الإرهاب ليست ظاهرة جديدة في القارة الأوربية، فقد سبق أن روعت عدة دول أوربية بإرهاب مجموعات مثل الكتائب الحمراء في إيطاليا والجيش الأحمر في ألمانيا ومجموعة الحادي عشر من نوفمبر في اليونان التي ما زالت تقوم بعمليات متفرقة من حين إلى آخر، ومجموعة (إيرا) في إيرلندا، و (إيتا) في أسبانيا التي ما زالت ترفض محادثات السلام مع الحكومة الأسبانية، وتطالب بإنفصال إقليم الباسك، وتروع بعملياتها العاصمة مدريد من حين إلى آخر، وقد عرفت أوربا الإرهاب الذي يقوم به متطرفون مسلمون قبل عشر سنوات تقريبا، عندما قام بعضهم بتفجيرات مترو أنفاق باريس في تلك العملية المشهورة آنذاك، إلا أن العمليات الإرهابية في السنوات الخمس الماضية وتحديدا التي أعقبت عمليات الحادي عشر من سبتمبر لعام 2003، جعلت العديد من المراقبين والباحثين يعتبرون أن إرهاب اليوم مختلف، وأن مجمل القارة الأوربية يواجه موجة تحريض من المسلمين المتطرفين المنتمين لتنظيم القاعدة أو الذين يشاركون القاعدة في خلفيتها الإيدولوجية الداعية للصدام مع الغرب بإسم الإسلام، رغم رفض ذلك من الغالبية العظمى من المسلمين وشيوخ الدين والكتاب والمفكرين. وقد سيطر الخوف والفزع في الشارع الأروربي مما يسمّى الإرهاب الإسلامي، و رغم أنه في العقود الأربعة الماضية أوقعت مجموعات الإرهاب الأوربية أكثر من أربعة آلآف قتيل، إلا أن (جيس دو فريز) منسق مكافحة الإرهاب في دول الوحدة الأوربية يقارن ذلك العدد، بعدد إلتسعة آلآف وثلاثمائة شخص الذين قتلوا أو خطفوا أو جرحوا في العام 2004 فقط، ويشمل هذا العدد 191 شخصا قتلوا و1900 جرحوا في مدريد، و 331 قتلوا و 660 جرحوا في بيسلان في جنوب روسيا (إقليم الشيشان)، من جراء إقتحام عدد من المسلحين مدرسة للإطفال في سبتمبر من العام 2004، واحتجزوا جميع من بداخلها نحو 1300 شخصا، مطالبين بإنهاءالحرب في الشيشان، مما أوقع تلك الخسائر من القتلى والجرحى، كما يلاحظ أن العدد الأكبر من المصابين والقتلى كانوا في جنوب شرق والشرق الأوسط، ومن ضمنهم العديد من الأوربيين العاملين هناك أو ممن كانوا في إجازة.
الملاحظ أيضا أن غالبية هذا الإرهاب المنسوب لمتطرفين مسلمين، حدث من مسلمين أوربيين أي مسلمين مقيمين في أوربا وفي الغالب يحملون جنسيات بعض دولها، ومنهم من ولد في أوربا وترعرع وتعلم فيها، لذلك كانت صدمة الأوربيين أكبر خاصة أن بعض قصص هذا الإرهاب مثيرة للغاية، مثل قصة (سامنتا ليوتوايت)، فهذه السيدة الشابة إبنة جندي بريطاني تحولت للديانة الإسلامية لدى زواجها من شاب من أصل جامايكي إسمه (جرمان ليندس) عام 2002، وقد وضعت طفلها الأول بعد شهر من إختفاء زوجها، وكانت خائفة من أن يكون زوجها أحد ضحايا إنفجارات السابع من يوليو في لندن، ولكن الصدمة الكبيرة لها كانت عندما تأكدت أن زوجها أحد قتلى تلك الإنفجارات ولكن ليس كواحد من الضحايا، ولكنه كان واحدا من الإنتحاريين الذين فجّروا أنفسهم مرتكبين ذلك العمل الإرهابي. وتلوم الزوجة الشابة المجموعة التي كان زوجها يلتقيها في الجامع، فقد غيروا تفكيره وغسلوا دماغه، وحولوه من شخص مسالم لم يكن قادرا على إيذاء أحد إلى شخص متطرف قادر على قتل نفسه والعشرات من الأبرياء....وهي خائفة من تلك اللحظة التي يتوجب عليها فيها أن تخبر إبنها ما فعله أبوه!!!!.