أسامة العيسة من القدس :في سنوات نهوض المقاومة الفلسطينية المعاصرة، انشغل قسم من مثقفيها، بالمقارنة بينها وبين الثورة الجزائرية، خصوصا بين الفصيليّن الذين قادا المقاومة الفلسطينية (حركة فتح) والجزائرية (جبهة التحرير)، واوجه الشبه بينهما.
ويطرح فلم جزائري يعرض الان في الأراضي الفلسطينية، بإشراف مؤسسة شاشات، لدى المشاهد الفلسطيني، المقارنة بين التجربتين، بعد أن تحولت فتح إلى سلطة، وقيادة جبهة التحرير للجزائر منذ الاستقلال، دون أن يقصد الفلم ذلك.
ويتحدث الفلم الذي يحمل اسم (بركات) وهو من إخراج جميلة صحراوي، عن سنوات التسعينات في الجزائر، مع تصاعد العنف المسلح، ويتناول عبر 90 دقيقة قصة الطبيبة أمل، المتزوجة من صحافي، يختطف من قبل مجموعة مسلحة، فتقرر برفقة زميلتها الأكبر سنا منها خديجة، الذهاب إلى الجبال، للبحث عنه، وتكون المفاجأة بان قائد المجموعة المسلحة هو من جيل الثوار الذين هزموا الاستعمار، وها هو الان ينتهي قائدا لمجموعة تخطف وتقتل، وهذا ما يجعل المشاهد الفلسطيني يقارن بين التجربتين الفلسطينية والجزائرية، عندما يتحول الثوار من مرحلة إلى أخرى، وفي حين يكونون في مرحلة التحرر بين الناس ومعهم ويناضلون من أجلهم، يصبحون في فترة لاحقة في المكان الآخر.

من الفلم

ويصادر الخاطفون السيارة التي وصلت فيها أمل وخديجة إلى الجبال، بعد أن تقضيا ليلة هناك، ويجبروهن على المغادرة بدون حذائيين، فتنزل الاثنتان عبر الجبال الجميلة الخضراء في رحلة مؤلمة، وشافة، ويلتقيان برجل مسن، يعيش في الجبال بعد ان فقد زوجته، ويوفر لهن مأوى وطعام، ويرتبط الثلاثة بعلاقة قوية.
وينقل الرجل المرأتين، في عربته التي يجرها حيوان، إلى المدينة، وهناك يذهب كل طرف في طريق، ولكن سرعان ما يلتقي الثلاثة، ويعودون معا، وعلى شاطئ البحر، يأخذ الرجل المسدس الذي كانت تحمله أمل، ويقذفه في وسط الماء قائلا quot;بركاتquot; وتعني باللهجة الجزائرية يكفي، اي يكفي عنف وقتل والم سيطر على حياة الجزائريين في فترة معينة.
والفلم، الذي يخلو من التطويل، ومن لقطات زائدة، يمكن النظر إليه أيضا كرحلة لامرأتين جزائريتين، من جيلين مختلفين، في مواجهة واقع مرير، وعنيف، حيث يبدو شخوص الفلم، وخصوصا الرجال كأشخاص مستفزين، وعنيفين دوما.
وتبدو أمل وجيلها خاسرة، وكذلك خديجة التي شاركت في حرب التحرير، فعندما يتغير ثوار الامس، تكون النساء هن الخاسرات الأكبر، ويكون عليهن دائما مواجهة واقع قاس.

تنتمي أمل التي مثلت دورها الفنانة (رشيدة براكني) إلى جيل التسعينات في الجزائر، بينما تنتمي خديجة التي قامت بدورها الممثلة (فطومة بوعماري) إلى جيل حرب التحرير، ورغم التفاوت الكبير بين الجيلين، إلا أن التحدي يميز المرأتين، في مواجهة الواقع العنيف.
وتقدم الممثلتان، نموذجين مختلفتين، عن نماذج الممثلات التي تقدم للمشاهد في السينما العربية الرائجة، والمقارنة ليست أبدا في صالح ممثلات الأفلام التي تعرض في دور السينما أو الفضائيات، وهو ما يطرح السؤال حول السبب الذي يحول دون وصول مثل هذه الأفلام إلى المشاهد، ويأخذ نفس فرصة الوصول مثل باقي الأفلام التي يعتقد كثيرون أنها لا تصنع بسوية عالية. والفلم يشكل نجاحا باهرا للممثلتين، وللمخرجة جميلة صحراوي، في أول أفلامها الروائية، وهو من إنتاج جزائري-فرنسي، وشارك في البطولة: فطومة، وزاهر بوزرار، ومليكة بيلبي، وأمين كيدام.
وولدت المخرجة صحراوي، التي يتعرف عليها الجمهور الفلسطيني لأول مرة، عام 1950 في تزمالت في الجزائر، وتعيش فرنسا منذ العام 1975، وفيها درست السينما في معهد الدراسات السينمائية العالية في باريس.
ولها سجل في الأفلام الوثائقية منها: (أن تبلغ الألفي عام في جبال أوراس) (1990)، و(اسمي ماريان) (1992)، و(نصف سماء الله) (1995)، و(الأشجار تنمو أيضاً في بلاد القبائل).