انعقد في فيينا منتصف هذا الشهر مؤتمرا نضمته وزارة الخارجية النمساوية والمعهد الشرقي الذي يحمل اسم المستشرق النمساوي بورغ شتال ساهم فيه العديد من الشخصيات وممثلي الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والاسلام. وكانت الرسالة التي وجهها رجال الدين هي بان مهمتهم حث الناس على التعايش ونبذ كره الآخر وكذلك دفع رجال السياسة إلى التبصر بحاجة المجتمع. وكانت مشاركه فاعلة ومهمة لمفتي سوريا الجديد الدكتور أحمد بدرالدين حسّون، حيث قدم في طروحاته لونا جديدا عن العالم المسلم وصورة صائبة عن الاسلام والمسلمين. ولربما كانت كلماته في اليوم الاخير من المؤتمر التي قال فيها بانه لترك الاسلام لو كان الدين الاسلامي دين عنف وارهاب كما يقدمه الارهابيون من افعال، اكثرها وقعا على مستمعيه حيث حظي باكثر الاسئلة من قبل الحضور. وينحدر المفتي السوري المولود عام 1949، من اسرة الشيخ بدر الدين حسون "الحلبية" المعروفة باهتمامها بالعلم والادب، الامر الذي ترك اثراً كبيراً في اختيار احمد منذ شبابه طريق العلم الاسلامي، عبر دراسته الادب العربي والدراسات الاسلامية في جامعة القاهرة، بعدما نال شهادة الثانوية الشرعية من حلب العام 1967، وقبل ان يحصل على شهادة الدكتوراه في الفقه الشافعي من جامعة الازهر عن بحث قدمه في 4500 صفحة حول "كتاب الام: شرحاً وتحقيقاً". وركز اهتمامه، بعد عودته الى مسقط رأسه، على العمل الدعائي والخيري. واسس "جمعية الفرقان الخيرية" التي تعيل 1400 عائلة في حلب. وترأس في حلب في بداية التسعينات "جمعية رفع المستوى الصحي والاجتماعي" التي تقدم مساعدات لنحو 140 الف شخص سنوياً، قبل ان يساهم في نهاية العقد الماضي بتأسيس "صندوق العافية الخيري" لاعالة المحتاجين. وانتخب حسون في 1990-1994عضواً في مجلس الشعب السوري، قبل ان يصبح مفتياً لمدينة حلب. وجاء على لسان مفتي سوريا الدكتور أحمد بدرالدين حسّون بأن العرب حملوا المسيحية واليهودية والإسلام إلى العالم بأجمعه، ولم يتقاتل المسيحيون واليهود والمسلمون مع بعضهم البعض لأسباب تاريخية، مشيراً إلى أن المسلمين يؤمنون أنه بإمكانهم وأتباع الديانات السماوية الثلاث أن يتعايشوا، ويصلوا في مراكز العبادة في الناصرة وبيت لحم وبيت المقدس بدون أن تتدخل السياسة، والضغوط السياسية من أجل تكريس هذا البلد بلداً إسلامياً، وذلك البلد بلداً مسيحياً، وذاك البلد بلداً يهودياً. ودعا الدول العربية والإسلامية إلى "الاقتداء بنهج الاتحاد الأوروبي، ويبادروا إلى جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة ذات حدود مفتوحة لأبناء المنطقة بأجمعها، ولمن يريد أن يزورها أو يحج إليها روحياً، حتى تبقي مشعلاً للأمن والأمان والتعايش الحضاري المتنوّع. وفي الوقت الذي هاجمت اوساط المتطرفين المسلمين في النمسا المؤتمر وما صرح به مفتي سوريا، لكنه اثار اهتمام اغلبية المسلمين والشارع النمساوي ومثقفيه مما طرحه بجرأة عن الإسلام والمسلمين. وتحدث الدكتور احمد بدر الدين حسون الى صحيفة "الحياة" بعد اعلان قرار الرئيس بشار الاسد تعيينه مفتياً عاماً لسورية، خلفاً للراحل احمد كفتارو الذي شغل المنصب بين 1964 – 2004 عن رفضه جرائم الخطف في العراق وضرورة وقف العمليات الانتحارية التي تؤثر سلباً على الشعب العراقي، ودعى الى توحد جميع المذاهب الاسلامية لتقف في وجه المد الاصولي. وشدد حسون على ضرورة العودة الى العقل والفكر لجماعات الإسلام السياسي، وقال انه على اتصال مع هيئة علماء المسلمين وعلماء الشيعة في العراق طالبا منهم الابتعاد عن الخطف لانها جريمة تسيء الى المنهج الاسلامي والفكر الديني". وزاد :"الخطف لا يجيزه الاسلام. وطالب مفتي سورية اثناء مؤتمر فيينا بتكاتف الجهود الإقليمية والدولية من أجل جعل فلسطين أرضاً للسلام، بحيث يكون الجميع في خدمة هذه الأرض ويتعايشون على أسس المحب والتسامح الديني، وليس التقاتل من أجل أهداف سياسية، والقضاء على كافة الحركات الدينية المتطرفة التي تهدد الأمن والسلام في العالم. وأعرب الدكتور حسون عن اعتقاده بأن الدين المسيحي شانه شأن الدين الإسلامي يدينان استغلال الدين لأسباب سياسية أو عدوانية أو توسعية كما حدث في ايرلندا الشمالية والحرب العراقية الإيرانية وغزو الكويت وما يجري في العراق.