أحمد الشرع- من برلين: ضمن برنامجه الأسبوعي ضيـّـف نادي الرافدين الثقافي العراقي في برلين الفنان المسرحي (صالح حسن فارس) لتقديم مسرحيته (أين الهناك؟) باللغة العربية، بعد أن قدمها أربع مرات في أمستردام واوترخت في هولندا باللغة الهولندية، وهي من تأليف الشاعر شعلان شريف وصالح حسن فارس والنص استفاد من مقتبسات شعرية لعدد من الشعراء. يتمحور العمل حول ثيمات الحرب والاغتراب وما يصاحب الاغتراب من حلم العودة ووهم الوصول.
هذا العمل أشبه بشهادة مسرحية ذاتية بمستوى عال من السرد الشعري حيث يبدأ باغنية قصيرة باللغة الهولندية ثم يواصل العمل باللغة العربية، ويعتبر هذا النشاط المسرحي الأول في تاريخ النادي الذي سبق له أن أقام نشاطات ثقافية، أدبية وفنية متنوعة بشكل أسبوعي لكون القاعة صغيرة وغير مهيأة للعروض المسرحية. لكن الفنان صالح طوع المكان لصالحه وجعله مسرحاً حياً، مستفيداً من ألمصابيح العادية لتحويلها إلى أضاءة مسرحية لخلق أجواء شدت الجمهور، في جربة تستفيد من تقنيات المسرح الفقير الذي يعتمد بدرجة كبيرة على قدرات الممثل الجسدية والصوتية واختزال الديكور والتقليل من الاعتماد على التكنلوجيا.

لم أكمل كلماتي...
رأيتُ خيطاً من الدخان يصعدُ من طرف المدينة..
صار خيطُ الدخان أوسع.. وأوسع.. حتى حجبَ القمر.
فعرفت أن الحرب قد بدأتْ...!
كنا دائما نسير معاً
مرتدياً ملامحي
أفر منه
ألقاه ينتظرني في المقهى
وحين أصابتني شظية
مات هو وبقيت أرثيه بهذه القصيدة
الجنود خرق جرفتها السيول

سيداتي.. سادتي:
لن أتعبـَكم بحكاية الحرب.. فهي طويلة.. ثقيلة.. مملـّة
بصراحة.. لم أكن مشغولاً بالحرب، بل بالهروب من الحرب..
لم أعدْ أرى ابنة الجيران.. ولا القمر..
ومرةً كان الدخانُ كثيفاً.. كثيفاً.. وعلى غيمة دخانية رأيتُ، للحظةٍ، ظلّ القمر.. شاحباً، مكسوراً..
اشار إليّ أن أتبعه إلى هنــــــاك..
هـــــناك؟ أين الـ هنـــاك..؟
لا جدوى ما دمتم هنا.. وأنا...

بهذه الكلمات الشعرية اختتم الفنان صالح عمله المسرحي الذي أستفاد من الموروث الشعبي العراقي. في أستخدامه الحركات الجسدية والصمت البليغ والهممات والغناء والعزف على الة (الدف). وبعد نهاية العرض كانت الجلسة النقدية للعمل التي أدارها كاتب السطور وجاء في التقديم:
quot;أقول في البدء ان الغربة لا تُعطي الا الضجر، في أول منفى له في مدينة الآجرّ، صنعاء، حيث الضجر والسأم وجد طريق الهروب إلى السماء فأطال النظر إليها، فأكتشف النجوم وعشقها، وعاش أسطورة بغدادية هو الذي كتبها، قال لي ولهم أن سماء بغداد مليئة بالنجوم فلكل رجل بغدادي نجمة معلقة مضيئة، وحين تختفي هذه النجمة فذلك يعني أن الرجل مات، مرة اخرى في يوم اخر ردد في ابتسامة وحزن عميق quot;وزينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطينquot;. كم كنتُ أتمنى لو كنت أنا قائل هذه الاية. عشق النجوم عند الفنان صالح حسن فارس يبدو انه فاض عن حده وشمل القمر، فأجهش بالبكاء كما طفل مدلل صغير وصاح أريد القمر، أريد القمر، ولكن قمر المنفى له ظل من رماد، فهو من مخلفات الحرب المليئة برائحة البارود والمنافي الباردة التي لاتورد الا الضجر.quot;
بهذه الكلمات قدم كاتب السطور زميله وصديقه الفنان المسرحي صالح حسن فارس. وتواصلت الجلسة بمشاركات الحاضرين الذين أثاروا نقاشاً ممتعاً ومفيداً وأغنوا الأمسية بالآراء المتنوعة. دارت المداخلات حول المصاعب التي يواجهها الفنان المسرحي العراقي بعيداً عن وطنه، والعوائق الكثيرة التي عليه أن يتجاوزها من اجل تحقيق أحلامه الفنية. وتحدث الفنان الضيف عن تجربته في هذا المجال خاصة المعاناة الطويلة التي تسبق تجاوز الحاجز اللغوي وفك طلاسم البلاد الجديدة. كما تحدث بعد ذلك عن زيارته إلى العراق مرتين بعد سقوط الدكتاتورية وأعطى صورة متفائلة حول التجارب المسرحية العراقية الجديدة هناك، وإصرار الفنانين العراقيين الشباب على مواصلة إبداعهم بالرغم من حالة الفوضى والإرهاب التي تعصف بالبلاد.

تعريف الفنان
ولد في بغداد عام 1962، أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في بغداد، درس المسرح في اكاديمية الفنون الجميلة في بغداد عام 1991 وحصل على البكلوريوس. غادر العراق في عام 1994، اقام لفترة قصيرة في العاصمة الاردنية عمان، وأقام في اليمن مابين 1994 لغاية 1997، حيث عمل هناك في مجال التدريس والصحافة. يقيم في هولندا منذ عام 1997،، تابع دورة تخصصية لمدة ستة أشهر في مجال المايم في معهد الفنون المسرحية في مدينة أمستردام، كما تابع دورة تدريبية في جامعة روما عن الجسد والتصوف عام 2004، يتبع ذلك ايضا دورة تدريبية مكثفة عن تقنية الممثل والجسد في جامعة انثربولوجيا المسرح في فرقة الاودن في الدنمارك عام 2005.
عمل ممثلا ومخرجاً في الكثير من الاعمال المسرحية داخل وخارج العراق.