توجد حالة من الإكتئاب الجماعى بين كل من له عقل وقلب فى العالم العربى وخارجه ممن يتابعون أخبار تلك المنطقة والتى لاتخرج منها سوى أخبار القتل الإجرامى اليومى بالعراق وأخبار الأعمال الإرهابية بعمان وأخبار إغتيال المخرج مصطفى العقاد ومن قبلها إغتيال الحريرى وغيره من الكتاب اللبنانيين الشرفاء ‘ إلى أخبار جلد وسجن مدرس كيمياء بالسعودية نظرا لأن أفكاره لا تتفق مع أفكار المتطرفين، وأخبار عناد النظام السورى وحرصه على حماية قتلة الحريرى، وأخبار سيطرة متطرفى المتطرفين على الحكم مرة أخرى فى إيران، وأخبار شغب وحرائق فرنسا، ولا تكاد تشاهد نشرة أخبار على التليفزيون أو تقرأ جريدة أو تسمع راديو إلا وتتصدرها أخبار القتل والإرهاب والدمار وكأن تلك الأمة قد قررت أن تدفع نفسها إلى الإنتحار الجماعى لكى تتخلص من مشاكلها، ولم تقرر أن تقتل نفسها فحسب ولكن (بالمرة) تقتل أيضا ما تيسر لها أن تقتل من الأبرياء، وفى الحقيقة أن الإستمرار فى تلقى تلك الأخبار بصفة شبه يومية يحيل الحياة إلى كابوس يومى لا حل له ولا إفاقة منه، وكلما شاهدنا أى شعلة أمل إلا ونجد أن يد الإرهاب والتطرف قادرة على إطفائها.
وفى خضم هذا الكم الهائل من الأخبار الكئيبة، تجاهل العديد خبرا رغم أنه خبر شديد الحزن إلا أنه يحمل من النبل الإنسانى الذى لا يقدر عليه البشر العاديون، وإنما يصل بالشر الذين قاموا به إلى مرتبة الأنبياء والقديسيين.
ففى هذا الأسبوع قرأت على موقع هيئة الإذاعة البريطانية بالإنترنت:
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news/newsid_4415000/4415974.stm

الطفل الشهيد أحمد إسماعيل الخطيب
خبرا مفاده أن الطفل الفلسطينى أحمد إسماعيل الخطيب كان يلعب بمسدس بلاستيك فى مدينة جنين بالقرب من بعض الجنود الإسرائيلين والذين إعتقدوا أن لديه مسدسا حقيقيا، فما كان منهم إلا أن أطلقوا علية النار فقتلوه. وهذا الخبر فى حد ذاته خبر يدعو إلى الحزن والأسى والكآبة، ولكن تصرف إسماعيل الخطيب وزوجته عبلة الخطيب (والدي الطفل الشهيد) حول هذا الخبر المفجع إلى بارقة أمل وسلام فى هذا العالم الكئيب، فتصرفهم كان تصرفا غير مسبوق ومخالف تماما للتصرفات الإنسانية الطبيعية، وفى منطقة لا تفهم سوى لغة القوة والإنتقام والثأر، وفى منطقة لا تعرف إلا أن العين بالعين والسن بالسن، وضد كل ما تربينا عليه فى هذه المنطقة التعيسة من العالم: يخرج علينا إسماعيل وعبلة الخطيب (وكأنهما ملائكة وهبطت من السماء) بأنهما قد وافقا على التبرع بأعضاء إبنهم الشهيد (الحقيقى) والمقتول غيلة وبدون أى ذنب، تبرعوا بقلبه وكبده وبكليتيه ورئتيه إلى ستة من الإسرائيليين (خمسة أطفال وإمرأة عمرها 56 عاما) ومنهم يهود وعرب ودروز.
ماهذا النبل والجمال والخير، الرد على مقتل إبنهم بإعطاء الحياة إلى ستة أفراد من الدولة التى قتل جيشها نفس الأبن، هذا نبل لا يقدر عليه إلا الملائكة، ورغم أن أسماعيل وعبلة الخطيب مسلمين كما يبدو من أسم إبنهما أحمد، إلا أن هذه أول مرة فى حياتى أرى أشخاصا يطبقون نصيحة السيد المسيح عيسى عليه السلام فى موعظة الجبل (أحبوا أعدائكم)، وليس هناك أكثر من هذا حبا ونبلا.
لقد أعطى أسماعيل الخطيب وزوجته عبلة درسا لنا جميعا (بس مين يقرأ ومين يفهم)، ولو كان الأمر بيدى لأعطيت جائزة نوبل للسلام فى العام القادم إلى أسرة الشهيد أحمد الخطيب.
وقال والد الطفل أحمد ان انقاذ الأرواح أهم في رأيه من الخلاف العقائدي. وأضاف أنه يشعر أن ابنه دخل قلوب كل الاسرائيليين.
وقال اسماعيل الخطيب انه يشعر بفخر بالغ أن أعضاء ابنه ساعدت ستة اسرائيليين.
وأضاف اسماعيل أنه اتخذ هذا القرار ليرسل رسالة الى العالم فحواها أن الشعب الفلسطيني يريد السلام للجميع.
وقالت عبلة الخطيب والدة أحمد ان الأسرة ليس لديها أي مشكلة في التبرع بأعضائه سواء لفلسطينيين أو اسرائيليين مادام سينقذ أرواحا.
امتدح رئيس الكنيست الاسرائيلي رويفان ريفلين أسرة الخطيب وما قدمته من عمل طيب، ووصفها بأنها لفته بالغة التميز بعد عشرات العقود من الصراع بين الاسرائيليين والفلسطينيين.
وكانت طفلة في الـ 12 من العمر من بدو عرب اسرائيل تنتظر قلبا مناسبا منذ خمس سنوات لاجراء عملية زرع قلب. وقد عبر رياض غادبان والد الطفلة عن امتنانه لحصول ابنته على ما أسماه بهدية الحب من أسرة الخطيب
لقد طفرت الدموع من عينى وأنا أقرأ هذا الخبر، دموع الحزن على الصبى أحمد، ودموع التأثر على نبل والديه ورفعة أخلاقهما، إن أحمد إسماعيل الخطيب لم يمت ولكن عاش ومنح الحياه لستة من أعداء أهله، إنه إله الخير (أوزوريس) الذى جمعت أشلائه زوجته (إيزيس) من على ضفاف النيل وبعثت فيها الحياة من جديد، وتغلبوا بذلك على إله الشر (ست).
مازال فى الدنيا من يؤمن بالحب والخير والجمال.

[email protected]