الانسانية لم تتقدم خطوة، من عند "الكيلومتر صفر" بربرية

من صلاح هاشم.موفد ايلاف الي"كان": مازالت السمة الاساسية في معظم الافلام المشاركة في مسابقة "كان" الثامن والخمسين، مثل فيلم "كيلومتر صفر" للعراقي الكردي هينر سليم، وفيلم "الايام الاخيرة" للامريكي جوس فان سانت و"انتخاب" للصيني جوني تو من هونج كونج، ومعظم الافلام التي شاهدناها في المسابقة وخارجها ولحد الآن، وبعد مرور6 ايام علي بداية المهرجان، هي العنف الكاسح الطاغي، الهادر مثل شلال، وهو يجرف امامه كل شيء، ويهدد حضارة البشر في الصميم. هذا العنف الذي يترصدنا خلف الابواب، وفي كل لحظة، كي يباغتنا، فلانعرف كيف نواجهه، أونتعامل معه، نمنعه أو نصده. عنف الحرب، وعنف الاسرة، وعنف المدينة، وكذلك العنف الاسود، والاكثر كأبة وسووداوية، ذلك العنف الدموي الوحشي( الذاتي )الاخطر، العنف الكائن داخلنا، ويحب ان يسيطر ويسود، وكأنه قدرنا ولعنتنا، وهو ايضاصليبنا الذي يجب ان نحمله معنا في كل مكان، ونحن نجوب طرقات هذا العالم وحروبه ومدنه ومهرجاناته،فتقشعر له اجسادنا. اللعنة..

كما يبدوان العالم، كما خيل الينا، ونحن نتابع ونشاهد ونتأمل ونفكر في افلام المهرجان التي شاهدناها ولحد الآن، لم يتقدم خطوة واحدة، من عند الكيلومتر صفربربرية، علي سكة الحضارة والنضارة، والسلام والسكينة والامن لبني البشر، ومازال محلك سر، وهو لم يتحرك من عند نقطة التوحش والتخلف والتعصب والهمجية تلك ومنذ زمن، وعلي الرغم من ضحايا العنف والحروب بالملايين في الحروب الماضية والحالية، فيا ايتها الفضائل التي يفاخر بها الانسان- كما يصرخ الروائي اليوناني نيكوس كازانتزاكيس في روايته " المسيح يصلب من جديد " ونحن نصرخ معه – ايتها الفضائل التي يفاخر بها البشر، ساعدينا..

في فيلم " الكيلومتر صفر" للعراقي هينر سليم، نتعرف علي العنف والقهر والقمع الذي كان يمارس ضد الاكراد، والاكراد بصفة خاصة، حيث يحكي الفيلم، الذي لم يعجبنا، ولا نظن ان مستواه الفني الضعيف كان يؤهله للمشاركة في المسابقة الرسمية، وكان يمكن، علي افضل تقدير، ان يعرض في تظاهرة " نظرة خاصة " علي هامش المسابفة، او احدي التظاهرات الموازية، يحكي عن شاب كردي يدعي " أكو" كان يريد اثناء الحرب العراقية الايرانية عام 1988 ان يرحل بعيدا عن وطنه، ويسافر مع زوجته " سلمي " وطفله الي اي مكان أخر، غير هذا العراق، الذي يطلب فيه من الكردي ان ماظهر، كما في المشاهد الاولي من الفيلم، ان يرقص، قبل ان يضرب بالحذاء أوالرصاص او يسحل أو يهان، كما حدث مع صديقه " حسن "، ولم نكن نعرف ان الاكراد اشتهروا بالرقص، وان يهبط سلم برج حجري بظهره، ثم يطلب منه ان يصعد السلم من جديد، مثل البطل "سيزيف" في الاسطورة اليونانية، وعليه ان يرضي بواقع الغربة والقهر والذل في الوطن وان يخرس..

