
بمناديل الضّوء المقتول
يفرشون مآدبهم
بالهباء يعمّرون أوانيهم
السّوداء

سيأتي حجيج الهويّة،
هؤلاء الذين أقاموا طويلا في الألم،
يغمّسون كسرتهم
ويرتحلون إلى ليل البشاعة
الطّويل.

2.
جاؤوا يحملون الكتاب
يملؤون عورات الكائنات
بالقفر
غبار سيلفّ الأكوان
رياح جاهلة ستشيّع بقيّة خضرة
إلى مرقدها الأخير
مياه الحياة ستتخبّط في ذكرى عنفوانها
وتتبخّر
أجرام النّور التي غزلها قدامى وجدد
بأصابع العشق
ستتهاوى في مزابلهم
وتنطفئ

الآن يتوقّف التّكوين
ويتجمّد عابرو حدود الممكن
في يأسهم
الآن تنزوي لحظة الإيمان
في يبابها
وتطلق فتافيت الدّيانات
شياطينها الدّمويّة
وتكتب العالم الجديد

لا نسل سيخرج بعد الآن
من أمّ الكتاب
ولا أب ستتلطّخ في قسوته
الرّوح
وتتّسع شرنقاتها
لتهزّ جلال السّديم.

3.

سدنة الموت
يلهجون ببشائر الخراب
ويذبحون الحياة
بأوهام الجموع
الأبديّة

سدنة الرّعب
يحملون الأفكار معبّأة،
في التّوابيت،
وينشدون القبح

ما ان تطأ أقدامهم أرضا
حتّى تجفّ كلّ الينابيع
إذا نظروا إلى الخصب
تستفزّ المجاعات.

هؤلاء الذين يغتالون الأطفال
يغتصبون عقولهم
في العتمة
ويخنقون براءتهم في ليل
السّفاح الأليم.

4.
هؤلاء الذين يلطّخون
أساطير الأطفال
بحيواناتهم المنويّة
الميّتة
ويقدّمونهم قرابين
لجيفة المطلق

كم من سنة أخرى
قرنا
ستغتال في مدنهم
الأرواح

كم من أجنّة سيخنقون
في مرارة الكآبة
كم من شاعريصلبون
ثم ينتحبون على زوال
الرقّة.

5.
الكلّ على شفا الظّلمات
الكلّ يجترّ صدمته
فقهاء الفكر المترهّل
يحومون في زنزاناتهم
مثل عقارب أضاعت
أشواكها
صنّاع الكلام
تنسحق بلاغتهم
تحت أحذية الوهم
الضّخمة

الكلّ يخفض صوته
بحثا عن راحة البال
الكلّ يلعن الوقت
وينسحب.

6.
الموت يلفّهم
وهم يزحفون
أحزمة الفناء تعتصر
دقّات القلوب
والقنابل تتدلّى في اللّيل
فوانيس مجهضة

على عربات الرّعب يزحفون
فوق التّراب يمرّغون
دمّل شبابهم
بأسلحة المرارة
يعدّون بطولات عمياء
يحلمون بامبراطوريّات
لا حدود لها
بأساطير تسكّن ألم
الزّمن.

7.
هؤلاء الذين حلموا
ببلاد
لم يعودوا إلاّ بأشلاء كوابيس
يطوفون بها في العراء

لا أثر لرحلتهم
لا ذكريات
عويلهم ينهش الأفق
حين تقطّع خناجر الوهم
لغاتهم

هذه الرّغبة السّوداء التي
تسكن أجسادهم
توقّع سقوطهم في أعماق
الوقت
هذه الحجارة التي تتقاطر
من عيونهم
دموع تحتضن أكفانهم

أعمار تذبل في العدم
عدم هنا
عدم يدوم.

8.
هؤلاء الذين يجدّفون
في بحار الموت
بأياد مقطوعة
قواربهم تفيض بالدّموع
والصّلوات

الرّاحلون على ألواح الوهم
ينشدون ألمهم
للغارقين في الراحة الكاذبة
للملتحفين بسعادة الجزر
الموبوءة

الراحلون
لا أحد يصلّي من أجلهم
من أجل دمهم الذي يلطّخ
كلّ المدن
وينزف من جراح النّهايات.

9.
هؤلاء الذين تدهسم اللّغات
بلا رحمة
تمزّقهم
يبتلعون عارهم
لقمة
لقمة
بقاياهم قربان لمسلخ الشّرق
الرّهيب
شاهدة فوق قبر فراغه
الكونيّ


هذه الحياة تمضي
دونهم
ومياه السّعادة تضجّ
خارج بركهم
الرّاكدة.


10.
من أجل لا شيء
يموتون
جثثهم لا تليق
بأي مزاد
حتّى الشّعارات والقصائد المنهكة
لم تلفّع جماجهم الملقاة في
اللامكان

هؤلاء الذين خسروا الحداد،
بعد طول عناء،
أرواحهم تصعد
تصعد
للرماد العفن الذي لا
يشهد
لنهاية الحكايات.

11.
من أجل لا شيء
يتهاوون كشهب سوداء
أياديهم المتضرّعة
تشدّ على ورود
تأتي متأخّرة
شفاههم التي لهجت بالدّعوات
تنزف حليب الأمل
المرّ

القدّيسون بدون سماء
بعثروا على وجه الأرض
جنّات عديمة الجدوى
الأبرياء المحنّطون
في توابيت المطلق
المنتحرون على أعتاب الوجود
تضيع أرواحهم
في دهشة السّفر
الأخير

شاعر من تونس