إن هكذا قصص ذات خلفيات مثيرة ترعب الأوربيين يقدر رعبهم من العمليات الإرهابية ذاتها. ومثلها قصة الشاب (وسام دليمي) البالغ من العمر32 عاما، الذي إعتقلته الشرطة الهولندية في مايو الماضي. وسام من مواليد العراق وهاجر إلى هولندا عام 1990، وحصل على الجنسية الهولندية وأتقن اللغة واندمج في المجتمع إلى حد المشاركة في برامج مسابقات في التلفزيون الهولندي، وكان يعمل حلاقا وغالبية زبائنه من الهولنديين، ورغم ذلك قام في أكتوبر من عام 2003 بالسفرإلى العراق بسيارته مع شاب عراقي، حيث قام بتصوير بعض المسلحين أثناء إعدادهم لكمين وقيامهم بصنع القنابل، وعندما عاد إلى هولندا إنشغل بتجنيد الشباب وإرسالهم للقتال في العراق، رغم أنه أخبر أصدقاءه عند عودته أن غالبية الضحايا من المدنيين العراقيين. ومثلها أيضا قصة (حامد باش) الفرنسي من أصل مغربي الذي يقطن مع زوجته وأطفاله الثلاثة مدينة (مونتبلييه)الواقعة على البحر المتوسط، ويعمل سائق شاحنة، ولميوله السلفية كان من السهل تجنيده من قبل متطرفين، أرسلوه إلى سوريا وهناك إكتشف أنهم يطلبون منه القيام بعملية إنتحارية في العراق، فرفض ذلك وكي لا يخسروه عرضوا عليه القيام بعملية في فرنسا فوافق، لكنه عند عودته رفض القيام بعملية ضد الدولة التي منحته جنسيتها، لكنه وافق على القيام بها في إيطاليا، وبدأ يجمع العناصر الكيماوية التي تمكنه من صنع القنابل، لكن سلوكه أثار الشرطة الفرنسية فألقت القبض عليه واعترف بكل هذه التفاصيل. وحسب إحصائيات الدوائر الأوربية المهتمة بشؤون الإرهاب، فقد تم من العام 1994 إلى العام 2004 إحباط ما لا يقل عن ثمانية وعشرين هجوما، كان يخطط لها متطرفون مسلمون : منها هجوم ضد مصنع نووي في (بورسيل) بهولندا، وهجوم بطائرة على برج إيفل بفرنسا..ورغم ذلك لم تتوقف الهجمات الإرهابية من قبل الأوربيين الجدد من أصول عربية إسلامية !!!. فما هي الدروس المستفادة من هذه الوقائع؟؟.
أولا : إن مسألة الإندماج في المجتمعات الغربية ليس مشروطا بالحصول على الجنسية وإتقان اللغة فقط ، لكنه عملية تربوية وثقافية تقع على عاتق الأسرة والمنزل، فما فائدة اللغة الفرنسية أو الإنجليزية أو الهولندية، إذا كان الشاب منذ ولادته يتلقى بها نفس الأفكار الظلامية التي يتلقاها زميله باللغة العربية في المدينة العربية التي هاجر منها؟؟.
ثانيا : الخلل والإزدواجية التي تصل حد المرض في الشخصية العربية ومنها المهاجرة، فهولاء المهاجرون في غالبيتهم هربوا من بلادهم ليس بسبب الإضطهاد السياسي، ولكن بسبب الفقر والبطالة، وما إن أمنت له المجتمعات الأوربية الجديدة السكن والطعام والعلاج والمستقبل، بدلا من الحرص على أمنها، بدأوا العمل من أجل تخريبها وضربها...
والسؤال المهم : لماذا..رغم أن الإسلام يحث صراحة على إحترام العهود والمواثيق، ومجرد قبول اللاجىء في تلك الدول، فهو ميثاق وعهد يلزم بعدم الإخلال بأمن تلك البلاد... إذن لماذا هذا الخلل؟؟. أسباب عديدة منها الثقافة الظلامية التي تبثها غالبية المساجد والدعاة في الدول الأوربية، وأسوأ مثال أبو حمزة المصري في لندن الذي تم إعتقاله منذ شهور، هذا الرجل الذي أساء للإسلام والمسلمين بشكل لا يستطيعه كتيبة من الحاقدين على الإسلام. وقد أفاقت أوربا متأخرة على إساءة هولاء المتطرفين لقوانينها الإنسانية الخاصة باللجوء مما جعل باريس ولندن تحديدا مركزين أساسيين لتجميع أكبر عدد من المتطرفين الداعين للعنف ضد المجتمعات التي أطعمتهم من جوع وأمنتهم من خوف، متناسين ماذا ينتظرهم إن عادوا لبلادهم، ويبدو أن هذه المسألة أيضا ليست سهلة، لأن قوانين تلك البلاد الأوربية لاتسمح بسهولة إعادتهم لبلادهم...لذلك تتزايد الدعوات لتغيير تلك القوانين، فمن يكون الأسرع : الأوربيون في تغيير قوانينهم أم العرب المسلمون في تغييرسلوكهم؟؟.
[email protected]
التعليقات