سيدي القارىء العربي صدق أو لا تصدق.. أنني كتبت هذه المقاله في تاريخ 28 – 4- 2004.. ولكنني ترددت طويلا قبل أن أرسلها.. لأنني جبنت. وخفت حتى من نفسي ومن تفكيري. حاولت في كل كتاباتي السابقه بكل الطرق الإلتفاف حول النتيجه التي توصلت إليها في نهاية هذا المقال.. حاولت الطرق الخجول على ضمائر الشعوب العربيه.. لأنني أصبحت أخاف عليها وأخاف منها.. ولكنني أشعر الآن بأن واجبي ومسئوليتي تجاه الله قبل أن أدعي إنتمائي لأي دين يحتم علي إرسالها.

مما لا شك فيه بأن هناك حالة من الارتباك تسود المنطقه العربيه والاسلاميه.. ففي الوقت الذي يعتقد فيه الكثيرون بأن في العالم العربي ماهو أرقى بكثير من معالم الحضارة الغربيه ويعتقد آخرون بأن الأمه الاسلاميه لم تكن قويه منذ زوال الخلافه الاسلاميه في أوائل القرن الماضي كما هي الآن.. وأن العالم أصبح بالفعل يخشى الاسلام كقوة صاعده، ويعتقد الآخرون أن ما يمر فيه العالم الاسلامي انما هو مرحلة مخاض عسيرة ليولد بعدها قياده اسلاميه واحده ستنتزع الحكم من الحكام العرب جميعا لتؤسس لدولة الخلافه المنتظرة.. تحت كل هذه الشعارات وتحت مقولة العداء التاريخي وسوء نية الغرب يكرس العالم العربي الرفض المطلق لأي مبادرة للاصلاح سواء جاءت من الغرب أم حتى من الداخل.. واستغت الأنظمه العربيه هذا الرفض خوفا على كراسيها و للتنصل من مسؤوليتها تجاه حقوق المواطنين في الحريه والعدل والمساواة، وإستغل هذا الرفض أيضا من قبل الاسلاميين المنغلقين تحت مسمى أن للعالم الاسلامي خصوصيته وثقافته وحضارته التي يستطيع بها الوصول الى ماهو أعلى بكثير من الدول المتحضرة وأنه ليس بحاجه الى أي فرض خارجي.. وأن أي اصلاح داخلي لابد وأن ينبع من الثقافه الاسلاميه.. في ذات الوقت الذي يعلمون أن هناك مافي تعض النصوص الرفض المطلق لحقوق الآخر.. وحقوق المرأه.. وحقوق المواطن. السؤال الأول ما هية المعالم الحضاريه الغربيه.. هل هي فقط في العمران المدني وفي المظاهر الخارجيه للمدنيه.. ولنتساءل اذا كانت هي هذه القشور ما الذي يدفع بالأعداد الهائله للمهاجرين العرب وغيرهم لحلم الهجرة والاستقرار في الغرب.. الاجابه وببساطه هي عدم وجود قوانين موحده في الدول العربيه تحترم انسانية الفرد سواء المواطن المحلي أم العامل القادم من أجل لقمة عيش.. نظرة واحده إلى قوانين العمل المعمول بها في الدول العربيه والاسلاميه نجد أن العمل بهذه القوانين وتنفيذها يختلف ويتفاوت مابين مواطن محلي وعامل أجنبي فاذا ما تطلعنا الى أغنى المناطق العربيه نجد التفاوت المعيشي هائلا.. فهذه الدول سيغت لنفسها قوانين مختلفه تبعا لمصلحة المواطن المحلي ففي الوقت الذي تعلم فيه أنها بحاجه الى العماله.. رفضت تشريع قوانين لحماية هؤلاء العمال.. الى جانب منعهم من شراء العقار والذي يمثل حجر الأساس في أي اشتثمار شخصي. وعوامل استقرار لأي انسان.... وبرغم تدثر هذه البلاد بالتعاليم الدينيه الا أنها شرعت كل ما هو مخالف لروح الدين ثم انبرت لتحكم على الغرب بالعنصريه والحقد على كل ماهو مسلم..

