الى: باسل محمد عبد الكريم
ايقظته في صباح احدى الايام الشتائية الباردة، كان متدثرا ببطانية ثقيلة يجتر انفاسه مع شخرة
خفيفة لاتسمع ال اعن قرب.. شاكر، شاكر، شاكر
- هه.
- انهض.
- شنو
- انهض بسرعة
- بيش الساعة هسة
- تقترب من التاسعة والنصف وانت مازلت نائما.
-. اه بعدني نعسان عوفني هسه الله ايخليك بس اشوية
- هناك طيران معاد ولا بد من تواجد الجميع على المدافع. وضابط الفصيل الان يتمشى بين الحضائر.
ران صمت قصير. ثم قام بازاحة البطانية بحركة متثاقلة تنم عن بقايا نعاس وكسل ورغبة بمعاودة النوم.قال متاففا وبعيون نصف مفتوحة: ساتي بعد قليل.
هيا اسرع، قلت بعد ان جذبته من يده.
ظهرت الطائرة وهي تسير بحجم طائر صغير تائه في سماء يختلط فيها ضوء الشمس باحمرار الغيوم التي كانت متناثرة في كبد السماء. مخلفة وراءها خيط دخان حليبي اللون، متعرج اشبه بدودة شريطية متطاولة. كان رف من الغربان يمر متهاديا صوب البساتين البعيدة و سيارات (الايفا) المحملة بالجنود والمؤن والذخيرة وارتال طويلة من المدرعات يضج بها الطريق الذي كان يتوسط الممالح الجنوبية، صوب محيط الفاو والدبابات المتوقفة على جانبي الطريق بسبب الاعطال وانتظار الاوامر بالحركة مثل حيتان هلامية جاثمة في ارض مكشوفة واسراب حاملات الجنود تمر معباة بالجنود الذين يلوحون بايديهم للتحية وهم ذاهبون الى (المعركة المستعرة في الخطوط الامامية التي تتصاعد منها النيران والحرائق و فتائل متموجة من الاتربة الصفراء والسوداء حاجبة صف النخيل المتاخم لشط العرب الذي يمتد حتى خاصرة الخليج) لم يكن احد منهم يعبأ بما يحدث من قصف حول الطريق وقربه و ما يخلفه من حرائق هنا وهناك و على جانبيه وفوقه في بعض الاحيان.
فكرت (لم لا نموت جميعا او نطير مثل العصافير؟) كانت المدافع تواصل ضوضاءها وتجأر بنوبات و رشقات نارية متوالية صوب الهدف الذي اختفى بين كثافة الغبار واحتراق البارود ولهب المدافع وارتجاجها الذي كون خيمة معتمة مفعمة برائحة احتراق البارود التي زادت من الاختناق و العطاس بعد ان، تكاثفت الحرائق الدخانية.خصوصا بعد ان فعل الايرانيون من حركة مدافعهم الثقيلة التي بدات تاخذ زمام المبادرة لاسعاف الطيار الذي على ما يبدو كان قد استنجد بهم بعد ان فوجيء بكثافة القذائف التي لاحقته والتي كادت احداها ان تطيح به لولا عامل الحظ الذي انتشله في اللحظة الاخيرة من لسانها اللاهب.