وقال:" أن الإسلام وتعاليم الدين الإسلامي السمحاء لا تسمح ولا تقرّ لجوء المسلم إلى قتل نفسه بنفسه"، ولكنه اضاف في حديث صحفي أدلى به إلى (آكي) إلى انه ينبغي التركيز على معالجة الأسباب السياسية وليست الدينية الكامنة وراء ذلك. وأعرب عن اعتقاده بأن الهجمات الإرهابية وقعت خلال السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة وإسبانيا وبريطانيا ودول عربية مثل سورية ومصر والسعودية ولبنان والأردن والعراق والمغرب وتركيا، وقعت لأسباب سياسية وليست لأسباب دينية (....)، مشيراً إلى أن غالبية الذين ارتكبوا تلك الأعمال هم من الشباب الذين عانوا من ويلات الفقر واليأس والجهل الديني. وطلب مفتي سوريا من القادة الروحيين الذين التقى بهم من المشاركين في أعمال المؤتمر، وبينهم البطريرك والكاردينال والمطران، أن يساهموا بنقل رسالة مؤتمر –الإسلام في عالم متعدد- إلى الرأى العام في بلدانهم، وبشكل خاص إلى أولئك الذين يرتادون دور العبادة من المساجد والكنائس والمدارس والجامعات، مع تاكيده باعتزاز بانه يفخر بنقل نتائج مؤتمر فيينا إلى جميع المسلمين والمسيحيين واليهود في مختلف أنحاء العالم، مع التأكيد بان جميع المشاركين فيه قد أبدعوا في التعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم حول مجمل المسائل والقضايا المطروحة في جدول الأعمال. واشار إلى أن طبيعة النمسا المتسامحة قد غلبت على أعمال المؤتمر، ولذلك سيصلي هو والقادة الروحانيين الآخرين من الديانات الابراهيمية لكي يسمع السياسيون كلامهم ويلتزموا بالقيم ومبادئ التسامح. ومن مشاركة الدكتور حسون وبعض من الشخصيات الإسلامية في مؤتمر فيينا حاولوا ان يوجهوا رسالة واضحة وصريحة وهي: اعرفوا الإسلام على حقيقته من المسلمين ولا تحكموا عليه بأعمال بعض المتطرفين أو المتشددين. الإسلام أقدس مما تتصورون، والإسلام هو الذي عانق المسيحية في بلادنا العربية ولم يلغها، الإسلام هو الذي حمى الحضارتين المسيحية واليهودية ولم يمسحهما أبداً، ولم يهدم كنيسة أو كنيساً أو معبداً أبداً، ولم يقتل أحداً من أتباع الديانات الأخرى. ويعتقد الدكتور حسون بأن على غير المسلمين دراسة الإسلام من المسلمين، وان لا تحجب ذلك مواقف سياسية لبعض الأفراد أو بعض الأحزاب السياسية أو بعض الحكام الذين لبسوا ثوب الإسلام فصاروا هم الحجاب عن الإسلام. داعيا المسيحيين في الغرب إلى دراسة الإسلام من خلال الإسلام وليس من خلال المسلمين، والمسلمين إلى دراسة المسيحية من الديانة المسيحية وليس من تصرف بعض رجال الدين أو الكهنة أو الرهبان، حتى يصلوا إلى قناعة تامة بأن هناك العديد من القواسم المشتركة بين الإسلام والمسيحية، وفي طليعتها المحبة والتسامح والتعايش الحضاري المتنوّع، وإن السيد المسيح والنبي محمد هما رسولا سلام ومحبة إلى العالم أجمع. فالمسلمون الحقيقيون هم عين المسيحيين الحقيقيين ستجدونهم في نقطة واحدة أمام الله عزّ وجل. وقال كما كانت هناك فتوحات إسلامية، كانت هناك فتوحات سياسية. ومن المؤسف أن تندلع الحروب باسم الصليب أو باسم المسيحية، ولم يكن للمسيح عليه السلام أي علاقة بها. لذلك أؤكد بأننا نحن المسلمين حافظنا على كنيسة المهد وكنيسة القيامة إبان الفتح الإسلام وما تزالان قائمتين، لأن المسلمين حافظوا عليها كما أن مفاتيح كنيسة القيامة هي أمانة في أيدي المسلمين وفي عهدتهم. وحائط المبكى في القدس، زال قائماً منذ حوالي 2500 سنة، وعندما فتح المسلمون القدس كان هذا الحائط موجوداً ولم يقدم أحد من المسلمين على إلحاق أدنى ضرر به. ويعتقد المفتي السوري بأن الواجب على ممثلي المسلمين أن يأتوا إلى الغرب من أجل شرح حقيقة تعاليم العقيدة الإسلامية السمحاء، ولاسيما إذا أخذ في نظر الاعتبار أن غالبية الأجهزة والمنابر الإعلامية في الغرب لا تنقل حقيقة الرسالة الإسلامية لأهداف سياسية. وأن لا نيأس من التحديات التي تواجه عملية إيصال حقيقة الرسالة الإسلامية إلى جميع أنحاء العالم. ان الشفافية التي تمتع بها المفتي السوري واتساع الافق نحو تقارب الاديان والتقائها معا في نبذ العنف والارهاب لقيت صدى ايجابي ليس في اروقة المؤتمر فحسب، وانما خارجها. لقد استطاع ان يبني جدارا من الاعتقاد لدي الكثيرين بان الاسلام كدين براء من الارهاب وعداء الآخر.
ولا زالت نحتاج المجتماعات خارج حدود العالم الاسلامي إلى الكثير مما قاله مفتي
سوريا ويمكن ان يفعله ويقوله رجال دين آخرين لتخيف شدة الخوف الذي يجتاح العالم اليوم من المتطرفين المسلمين واعطاء الدليل على انهم اقلية ولا يمثلون الإسلام والمسلمين قيد شعرة.