كان "الشاهد المقنّع" الذي كشف النظام السوري عن وجوده مساء الأربعاء الماضي ثم أعاد عرضه الخميس طريفاً الى حد يستحق ترشيحه لنيل أحدى جوائز الأوسكار السينمائية عن فيلم سوري قصير أسمه "الشاهد الظريف"... هذا في حال كان هناك جائزة أوسكار للأفلام القصيرة. لكن يبقى أن لدى الذين أرتكبوا هذا "الشاهد"، الذي عثر فجأة على "وطنيته" الضائعة بين كرديته السورية أو غير السورية وبين الأجهزة التي كان يعمل لها، مشكلة. تكمن المشكلة في أنه يضر بالنظام السوري أكثر مما يفيده نظراً الى أنه يكشف مجدداً نقطة الضعف الأساسية في النظام. أنها نقطة تتلخص بالأستخفاف بالمجتمع الدولي من جهة ورفض قراءة الأحداث بالطريقة التي يجب أن تُقرأ بها من جهة أخرى. والمقصود بالأحداث ليس التطورات الأقليمية والدولية فحسب، بل القرارات الدولية أيضاً على رأسها قرارات مجلس الأمن التابع للمم المتحدة الذي يظل والى اشعار آخر أعلى سلطة دولية، خصوصاً عندما تتخذ قراراته تحت البند السابع لميثاق المنظمة الدولية.

ظهر "الشاهد"، الذي يضرّ بالنظام السوري أذ يظهره في مظهر ذلك الذي لا يسعى سوى الى كسب الوقت،في دمشق ليقول أن مجموعة لا بأس بها من اللبنانيين تستأهل القتل. وعلى رأس هؤلاء يأتي النائب سعد رفيق الحريري رئيس" كتلة المستقبل" والزعيم الوطني وليد جنبلاط والشهيد الحي الوزير مروان حماده ووزير الداخلية حسن السبع والنائب جبران تويني والزميل هاني حمّود وآخرون بمن فيهم الزميل فارس خشّان الذي بالغ الشاهد السوري في دوره الى حدّ جعل الذين يعرفون الزميل العزيز يتساءلون هل هو يتحدّث عن فارس أم عن شخص آخر وُجد في مخيّلة الذين لا يريدون الأعتراف بالحقيقة أو على الأصح الذين ليسوا قادرين على التعاطي معها. أكثر من ذلك، أن الطريقة التي أتى بها "الشاهد" على ذكر الزميلة ميّ شدياق التي لا تزال تعالج جراء محاولة الأغتيال التي تعرّضت لها، توحي بأنه يبرر الجريمة التي تعرّضت لها مشيراً الى أثم ارتكبته، أذ شاهدها في "المونتتيفردي" مقر لجنة التحقيق الدولية "ثلاث أو أربع مرات". ما هذا الكلام السخيف الذي لا يمت الى الحقيقة بصلة والذي لا تفسير له سوى أن النظام السوري لا يزال غير مصدّق أن أغتيال رفيق الحريري لن يكون مجرد حدث عابر؟ وفي كل الأحوال لم تجد مي شدياق التي عوقبت بسبب صدقها ولبنانيتها الصافية وضحكتها التي تخرج من القلب، ما تقوله سوى أنها لا تعرف أين "المونتفيردي"...

ولكن أبعد مما ورد على لسان"الشاهد الظريف"، أن الرجل الذي اعترف بأنه كان يعمل في لبنان لمصلحة الأستخبارات السورية كشف في الوقت ذاته أن الرهان السوري لا يزال على تحريض أيران و"حزب الله" على لبنان واللبنانيين، علماً أن الحزب الذي لايوجد أجماع لبناني على أحتفاظه بسلاحه بمقدار ما توجد رغبة حقيقية في الدخول في حوار جدي معه، يدرك أنه ينتهي في اللحظة التي يوجه فيها سلاحه الى لبنانيين آخرين. أما أيران فتظل ذات حسابات خاصة بها قد تلتقي فيها مع سورية كما قد لا تلتقي معها، خصوصاً أنها تعتبر نفسها بعد الحرب الأميركية على العراق، ألقوة الأقليمية الكبرى التي تستخدم الآخرين في خدمة مصالحها وتوجهاتها. هل ستترك أيران النظام السوري يستخدمها في حربه على لبنان واللبنانيين هي التي عرفت كيف تجعل الولايات المتحدة تعمل في خدمة مصالحها في العراق؟

في النهاية، يظل السؤال المطروح هو الآتي: هل يستطيع النظام السوري تحمل النتائج المترتبة على أغتيال رفيق الحريري، اقله بصفة كونه نظام الوصاية في لبنان لدى حصول الجريمة؟ واذا شئنا الذهاب الى ابعد من ذلك، أي الى لب المشكلة، هل يستطيع النظام السوري التعاون مع لجنة التحقيق الدولية؟ أن الأستماع الى "الشاهد الظريف" يؤكّد وجود رغبة واضحة لدى النظام في أرتكاب أخطاء جديدة في سلسلة بدأت بقرار التمديد للرئيس أميل لحود. كل ما يمكن قوله ان عملية الهروب الى أمام مستمرة، لا لشيء سوى لأنه لا يوجد حالياً بين المسؤولين في دمشق من يتجرأ ويقول صراحة أن ليس في أستطاعة النظام التعاطي مع القرار 1636 وأن ليس أمامه سوى السعي الى الألتفاف عليه بواسطة "شاهد ظريف" أحياناً أو عبر التظاهر بالتعاون في أحيان أخرى، تلبية لوساطات عربية، أو عبر التحريك المتعمد لقضية السلاح الفلسطيني وغير الفلسطيني في أحيان كثيرة . لا يزال الرهان المعتمد لدى النظام السوري قائماً على أنه لن تقوم للبنان قيامة بعدما خرج الجيش السوري من أراضيه. كل ما عدا ذلك تفاصيل تصب في أتجاه واحد أسمه عوارض طبيعية لنظام مريض.

وفي النهاية أيضاً، يخشى أن يكون الفيلم السوري القصير مقدمة لأفلام أخرى من نوع ذلك الفيلم الذي جرى تركيبه قبل ثماني وأربعين ساعةمن أغتيال الرئيس الحريري. كان أسم ذلك الفيلم "فيلم الزيت" وكان الهدف منه القول للرئيس الشهيد أن في أستطاعته الخروج من منزله لأن الحرب عليه لن تذهب الى أبعد من مضايقة أنصاره ومؤيديه. وبدا الرجل مساء السبت الواقع فيه الثاني عشر من شباط- فبراير، أي قبل أقل من ثماني وأربعين ساعة من أغتياله مطمئناً الى المدى الذي سيذهب اليه أعداؤه في الحرب عليه. هل يكون "الشاهد الظريف" عملية تمويه أخرى وتمهيداً لتفجيرات كبيرة في لبنان؟ الأكيد أن الفيلم السوري القصير الذي حمل أسم "الشاهد الظريف" مقدمة لأفلام أخرى قد لا تكون ظريفة لا للبنان واللبنانيين ولا لسورية والسوريين!