تشهد الساحة العراقية داخلاً وخارجاً ظاهرة جديرة بالأهتمام والمراجعة، وهي بروز ظاهرة قيام تجمعات وجمعيات وأحزاب لاتعد ولاتحصى ليس لها كيان او وجود حقيقي، فقد عمد بعض العراقيين الى انشاء كيانات لها أسماء كبيرة ليس لها أي واقع او تأثير في الحياة السياسية العراقية، وتتخذ هذه الجمعيات والتجمعات من الأسماء ماشاء لها من التوصيف، مستغلة الحرية التي يوفرها الأنترنيت في عدم وجود ضوابط او شروط لقيام مثل تلك التجمعات والجمعيات.
ولغايات شخصية متنوعة وفقاً للرغبات والنزعات والتطلعات والأختلافات يتوجه بعض مبتكري هذه الأفكار الى أختراع مثل تلك الجمعيات والتجمعات والأتحادات وربما الأحزاب التي لاتضم سواهم أو عائلتهم في احسن الأحوال، حتى صارت للعراقيين مراكز للبحوث والدراسات لاتبحث سوى في كتابات اصحابها، ولاتعكس سوى رغبات اصحابها، ولاتحمل ملامح البحث والدراسة.
ويمكن ان نعزوا هذه الرغبة الكامنة التي انتجها العقل العراقي في رغبة الشخص ان يكون قائدا لتجمع او جمعية مهما كان اسمها حتى لو كانت جمعيــة أستهلاكية أو تجمع للغناء البدوي، أو كاتب في الأنترنيت، المهم ان يكتب الشخص تحت أسمه انه قائد المنظمة أو رئيسها أو سكرتيرها العام، ووصل ان تطرح تلك الأسماء في الفضائيات العربية وهذه المراكز الوهمية تحت أسماؤهم، مما يعزز الثقة أن الاعلام العروبي يبارك خطوات هذه المجاميع وهذا الأتجاه، الذي يساهم في أيهام المواطن العربي ويسخر من حقيقة الواقع العراقي، ويشير الى درجة الأنحطاط التي وصلها العقل الأعلامي العربي تجاه قضية العراق.
فالتجمع الخاص لكبارالمثقفين والسياسيين العراقيين، والجمعية العامة للمنظرين والمفكرين في الشأن العراقي ، وجمعية أبناء المقهورين والجمعية العراقية لمكافحة الفاشية والنازية، والمنظمة الدولية للمستقبل، ومؤسسة الدراسات الستراتيجية في المطبخ العراقي، وتجمع المنجمين والحالمين، وحزب اهلا وسهلا بالجميع، وتجمع مبروك أنتصرنا، حتى وصل الأمر خارج العراق ان يتم انشاء نقابات وتنظيمات مهنية ليس لها وجود، كما عمد بعض الى تأسيس فروع لأتحادات ونقابات في دول أوربا لم يشهد له تاريخ أوربا مثيلاً، وأن وجدت هذه التنظيمات على اكثر الأحتمالات لاتعدو ان تتشكل من واحد وصديقه أو من رجل وزوجته التي تستحي ان ترفض طلباته .
لاضوابط ولاضريبة ولاسؤال ولامكاتب حقيقية ولافعاليات ولامساهمات ولاأثر لهذه التشكيلات الا في ذهن مخترعها، وهي لاتشكل مشكلة للمستقبل العراقي مهما كانت توجهات ونيات المشرفين على هذه المؤسسات الوهمية والمنظمات غير الحقيقية، ولانعتقد انها تستطيع ان تؤثر على حياة العراقيين، وان تنجح في ان يكون أصحابها رقماً من الأرقام الصعبة في المعادلة العراقية، وهي اليوم لاأحد يلتفت اليها أو يهتم برغبات أصحابها، ويتندر اهل العراق على كثرة مثل هذه الأسماء التي لاتقنع سوى اصحابها بقدرتها على ان تستطيع ايهام الناس أنها مؤسسات ونقابات وجمعيات وتجمعات وربما هيئات سياسية ومراكز بحوث.
والظاهر أن الأسماء التي يدرجها بعض على تجمعاتهم ومنظماتهم الوهمية بقصد الحصول على الأعانات المالية من الدول الأوربية أن كانت في أوربا، بالنظر لأعتقاد هذه الدول بجدوى أن تكون منظمات المجتمع المدني واقفة لتؤدي دورها تجاه قضايا الأنسان، وحين تعرف عدم وجود مثل هذه الفعالية، تقرر قطع المعونة المالية فتنتهي جدواها والأسس التي قامت عليها ، اما في داخل العراق فالأمر بدأ يأخذ صوراً أخرى في خلــق تنظيمات رقابية وتدقيقية بأسماء مختلفة ولغايات نفسية وحشراً مع الناس عيد.
والمتمعن في المشهد العراقي يجد تراكم الأسماء التي تتشكل منها هذه التجمعات والنقابات والتنظيمات، حتى أختلطت الأسماء ببعضها، ممايحير المواطن وتحدث عنه حالة من التشويش، ويبدو أن الأثر العراقي وحالة الخلط التي يعيشها أنعكست على حال العراقيين خارج العراق، الذين شكلوا تنظيمات وتجمعات ونقابات لاتقل عن الالف رغم بعدهم الاف الكيلومترات عن بلدهم، ويشكل الأنترنيت وسيلة لتسهيل مثل هذه المهمة، حين يكتب أي شخص انه رئيس تجمع كذا، او رئيس منظمة كذا، دون قيد أو شرط، او دون ضوابط مطلوبة، بل ودون سند يثبت صحة زعمه، ما يجعل الصورة أكثر وضوحاً للمتابع، في انتشار حالة الفوضى السياسية التي يعاني منها العراق في هذه الفترة التي تلت مرحلة سقوط صدام، حيث يكون المواطن العراقي تواقاً لتأسيس مثل هذه التنظيمات التي حرم منها بالقوة والتي بقي يحلم بها طيلة الجكم الدكتاتوري.
وهذه الحالة مؤقتة وأن كانت طارئة، وهذه الحالة لاتلبث ان تتبخر مع استقرار الوضع السياسي والأقتصادي للعراق، ولايمكن لهذه الكيانات أن تصمد او تقف على قدميها في الشارع العراقي، لكونها دون أساس عند تشييدها، ومادامت الأسس التي تساندها رسمت في الخيال، او فوق كثبان من رمال الأحلام، فلن تستطيع أن تقف مطلقاً، كما ان العراقيين يرفضون ان تكون مثل هذه التجمعات الوهمية مرجعيتهم السياسية مهما كانت التبريرات والأسباب التي تدعيها.