أنا، بطبعي، لا أهوى السياسة، ولا أعاشر السياسيين، ولا أردد أو أحفظ كلامهم، ومع ذلك انطبعت في ذاكرتي جملة سياسية ولا أجمل، قالها المرحوم صائب سلام: لبنان واحد.. لا لبنانان. ورحت أترنم بها في خلوتي، وأمني النفس بمستقبل زاهر لوطني، طوال سني الحرب اللبنانية اللعينة، التي كثر فيها الكلام عن تقسيم لبنان.
بربكم، ماذا كسبنا من الحواجز الطيارة، والحواجز الثابتة المدشمة، والقتل الطائفي، وحرق المدن والقرى، والتشرذم العشائري، وإرساء سلطة الشوارع المغلقة والمخيفة، وتدمير الإقتصاد؟
ماذا ربحنا من فلتاننا الأمني، وإطلاق يد الميليشيات الطائفية في تسيير حياتنا، وتجييش أبنائنا، وتثويرهم ضد رفاقهم في المعاهد والجامعات، وحقنهم بسموم التشرذم والمخدرات والموت؟
كان المرحوم صبري حمادة يقول عن المخدرات في منتصف القرن الماضي: نحن نزرعها ولكننا لا نشربها. أما الآن، فلقد أصبحنا نزرعها، ونشربها، ونستوردها أيضاً، ومرد ذلك جشع بعض المسؤولين الذين بدأوا يتساقطون، كما تساقط العديد من شبابنا وشاباتنا المدمنين أمام أعين أهلهم كأوراق الخريف الصفراء.
لقد رمتنا الحرب على أبواب التسكع العالمي، فلم يبق وطن إلا ومد يد الإغاثة لنا، أو تدخل بشؤوننا، ولم تبق مؤسسة خيرية إلا وطرقنا بابها، بغية إبعاد شبح الموت عن أطفالنا، وتأمين مستقبل زاهر وآمن لهم .
وها هو لبناننا الواحد يطل علينا في زمن كثرت به التفجيرات، وبدأنا نرتعب ونحن نتسوق، أو نعمل، أو نتعلم، أو نتنزه، أو نقبل أطفالنا الصغار أيضاً، وكأن أعداء السلام لا يبغون لهذا الوطن الجميل، الصغير بحجمه، الكبير بشعبه، أن يتنعم بأمنه، وأن يحضن أبناءه بعد غياب، أو أن يغفو ملء عينيه .
لبناننا الواحد.. سيعمل على إرساء روح التضامن والتعايش والمحبة بين أبنائه، إكراماً لهم، إلى أي دين انتسبوا، وإلى أي سياسة مالوا، وفي أي بقعة وجدوا. هو لهم ومنهم، وما عليهم سوى الأخذ بيده كي ينطلق بعد عذاب واعتقال، وأن يصونوا الأرض التي عشقوا، وحلموا بإهدائها ما تبقى من سني أعمارهم، أو أن يستودعوها حفنة من تراب حملوها في ترحالهم الدائم، حتى أصبحت عبئاً ثقيلاً عليهم، وآن أوان إرجاعها إلى المنبت .
أتمنى من جميع ممثلي شعبي اللبناني، خاصة أولئك الذين شاركوا بالحرب عليه، أن يتطهروا من جرائمهم من خلال الإعتراف بها، وأن يكونوا لهذا الشعب، بعد أن كانوا لأنفسهم، لأنانيتهم، ولتطلعاتهم الخبيثة، وأن يعملوا من أجل رفاهيته، وأن لا يفكروا إلا بمصالحه، عندئذ قد يغفر الله ذنوبهم الكثيرة السابقة، وسنبدأ معاً رحلة المليار ميل من أجل بناء وطن الحب والسلام.
كل عيد استقلال وأنت مستقل يا وطني.. لبنان.