فرت الطائرة من طوق احزمة نيران المدافع وزاغت من سهام صواريخ السام الروسية التي كانت نادرا ما تخطيء فريستها في هكذا ارتفاعات مثالية تكون فيها الطائرة سهلة التعقب و الاصطياد . شيئا فشئيا بدا الهواء المشبع برائحة البارود والتراب يرتفع عاليا مشكلا غمامة صفراء، بعد ان فترت لحظات الاستنفار التي اربكت الجميع بسرعتها الخاطفة. و تضائل الخوف الذي خلفته كثافة القذائف التي سقطت احدها بجانب الحمام و نثرت الواحه و(جليكانات) الماء التي كانت تتوسطه كل في ناحية، تلتها قذيفةاخرى، احدثت هوة كبيرة في ملجا المنام. من جهته الشمالية نثرت البطانيات، والمنادرالتي امتلات بالاتربة السوداء، بعد ان نخلتها الشظايا، وعدد من اكياس الرمل التي فرثتها القذيفة اثناء اختراقها سقف الملجا وولوجها الممر الذي كانت تحيط به سرايرالمنام التي صنعها جنود الحضيرة من خشب الصناديق الخالية من الاعتدة وشظية. كبيرة شطرت صورة لممثلة تبتسم على غلاف مجلة ملقاة على كيس ملابس رثة مركون في احدى زوايا الملجا واحدى الصحف المحلية التي تناثرت صفحاتها فوق البطانيات المبعثرة التي كانت تحتل احدى صفحاتها وجوه عساكر متجهمة غشاها الغبار و صور اخرى لممثلات يبتسمن بصدور شبه عارية وشفاه شهوانية تفتر عن ايحاءات حسية، وغلاف كاسيت كسر من منتصفه عليه صورة لداخل حسن بلباسه الجنوبي المعروف وقدر متوسط الحجم مكشوف فيه بقايا طعام بائت اندلق نصفه فوق وسادة بيضاء، و دفتر صغير موشاة حوافه باللون الازرق والوردي الفاتح وضع على رف خشبي صغير خط على غلافه بخط مرتبك بيت من الشعر يتحدث عن: (الموت) او على ذلك النحو لا اتذكر بالضبط الاسم الذي كان مكتوبا تحت ذلك البيت قد يكون مايكوفسكي او اسم اخر وابريق الحمام الذي مزقه عصف الانفجار ونثره في انحاء عدة و خراطيش القذائف المطلية بالنحاس ذي الصفرة الذهبية التي اسودت تجاويفها بعد ان تم احتراق حشوات البارود الدافعة اثناء اطلاقها باتجاه الطائرة الهاربة. ربوة المدفع كانت تضج بحركة الجنود وتعثرهم وسط هلع و فوضى وارتباك لازم تحركهم. بين بقايا شواجير مرمية كيف ما اتفق وخراطيش متناثرة و صناديق خشبية مفتوحة فيها بقايا شحوم صفراء وحمراء وغبارشاحب تتقيئه سبطانة المدفع على دفعات متقطعة، وقط يهرع مذعورا يعدو بلا اتجاه، فقد صوابه اثرانفجار قذيفة. وشاكر يعدو مبتعدا عن المفازات المائية ببزته الكاكية ووجهه الذي غطته الدماء صوب سيارة( واز) قادمة من جهة الفاو على طريق الممالح باتجاه ساحة سعد و جندي من الحضيرة الثالثة كان يرفع يده بلا اصابع وفي راحته الاخرة يعتصر كمشة من التراب (عريف عبد الجبار سجل عندك شاكر ضمن المصابين) قال: ضابط الفصيل وهو يامرالجنود بجمع الخراطيش الفارغة واحصاء عددها ومن ثم انتظار اوامر اخرى بانهاء الغارة او ابقاء الحيطة والحذر، يليها ادامة سبطانات المدافع وتزيتها، بالتناوب واعادة تهيئة الامور من جديد ريثما تخف حمى القصف و تهدا الامور وتعود الى طبيعتها المعتادة. مرت تلك المشاهد غائمة في ذهنه مثل ذكرى مشوشة وهو يحاول جاهدا الامساك ببصيص ضوء يستدل به على خيط الحكاية التي ضاع لون نسيجها وفحوى تفاصيلها التي ذابت و تبخرت في طيات المجهول: اين؟ -ومتى؟- كيف؟- ولماذا؟ علامات استفهام كبيرة اخذت ترسم ملامحها في فلك راسه الغارق في رغوة ظلام حالك. مفردات تنزلق من بين الرموش و تتلاشى صوب افلاك بعيدة ما ان يحاول استعادة تصوراته وتنظيم حواسهة المتاثرة بفعل المواد المخدرة وهو ممددا على احد سرايرالمستشفى ووجهه تغطيه كمية كبيرة من قطن منقوع باليود والمطهرات الاخرى يشاركه خمسة جرحى اخرون باصابات مختلفة احدهم لم يكن يهجع الا قليلا يقضي الليل يتقلب بسبب الاوجاع واحيانا يصرخ فجاة كالملدوغ حتى في الحالات التي يكون فيها تحت تاثيرمواد التخدير لان احدى الشظايا متغلغلة في لحم مؤخرته.
