بعد أدائه لصلاة الجمعة... لم ينس (إمام الجماعة) ورئيس إيران الأسبق، وأحد القادة القليلين و التاريخيين المتبقين من الجيل الأول من قيادة الثورة الإيرانية، والمسؤول الأهم تاريخيا في ملف الحرب الماراثونية والشرسة والطويلة والمهلكة مع العراق، أن يذكر الحكومة العراقية القادمة والشرعية دستوريا و في عقلية تجارية محترفة لأهل (البازار) الإيراني العريق بواجب دفعهم للتعويضات!! وهي بمليارات الدولارات الخضراء!! كثمن واجب الدفع لتسوية ذيول ومخلفات تلك الحرب المجنونة التي أكلت الأخضر واليابس، وزرعت الموت والدمار وبذور التقسيم والتشرذم في المجتمع العراقي والتي أسست للمزيد من دورات الدم المرعبة التي عاشها العراق وما زال شعبه يعيش تداعياتها حتى اليوم رغم أنها قد وضعت أوزارها منذ أكثر من 18 عاما كانت من أشد الأعوام عجافا وسوداوية في التاريخ العراقي المرصع بالمآسي والهموم والمصائب وشلالات الدماء.
نعم.. لقد كانت تلك الحرب المجنونة (1980 / 1988) فعلا عدوانيا أقترفه نظام البعث وصدام البائد ضد الشعب الإيراني ووفقا لحسابات إقليمية ودولية وداخلية لم تعد مجهولة من أحد، ولكن الشعب العراقي بعمومه لم يكن مسؤولا عن تلك الحرب ولم يكن له بالتالي أي دور في إشعال فتيلها والمباشرة بها، بل فوجيء ونكب بها كما فوجيء العالم أجمع، وعانى من آثارها وتداعياتها، ودفع أفدح الأثمان من دماء شبابه ومن ثروته الوطنية، ومن مستقبل أجياله، كما تورطت دول وشعوب المنطقة في تحمل خسائرها من تلك الحرب وهي خسائر لا تقدر بثمن، وكلنا نعلم بحجم الدور العدواني الذي هيأ صدام نفسه ونظامه له، كما أن الجميع يعلم بأن الحرب الحقيقية كانت مشهرة أساسا ضد الشعب العراقي وقواه الوطنية الحرة، وإن أول سكاكين ومعاول ومشانق النظام البائد قد مورست على أجساد العراقيين بكل طوائفهم و مللهم ونحلهم، فصعود الفاشية البعثية من خلال إنفراد عصابة صدام ورهطه وعشيرته في السلطة وصعودهم على جثث رفاقهم من البعثيين ذاتهم في مجزرة (تموز / يوليو) الشهيرة عام 1979 قد هيأت المسرح الداخلي في العراق لتطورات دراماتيكية مدمرة، كان في طليعتها تحييد الخط المحافظ في حزب البعث العراقي، وتجييش وعسكرة المجتمع العراقي، ومن ثم الدخول في مغامرة الحروب العدوانية تحت مسوغات واهية من الدفاع عن الكرامة والوحدة الوطنية!! وجميعها عناوين مزيفة تم من خلالها إقتراف جريمة العصر في الحرب والغزو لدول الجوار، وإذا كان المسؤولون الإيرانيون يبحثون اليوم عن (دولارات) لتعويض المصيبة التي حلت بشعبهم في تلك الحرب فإنهم بدورهم يتحملون مسؤولية لا تقل أهمية عن مسؤولية نظام صدام البائد في التدمير والخراب، فمن الناحية العسكرية والستراتيجية الصرفة فشل صدام وقيادته العسكرية في إحراز نصر عسكري سريع على الطريقة الإسرائيلية الخاطفة، وإنتهى الجهد العسكري العراقي الهجومي فعليا في مايو/ أيار 1982 بعد الهزيمة المفجعة في (المحمرة / خرمشهر /) ومن ثم أعلن النظام عن سحب ما تبقى من قواته من الأراضي الإيرانية وتراجع للحدودرسميا إلا أن النظام الإيراني ونتيجة لأهداف سياسية داخلية محضة ومعروفة وتتعلق بالصراع السياسي المحتدم داخليا إستغل الفرصة لإطالة أمد الحرب عبر طرحه للشروط المعروفة لإنهائها وأهمها شرط (محاكمة النظام العراقي) وإسقاطه وقيام البديل الإسلامي!! وهي شروط تعجيزية تعني بأن الحرب ستستمر لا محالة، وقد أعلن الإيرانيون منذ صيف 1982 من أنهم لن يتوقفوا إلا في (كربلاء)!! ليباشروا منها عملية الإنطلاق لتحرير (القدس)!! وكانت مهزلة دموية مرعبة ومروعة أدت لتمديد أمد الحرب لستة أعوام أخرى رهيبة وقاسية دفعت خلالها شعوب إيران والعراق والمنطقة أثمانا خيالية لتجاوزها دون جدوى حتى إقتنع الجانب الإيراني في صيف 1988 من أنه لا جدوى أو فائدة ترجى من التعنت بعد تبدل المعادلات الإقليمية وتأكد الإيرانيين من إستحالة تطبيق شروطهم المعلنة لتنتهي الحرب فجأة كما بدأت فجأة وبتعادل موضوعي ولكن بخسائر رهيبة وبعد أن تجرع (الخميني) الراحل كأس السم الشهير!! وكانت إدارة تلك الحرب وقتها تحت مسؤولية (هاشمي رفسنجاني) نفسه الذي يطالب اليوم الشعب العراقي بدفع التعويضات الخرافية.. ! نعم قد يكون الشعب العراقي من الناحية القانونية مضطرا للدفع لخسائر السنتين الأوليتين من الحرب التي شنها صدام؟ ولكنهم من الناحية القانونية الصرفة لا يتحملون أي مسؤولية تراتبية وبموجب القوانين الدولية عن دفع كلفة الهجمات العسكرية الإيرانية الهادفة لإحتلال العراق وفرض حكومة ولاية الفقيه عليه!! وهي المرحلة الأطول من تاريخ وأمد الحرب والتي إستمرت ستة أعوام عجاف وكانت خسائرها مذهلة..؟ فهل يدفع الإيرانيون للشعب العراقي ثمن الخراب الذي تسببت به مدفعيتهم الثقيلة وصواريخهم (المؤمنة)! ضد المدن العراقية الحدودية من البصرة وحتى السليمانية!؟ وهل ينبغي على الشعب العراقي أن يدفع تعويضات لمغامرات القيادة الإيرانية ومحاولتها فرض نموذجها السياسي بالقوة على العراقيين؟ إنها تساؤلات تتصاعد في ظل الإبتزاز الذي تمارسه السياسة الإيرانية الحالية ضد العراق الضعيف والمنهك والمطالب والمحاصر بملفات التعويض من كل حدب وصوب نتيجة لمغامرات نظامه العدواني البائد ضد دول الجوار وشعوبها.
بعد إحتلال وغزو (دولة الكويت) في صيف 1990 تناسى الإيرانيون كل مطالبهم وعداوتهم لنظام صدام البائد ووفروا له من خلال أبناء قطط العمائم السمان كل منافذ التهريب والتعاون الإقتصادي بعد أن (شفطوا) الطائرات العراقية التي أودعها النظام الغبي البائد أمانة عند أعدائه السابقين!! ليستولوا عليها علانية ومن ثم يدعون كذبا بأنه لا توجد طائرات!! وقد بلع صدام ما حصل وقتها لأنه كان مضطرا للسكوت بفعل المصيبة والكارثة التي إقترفها ضد الشعب الكويتي الشقيق ! ومعروفة كثيرا حكاية التبادل التجاري بين أبناء صدام وأبناء رفسنجاني في قضايا النفط المهرب والإستيراد والتصدير، وتناسوا وقتها حكاية التعويضات!!، ثم بعد سقوط النظام على أيدي قوات الولايات المتحدة تسلل الإيرانيون وحاولوا إستغلال الفرصة المتاحة وبثوا دعاتهم وأجهزة مخابراتهم وكذلك يفعلون حتى اليوم وضخوا أموالهم من خلال إنشاء وتكوين الأحزاب والميليشيات الطائفية العميلة والمتخلفة في جنوب العراق على وجه التحديد ليساهموا في تعميق التخريب في العراق، وليحاولوا بسط نموذجهم السياسي البائس في العراق الخارج من رحم أعتى دكتاتورية في تاريخ العالم المعاصر!، وكانت معاناة العراقيين شديدة خصوصا بعد أن سبق لزعيم الإئتلاف العراقي (عبد العزيز الحكيم) أيام وجوده في (مجلس الحكم) السابق التصريح بأن إيران تستحق مبلغ 100 مليار دولار كتعويض!! وهو التصريح الذي أثار ضجة وقتها وحاولت أطراف الإئتلاف التنصل من مسؤولية ذلك التصريح الخطير والذي يعني أساسا بأن : { من لا يملك، أعطى لمن لا يستحق }!! وتلك لعمري قاصمة الظهر! فحكاية وشأن التعويضات هي أمور يقررها خبراء في القانون والإقتصاد ومن خلال لجان فنية متخصصة ومفاوضات قد تستمر سنوات! وهي ليست (مأتم أو سرادق عزاء) يقام بسرعة وسهولة!!، وكم كنت أتمنى مخلصا أن نعرف مواقف الإئتلاف من ذلك الملف والذي يشكل إستمراره سيفا مسلطا على الإقتصاد العراقي المدمر فضلا عن كونه لا يتجاوب مع الجهود الدولية و الإقليمية الحثيثة والمخلصة في إسقاط الديون القديمة وتخفيف الكاهل عن العراق الجديد، لأن قضية التعويضات في منتهى الخطورة لكونها تشكل عنصر عدم إستقرار إقليمي، ولكن المعضلة الرئيسية هي أن الحكومة الإيرانية عليها واجب دفع تعويضات مضافة للشعب العراقي عن كل سنة حرب إضافية لم تكن ضرورية ولا حتمية ولم يتسنى للنظام الإيراني وقتها تحقيق صولته الستراتيجية وهي إقامة دولة ولاية الفقيه في العراق عبر حكاية تصدير الثورة إياها ومن ثم الإنطلاق من (كربلاء) لتحرير (القدس)..!! وهي إحدى النكات السوداوية المؤلمة في شرقنا المنكوب بأنظمته المتخلفة!!... فمن يدفع لمن يا شيخ رفسنجاني؟... فالعراق ليس حقلا لزراعة وتصدير الفستق الإيراني الشهير!!.

[email protected]