السؤال الثاني هل حقا أن الأمه الاسلاميه هي أقوى بكثير مما كانت عليه.. ماهو معيار القوه.. هل هو الكم العددي الهائل ونسبة التزايد السكاني المتوقع أن تصل الى 230 مليون نسمه في غضون الثلاثين سنه القادمه.. وتشكل تحديات كبيرة وخطيرة خاصة مع محدودية المساحه الزراعيه ومع قلة الموارد المائيه ومع نمو نسبة البطاله المتوقع أن تصل إلى 50% من التعداد السكاني.. أم هي القوه الاقتصاديه المتمثله في عدم العداله في توزيع الثروات الوطنيه مابين الحكام والشعوب.. ثم المحليين والبدون ثم البدون والقادمين واعتقاد هذه الدول أن كل من يأتي للمساهمه في بناء وعمران هذه الأراضي انما هو ليسرقها وليس لأن هناك منفعه متبادله بين الجميع عدم فهم مبدأ الاعتماد التجاري المتبادل بين الدول العربيه وبعضها بحيث لا تستطيع أي أمة من الأمم العيش وحدها معزولة عن بقية العالم. مجموع ما يصدرة العالم العربي أجمع هو أقل مما تصدرة أصغر دوله أوروبيه ( هولندا ).. هل هي القوه العسكريه التي نتشدق بها ونستعملها ضد بعضنا البعض.. والتي تصرف عليها الدول العربيه ما مجموعه 90 بليون دولار سنويا... لحماية أنظمتها وفسادها..

السؤال الثالث هو هل يخشى العالم الاسلام كقوة صاعده.. الجواب أنه وبعد أحداث 11 سبتمبر أصبح العالم يخشى الاسلام والمسلمين السبب هو ليس الخوف من الاسلام كدين ولكن لأن هناك من المنظرين المسلمين المتواجدين في الغرب وفي العالم العربي من يعتقد بأن المد الاسلامي حالة دينيه تنبع وتنسجم مع التعاليم الالهيه للدفاع عن العقيده وأيضا لنشر هذه العقيده.. كلاهما أخطر من ألآخر على العقيدة نفسها.. وتخلق حالة من الحرب الدائمه بين العالم الاسلامي والعالم الغربي.. تقسيم العالم الى دارين.. دار الكفر ودار الاسلام.. وأن الاسلام حدد الصراع الذي يريده للأمه.. وهو الجهاد لحمل كل العالم على الدخول في الاسلام هي حرب عقيمه الهدف منها استنفاذ الطاقات البشريه وتضييع الأموال لأنها حرب مكتوب عليها الدوام والفشل. أما نشر الاسلام كدين فانه ليس هناك أي قوانين في العالم الغربي تمنع حرية العقيده لاعتبارها حق من حقوق الانسان ومن أهم المواد المعمول بها في ثقافة حقوق الانسان اضافة الى أن القوانين الموجوده والمعمول بها تساوي بين الجميع وتحمي حقوقهم بغض النظر عن الديانه أو اللون أو العقيده.. في ذات الوقت الذي يحرم فيه الانسان في العالم العربي من هذه الحريه.. ومن القيام بشعائره الدينيه بحريه تامه.. ففي الوقت الذي يحصل فيه المسلمون على رخض بناء المساجد في أية بقعه في الغرب ( وان تحددت شيئا ما بعد 11 سبتمبر ) يمنع بناء كنائس أو دور عباده أخرى في الكثير من الدول العربيه..
هناك مشكلات كبيرة تواجه المجتمعات العربيه ونرفض الاعتراف بها.. هناك بوادر انحلالات وتفكك في المجتمعات العربيه الاسلاميه التي تدعي تطبيق الدين في الحياه.. فمثلا زواجات المسيار والعرفي والوهبه وغيرها.. كلها تحايل على العرف الأخلاقي.. هناك مشكلة مخدرات متفشيه في المجتمعات العربيه الغنيه.. وهناك مشكلة ايدز أيضا. ولكننا ندعي بأن مجتمعاتنا لا يمسها أي شيء ومحميه فقط لأنها مسلمه.