احس بلمسة اصابع ناعمة طرية تستفيق معها حواسه الخامدة منذ زمن بعيد. تنشق العبير بنشوة متهيجة مستجيبا برغبة وتوجس حذر للمس الانامل وهي تشر حنانها على بشرته الممتقعة مزيحة بقايا بثور متقيحة و ضمادات استنفدت ساعاتها المحددة وقطع الشاش المدهوقة بالكريمات والمعقمات الطبية المرطبة وتظع محلها كريمات جديدة بعد ان تكون خلصت من تطهير الاماكن المحيطة بالفم ومداواة اثار حبات الشظايا الصغيرة التي نبتت احداها في اعلى حاجبه الايمن واخرى في اسفل خده الايسر مستسلما لتلك الطراوة التي لم يعهدها من قبل مثل ارنب صغير. خانسا تزدحم في ظلام راسه اشارات غامضة.وهو مستلق غير مدرك حجم الاضرار. لم يتناه الى سمعه غير كلمات تحمد الله على عاقبة معروفه الكبير وتركز بعمد ومواربة محسوبة، عن اقتراب ايام العلاج من نهايتها وان الله لطف به وجاءت الامور على ذلك النحو الطيب.لان على حد تعبير احدى الممرضات.- هنالك الكثير من الجنود الذين لم يجد لهم ذووهم اي اثر يذكر بعد انجلاء المعارك الطاحنة، يتفحمون داخل دباباتهم المحترقة ويذوبون مع حديدها الذي يسح ببطء كزيت تلامسه نار هادئة فوق الرمال وبين الوديان ولا تحوز امهاتهم حتى على شاهدة تستكن بمرآها وتهجع فيما بعد قلوبهن اللائبة.ربت الدكتور بلمسه من يديه الباردتين الصلبتين على كتفه.-- كل شيء سيكون على ما يرام، ان اصابتك بسيطة جدا ولاتحتاج الا لقليل من الوقت. انت محظوظ جدا، لان بصرك سيعود في غضون ساعات اما الامور الاخرى فطفيفة جدا وستشفى منها خلال فترة وجيزة. ثم ياتي صوت ابيه مكملا ومداهنا لكلام الطبيب- من صبرظفر وربنا نحمده ونشكره قد جاب العواقب سليمة.) يرطن بعدها الطبيب بلغة اجنبية مع الطبيب المعاون وهما يهمان بمغادرة الصالة، الى صالة مجاورة لم يفهم من تلك الكلمات سوى ان هنالك مشكلة في الفم.. تساءل في سره: عند من هذه المشكلة؟. التي زفر الطبيب زفرة نزت عنها رائحة الاسف بعد ان ذكرها.. قد يكون هو المعني بها، او احد الجرحى الذين يرقدون معه في ذات المكان. اعتراه شعور بالندم لعدم اتمامه دراسته الثانوية، لو انه صمخ سنتين فقط واتم الثانوية لكان من الممكن جدا ان يكون الان تحت سماء اخرى حافلة بالمباهج والمسرات كالكثير من اقرانه الذين ينعمون الان تحت نجومها بداعي الدراسة، بعيدا عن مصائب الحرب وويلاتها.. لم يدرك ان الظلام الذي غلف العالم من حوله بستار ثقيل من السواد القاتم،هبط عليه بمظلة هاون حريرية رقيقة الملمس. مزقت شظاياها الواح الحمام وقشرة له شفتيه مثلما تقشر السكين الحادة الزبدة الطرية، واطاحت باسنانه الامامية ومن ثم رمته على سرير ابيض لا يعلم متى يغادره.