ولايجد بطل الفيلم الكردي " أكو" حين يرفض ان ينخرط في صفوف المفاومة الكردية تحت الارض، وبعد فشله في تدبير محاولة هروبه مع زوجته وطفله خارد البلاد، وبخاصة ان زوجته لاتريد ان تترك والدها العجوز يموت وحده ولايجد من يدفنه، وكانت دوما ترفض فكرة السفر قبل موته، لايجد أكو مايفعله سوي الالتحاق بالجيش العراقي، فيرحّل الي الجبهة العراقية الايرانية، ويكون مع افرانه الاكراد أول من يلقي بهم في فك الحرب، التي تحصدهم قنابلها ورعبها في خنادقهم تحت الارض، ومن اجمل مشاهد الفيلم مشهد " أكو " الذي راح، بعدما عرف من زميل له، كردي ايضا، تم تسريحه، انه لوفقد طرفا في الحرب، فانه يعود بسلام الي ارض الوطن، راح يلوح بسافه حارج الخندق، علي أمل ان تصاب برصاصة ويتم بترها ايضاوبالتالي يتم تسريحه واعادته الي أهله، غير ان هينر سليم، الذي حاول عبر هذه الاوديسة الكردية تصوير الاهوال التي عاشها الشعب الكردي اثناء حكم الجزار صدام حسين، ويذكرناالفيلم بضحاياا لنظام الديكتاتوري ومذابحه التي راح ضحيتهااكثر من مائتي الف كردي من ضمنهم 5 ألاف كردي ضحايا قصف مدينة "حلبجة" بالغازات الكيماوية والنابالم وغيرهم، يبالغ كثيرافي رسم صورة تكاد من شدة ميلودراميتها و كاريكاتوريتها،ان تذهب بفيلمهو وتجنح به الي هوة العاطفية والافتعالية التي يمجها الفن السينمائي الذي يعتمد علي الاقتصاد والتكثيف والتلميح وينبذ التصريحات والمبالغات العاطفية الزائفة، والتكرار الممل، ولعل من اقسي المشاهد التي كشفت عن سذاجة مخرجنا، المشهد الذي يمسك فيه أكو بالعلم العراقي بعد هروب السائق العربي، وكان الاثنان في طريقهما الي تسليم جثة أحد الشهداء الي أهله، وكانت الجثة مغطاة بذلك العلم، ويروح أكو يفش غله وغضبه بعد اهوال الطريف ومشاحناته مع السائق العربي في العلم و يمسح به الارض ثم يخرج من الكادر ويعود مرة ثانية الي العلم، فيأخذه ويمسح به الارض، ويطوف به أرضية الكادر، ثم يعود ويكرر ذات الشيء، حتي انك تقرف من هذا الهينر سليم، فالمسألة تعدت هنا اخراج فيلم ما، وتحولت الي سب وقذف وشتيمة، لاعلاقة لها البتة بالسينما الفن التي تقربنا اكثر من انسانيتنا، وتعلمنا السلوك الحضاري الراقي السليم، بل انها يقينا تصبح كما في هذا المشهد، الذي كسر ايقاع الفيلم، تصبح بمثابة اعتداء علي حضارة العرب وثقافاتهم، وتعكس كراهية مخرجنا الشديدة العنيفة للجنس العربي، وتحوله الي "هتلر" كردي، بوعي او من دون وعي، بسبب تلك الكراهية التي تعمي عينيه، وتجعله ينسي او يتناسي، ان العراقيين، من العرب وغير العرب، من الاكراد والشيعة والسنة وكل ملة، بل وكل من وقف ضد نظام صدام حسين، تعرضوا لذات الفمع، والقتل والحبس والتعذيب، وكادت تضيع منهم هويتهم..وذاكرتهم..وانسانيتهم..

ثم ان هذا التطرف والمغالاة الشديدة في تصوير العرب، وكراهيتهم الاسطورية للاكراد من خلال السائق، اخذت تتراكم رويدامن خلال مشاهد الفيلم المنحازة والمغرقة في نمطيتها، و أخذت تتعاظم، حتي انها قتلت في النهاية الفيلم،وهبطت يايقاعه، وقضت علي اي تأثير نفسي أوفني جيد يمكن أن يتركه في نفوسنا، مثل ذلك التصوير الرائع المبهر في بعض المشاهد، ونكاد نقول اغلبها، ولعله التصوير، الفوتوغرافيا، اهم سمة مميزة في ذلك الفيلم، " الكيلومتر صفر "بتكوينات الصورة، و الكادرات، من خلال تركيز التصوير في الفيلم علي الابواب والنوافذ التي نري من خلالها شخصيات واحداث ومواقف الفيلمو وتكون بمثابة غذاء للعيون..

ولاشك ان هذا الفيلم الذي ينتهي بمقولة " ان ماضي الاكراد حزين جدا، وحاضرهم مأسوي، ومستقبلهم مجهول " كما تردد سلمي زوجة أكو في نهاية الفيلم، ثم يصرخ الاثنان، بمجرد سماعهما في باريس من خلال المذياع بخبر دخول القوات الامريكية بغداد وسقوط النظام، يصرخان ان تحيا الحرية، هذا الفيلم " الحساس "، كما وصفته و صفقت له مجلة " فارايتي " الامريكية، بدا لنا كريها ومقرفا وعبثيا، وفي معسكر التخلف والتطرف والامريكان، وكنا نأمل ان يكون هذا الاشتراك العراقي الاول في مسابقة المهرجان الرسمية مناسبة لنرفع رأسنا نحن العرب في المهرجان، ونفتخر بمواهبنا السينمائية العربية لكنه، بدلا من ذلك، شتمنا، و خذلنا..

يتبع

متابعات أخرى لمهرجان كان