ان فشل الثقافه العربيه في احداث التغيير المطلوب للتنميه الانسانيه والبشريه.. شجع على ظهور ونمو التنظيمات المتطرفه والأصوليه.. والتي فشلت طيلة السنوات الثلاثين الأخيرة من وضع برنامج قومي تنموي مناسب لروح العصر ولحاجة المنطقه للتطور البشري والحضاري.. وثبت تماما بعد أحداث 11 سبتمبر أنها لا تمتلك أي استراتيجيه أو هدف واضح سوى نشر الرعب والخوف في العالم الغربي. والترهيب في العالم الاسلامي.. والاستعمال الخاطىء للقضايا القوميه لكسب التأييد الشعبي ورفض التطور العصري وترفض اعطاء أية حقوق للمرأه وتتخذ من الوضع السياسي في المنطقه الحجه والغطاء للدعوه الى الاتجاه الى الوراء وهي ما تعرف بالاتجاه النكوثي تحاول فرض أفكارها بالقوة وبالتالي تكفر كل من يختلف عنها.. مما أوصل المجتمعات العربيه الى حالة حرب غير معلنه داخليا بين الأفكار المتشدده والمنغلقه.. التي لغت وجود الآخر وحق الآخر.. ونصبت نفسها ولية على الأمه والدين.. وحرمت التفكير حتى في ثقافه معتدله حين أصرت على ان العلمنه تعني الالحاد والخروج عن الدين.... وحرب معلنه مع العالم الخارجي..

السؤال الذي يفرض نفسه هو هل حقا أن الاسلام هو الحل.. الاسلام في شكله الحالي يبدو بعيدا جدا عن التطور البشري والحضاري.. فلا المجتمعات العربيه يمكن اعتبارها رمزا لهذا التطور الحضاري في تعاملها مع بعضها البعض ولا في تعاملها مع الغرب/
في النهاية أستطيع القول وبدون خوف أن الاسلام الحالي.. الأصولي المنغلق كما يريده البعض هو سبب العجز،، ولن نستطيع الخروج من هذه الدائره المغلقه بدون أن نترك جميع الأديان في غرف مغلقة من بيوتنا.. لايؤخذ منها سوى ما هو في صالحنا كبشر وصالح العالم من حولنا..

إلى هنا وانتهت مقالتي تلك.. ولكن ما أود أن أضيفه اليوم وبعد إنفجارات عمان.. بأن الإرهاب هو واحد مهما تغطي بشعارات حتى الوطنيه منها.. ما حدث في عمان مشابه تماما لما حدث في تل أبيب قبل سنتين حين فجر شاب نفسه في عرس إسرائيلي في تل أبيب.... متخطي الحدود التي اعترفت بها حتى السلطه الفلسطينيه.. وتاركا بصمات لم تؤدي إلا إلى البغض وإغقلاق الآذن والقلوب عن صرخته لحقوقه.. ترى من ألوم.. هل ألوم فقره وبؤسه أم ألوم أؤلئك الذي باعوا ضمائرهم للشيطان واستغلوا فقره وجهله ليكون قنبلة الموت التي حرضوا ودعوا إلى ثقافتها.. من أين يبدأ الحل. القتلى في عمان هم أبناء الشعب الأردني.. والقتلى في بغداد هم أبناء الشعب العراقي.. والقتلى في فلسطين هم من أبنائي والقتلى في إسرائيل هم أبناء الشعب اليهودي.. ولكن يجمعهم حقهم البشري في الحياة.. بدون أن ننشر ونوعي لثقافة السلام سنبقى بدون سلام حتى مع ضمائرنا..
نضع حدا للتطرف لغة النهي والضرب.. علينا استخدام لغة العقل ومخاطبة الضمير لاحياء الضمير الانساني الذي يكاد أن يموت خوفا في العالم العربي..
نعم ان أحداث 11 سبتمبر خلقت واقعا جديدا بعيدا كل البعد عن الاسلام كدين.. وعلينا التعامل مع هذا الوقع الجديد ليس في الدفاع المستميت والأعمى عن الاسلام ولكن بالدخول في عملية نقد موضوعي ذاتي قائم على الواقع.. بدون عنف وبدون تحد حتى يستطيع العالم العربي من استعادة مكانه لائقه بين الشعوب لا تهدد ولكنها تتعايش مع الجميع للوصول الى حضارة انسانيه تخدم الجميع..

أحلام أكرم – باحثه وناشطه في حقوق الانسان