(لو لم اطع ذلك اللعين الذي ايقظني في تلك الصبيحة المشؤومة ) قال في نفسه وهو يحاول ان يتشبث بصنع خلاصة يستدل بواسطتها على شكل العالم الذي اضحى بالنسبة له سماء سوداء لا تحفل سوى بالظلام والخفافيش فكر في نعومة اليد التي تشر حنانا على بشرته وتذكر على نحو غير اكيد من انه سمعها : تقول- احبك... تماهى مع لذة هذا الشعور،مضغ حلمة نهدها بغتة وعلى عجل كانه يمضغ شريحة لحم مفتتة بعد نهم، اراد هرسها بين اسنانه وانضاجها بلعاب فمه الساخن، لثمها بلهفة. لكنها انزلقت من بين شفتيه، ثم تداركها ارتخت مثل حبة زيتون ناضجة داعبها ثم اخذ يلثمها بهدوء حتى اهتاج وتقلصت اعضاؤه ارتعش جسده وتقطعت انفاسه وندت عنه تنهدة متقطعة، رغم ارتخاء اعضائه لم يدعها تفلت من داخل فمه حتى تصالبت واستحال لونها الوردي الى بنفسجة ملساء تعوم في فضاء فمه الادرد. هي من جانبها اخذته بين ذراعيها ارتعدت وهي تحتضنه بقوة مثل شجرة مطر صاخبة تراخى جسده تحت لدونة ملمس جسدها المرمري وتحركت ذراعه ببطء تبحث عن انفعال الندى ورذاذه.. تطلع بنظرة خابية دون ان يرى شيئا امامه بعد ان مست جبينه براحة يدها ثم عاد الى النوم من جديد بعد ان ادرك انه كان يطارح الاوهام استسلم الى النوم بانزعاج واضح و بشيء من الخيبةالقشعريرية. * * *
قامت بترطيب الجزء غير المغطى بالقطن القريب من رسمة الفم الضائعة والتي تحولت بفعل غباء شظية ضالة الى هوة ورديةيعوم فيها لسانه دون شفاه وبلا اسنان امامية ايقضته بعد حين رائحة الديتول الخانقة، التي سكبتهاعاملة التنظيف على ارضية الصالة قبل ان تنتقل الى شطف الممر الداخلي.
تاملها بعيون نصف مفتوحة بعد ان استيقض من سباته راها هذه المرة راى الملاك الذي كان يمد يده من خلال الظلام ليزيل حروق الزمن وندبه اللئيمة، راى النور. راى من كانوا يقاسمونه الالام والاوجاع، راى الجريح الذي ضل يصرخ لليال كاملة بسبب الشظية التي تغلغلت في لحم اليته. احس بنشوة الانتصار على الظلام و لمعت عيناه بعناوين الفرح، يبتسم مرعوبا من وقع المفاجاة. وهو يقرا بصمت كتابة على لوح الباب مفادها( صالة الاصابات الخطرة).استدار ناحيتها دون ان يعبأ بذلك وهو مازال مغتبطا ويشعر بزهو استعادة النظر ونعمة التفريق بين الالوان والوجوه والوان الستائر وضوء الشمس الذي يتسلل غبر النوافذ. كانت منشغلة بجمع المراهم والمعقمات وزجاجات الدواء واكياس القطن وبعض المطهرات ذات الرائحة النفاثة والملمس اللزج، نظر اليها راها هذه المرة واضحة بيضاء ممتلئة كقطعة سكر تحت بياض قميص المستشفى بشعر فحمي قصير معقوص الى خلف راسها واسنان ثلجية تفرج عنها شفاه مستديرة بدكنة قرمزية وهي تبتسم لزميل او زميلة اراد ان يعمل لها مقارنة سريعة مع تصوراته السابقة للون بشرتها ونغمة صوتها للدونة صدرها الطليق تحت بلوزتها الصفراء وهو يرتمي ناعما على صدره حين استسلم في نومه لمعابثة خيالية. راز نظرتها له حاول ان يستحلب شيئا تلميحيا، من بين ظلال الاشفاق اذ التمع متلئلئا في سواد عينيها على شكل دمعة توشك ان تنزلق على خدها.