كأنها لم تكن بيروت

عصمان فارس من مالمو:
تدور احداث العرض الجديد كأنها لم تكن بيروت حول مصير عائلة سويدية تقرر ان تمضي عطلة فصل الصيف في لبنان لتنعم بالشمس الدافئة وزرقة البحر وفتنة الطبيعة الى جانب الاثار والمواقع السياحية حيث الموسيقى والرقص والغناء للاوف والميجنا والدبكة وصوت فيروز الذي يصدح ياهوى نسم على بلادي ليزيد الجمال جمالا.
الا ان كل هذا يضيع هباءا ويتحول الحلم الى معاناة وقلق ولحظات عصيبة يعيشها الزوج- يوسف- وهو من اصل لبناني وزوجته- أن- السويدية اللذان يأويان الى ملجأ العمارة بعد سماعهما اصوات الانذار وبدء القصف على مدينة بيروت من قبل القوات الاسرائلية ، حيث بفعل ذلك تنهار البناية بأكملها وتسد جميع المنافذ وينعزل الاثنان في اسفل قبو العمارة الا انهما يحاولان وبقوة البحث عن مخرج للخلاص لكن جهودهما تذهب سدى لاسيما بعد ان يفقدان اتصالهما بالعالم الخارجي نتيجة انقطاع البث الفضائي
وكذلك الحال بالنسبة للكهرباء فيغرقان وسط العزلة والظلام ليس لديهما سوى حقيبتين تم اعدادهما للذهاب الى شاطىء البحروقليل من الماء .
ومع مرور الوقت تزداد معاناتهما فهما لايسمعان الا بعضهما ودوي اصوات القنابل من بعيد اما ابنتهما - سابين ndash; فقد خرجت مع جدتها الى المدينة ولم تعودا حتى اللحظة ، من هنا تتأزم الاحداث ويتصاعد الصراع عبر سلوك الشخصيتن الذي يتجاوز الواقع واحيانا يكون بمستوى العبث ففي هكذا ظروف يحاول المرء ان يتشبث بكل مايمكن من اجل البقاء والتواصل .
هنا ينحرف محور الاحداث الى مستوى اخر ،يكاد يكون مختلف تماما فالزمن يعود بنا الى ستة عشر عاما مضت عندما جاء يوسف مهاجرا الى السويد ليقيم فيها وبفعل حرب لبنانية سابقة ، يلتقي لاول مرة مع أن في مستوصف المدينة فيتعرف عليها وتنشأ بينهما علاقة عاطفية تنتهي بالزواج فينجبان ابنتهما سابينا وسط حياة مفعمة بالود والهدوء.
سعى مخرج العرض الفنان حسين الانصاري الى الموازنة بين المواقف الدرامية عبر مستويات متباينةالتكوين والايقاع ضمن مشاهد العرض مازجا بين السردي والشعري ، التراجيدي بالكوميدي، هول الكارثة وشفافية الحالة الانسانية بكل تناقضاتها ، توزعت بتركيبات سمعبصرية شكلتها حركة الممثلين افقيا وعموديا في فضاء العرض واحساساتهما المتدفقة تعبيرا عن الحالة الشعورية والجسدية المتناغمة ضمن البنية السنوغرافية مجسدة عديد المشاهد الجمالية التي تقدم جانبا من حياة يوسف وان في رحلة تمتد من الماضي الى الحاضر وتطلعا الى المستقبل ، مشاهد تتداخل فيها المشاعر وتتقاطع ، تتقارب وتتباعد وفقا للدوافع والاحاسيس التي تجمعهما في الان والهنا .
ورغم احادية المكان الا ان العرض جعله متشظيا في امكنة عديدة وكذلك الزمان تحول الى ازمنة والشخصيات تجولت عبر مراحل عمرية مختلفة وهي ترسم لنا افق تطورها من مشهد لاخر غير عابئة بتسلسل الاحداث او حبكة البناء التقليدي ضمن صيرورة الحكاية بل كانت تسعى الى ايصال ثقل اللحظة الراهنة وتسير بها نحو تنامي الموقف الدرامي عبر الحوارالمتنوع اللغات تارة والحركة والصمت والايماءة تارة اخرى كما كان للضوء والموسيقى والموثرات الصوتية دورها الفاعل في خلق اجواء معبرة عن خصوصية الموقف وتحولاته في نسيج العرض مانحة اياه نكهته الشرقية من خلال الرموز والدلالات التي يحفل بها العرض اضافة الى المقطوعات الموسيقية للعود ومقاطع من اغاني فيروز واشعارا من قصائد لادور سعيد وادونيس ايضا
عرض كأنها لم تكن بيروت من انتاج فرقة مسرح فرات السويدية ساهم في كتابة نصه منال مصري وتمثيل الفنان كريم رشيد والممثلة تريسا ليندبيري، صمم السينوغرافيا الفنان ستيفان ايرسون، الموسيقى والمؤثرات اختارها مانويل ، صمم الاضاءة الفنان نيكلاس ساندستروم ، اخراج حسين الانصاري. سيقدم العرض في قاعة مسرح- ايريكو- بمدينة مالمو اعتبارا من السابع عشر نوفمبر الجاري وحتى الرابع من ديسمبر المقبل وسيكون العرض الساعة السابعة مساءا كل يوم .