ابتسمت له بانكسار بين، بعد ان فشلت كل حيلها باخفاء ارتباكها وهي تترقب قدوم الاطباء الذين كانوا يتحادثون لرفع ضمادات الفم التي على ما يبدو قد جفت جراحه وخفت الامه. فجاة يتوقف الزمن وعقارب الساعة تصبح ثقيلة كأنها تسير على حافة هاوية لا نهائية،اربعة اطباء بمعاطف بيضاء تجمعوا يتبادلون الرأي همسا ثم ذهب اثنان منهم الى الخارج بعد ان حسموا امرا ما. انقضت لحظات كانها دهرا بكامله وقف بعدها شاكر امام المراة بعد ان تم رفع الضمادات نظر الى عينيه كانتا سليمتين شعر بشيء من الرضى يتسلل الى داخله، مسد على اعلى حاجبه الايمن ثم قام بعد ذلك بتفحص جسده نفض جسده قفز، قفزة خفيفة جاءت مرظية تهيا له ان كل شيء على ما يرام قبل ان يقوم بسحب اربطة قطعة القماش التي كانت تغطي هوة الفم من خلف اذنيه حدق في المراة بذهول كاد ان يسقط من هول المفاجئة ما ان راى الفم بلا شفاه ودون اسنان امامية. فارقت وجهه علامات الرضى وغامت عيناه خلف صفرة الذهول نظر متضرعا مرة اخرى الى المراة اراد تكذيب ما يراه وباي ثمن كان، لكن كل ما كان يتوسمه ويترجاه اشبه بمن يريد تحويل رمال الصحراء المتحركة الى امواج مياه عذبة.لم يكن بمقدور اية قوة في العالم اقناعه بتصديق وقبول ماحدث .تاهت نظرته بين برقشة زجاج المراة ومنظر الدموع وهي تدحرج على خده بصمت.كان اثنان من المرضى الذين كانوا يشاركانه الغرفة يلوكان طعامهما و يثرثران دون مبالاة حول مبادرة جديدة لانهاء الحرب هامت روحه في مدن بعيدة وانغمرت في دوامة سماوات ضبابية نائية احس بضيق الارض وندرة الهواء قح سلسلة سريعة من قحات مخنوقة، تلتها رعدة عنيفة في جسده، وحشرجة خانقة في زردومه. بصق في واحدة من المناديل الورقية اثر شعوره بانقباض مفاجئ في معدته اغمض عينيه ودلى راسه قرب حوض المغسلة، لكن حنجرته تحشرجت مرة اخرى فتح شفتيه على وسعهما ثم تقيأ مادة صفراء ومزيج من كتل دم متخثرة، انزلقت بسرعة تحت رذاذ مياه الحنفية الى جوف جارور المغسلة.اخذ العالم يتلون في نظره في سرعة مدوخة الى الوان مقززة سرعان ما تؤل الى هياكل من خراب، نظر اليها بعينيه الطارقتين المحاطتين بهالات بنفسجية دون ان يحرك وجهه. تتساقط الدموع واحدة اثر الاخرى على خده وتنزلق الى زاوايا فمه يمسح بكم بيجامته ويمخط يغطي وجهه بمنشفة صغيرة ويستسلم الى نوبة بكاء طويلة يختنق خلالها ويشهق مع وتر الة الهارب الذي كان يرسله راديو احد الجرحى الراقدين معه في نفس الغرفة ردد كلمات الطبيب في ذاته بمرارة جزعة وهو يرقب اوراق شجرة اليوكالبتوس المتلامعة عبر زجاج النافذه، وهي تستجيب لمداعبة الريح الخفيفة تحت اشعة شمس نوفمبر الفاترة، قبل ان تحمله حالة اليأس والاحباط صوب طريق المجهول . انك محظوظ جدا؟ دوخه صدى هذه الكلمات الثلاث،الساعة كانت تقترب من الواحدة والربع ظهرا. فترة غداء تخف فيها حركة الاطباء ومساعديهم داخل المستشفى يفتح درفة الشباك المؤدي الى الممر الخلفي ويقفز بخفة متناهية، خارج الغرفة ثم يعبر السياج الواطئ دون ان يحدث ادنى صوت كأن شبحا فعل ذلك حافي القدمين ببيجامة المستشفى المخططة بالازرق والابيض يركض بسرعة جنونية في الشارع الخلفي كأن وحشا يطارده حتى يضيع اثره بين اشجار الارصفة.
العراق/ بلجيكا
التعليقات