ظاهرة تستدعي الإنتباه، وتستحق الدراسة المتأنية من قبل المتخصصين في مناح عدة من حياة العربي، وهي : لماذا الغالبية العظمى من العمليات الإرهابية في العالم في السنوات العشرة الأخيرة من فعل عرب مسلمين؟؟. هل هذه صدفة؟؟. عندما تتكرر نفس المسألة مرات عديدة، وتجد من يشجعها و يصفق لها، ويرقص علنا في الشوارع إبتهاجا، كما حصل عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، ويطلق صيحات الفرح (اللهم سدّد رميهم) عبر العديد من صفحات الإنترنت عقب تفجيرات لندن الإرهابية قبل أيام قليلة. وعندما يتفاخر أسامة بن لادن وتنظيمه الإرهابي (القاعدة) بإرهاب الحادي عشر من سبتمبر، ويتبناه علنا في عدة أشرطة صوتية و مرئية، ويحتفل به علنا إرهابيون في قلب لندن، ويرفعون صور الإرهابيين الثمانية عشر على أنهم أبطال وإستشهاديون، صعدوا إلى الجنة...وعندما لا نجد بين كل هولاء الإرهابيين باكستانيا أو إندونيسيا أو ماليزيا أو أفغانيا أو نيجيريا أو سنغاليا، يصبح السؤال منطقيا و واقعيا : لماذا الإرهاب في غالبيته عربي إسلامي؟؟. أي لماذا لا يوجد من بين كل هؤلاء الإرهابيين عربي مسيحي؟؟. هذه المقالة تسعى إلى وضع عناوين فقط لدراسات يجب أن يقوم بها متخصصون في كافة مناحي الحياة العربية، لأنه لم يعد يفيد القول أن الإسلام بريء من هذه الأعمال الإرهابية، لأن السؤال يظل قائما، ما دام الإسلام بريء من تلك الأعمال، فلماذا يتواصل إرتكابها من قبل عرب مسلمين فقط، بحيث أصبحت صفة العربي المسلم تعني الإرهابي القاتل؟؟؟.
1. تراجع العلماء المتنورين و صعود الفقهاء الجهلة!
لوحظ في العقود الأربعة الماضية، حدوث خلل في الحياة العربية، نشأ من الكثرة الواضحة لدرجة الإزدحام في خريجي المعاهد والكليات الشرعية، التي يبلغ عددها في كافة الأقطار العربية عشرات أضعاف المعاهد والكليات التكنولوجية والعلمية، مما نتج عن ذلك فائض من الشباب الذي ألمّ بأساسيات الفقه الشرعي دون تمعن و فهم حقيقي، فتم التركيز السطحي على ما يثير غرائز وعواطف النسبة الغالبة من المسلمبن العرب حيث نسبة الأمية لا تقل عن خمسة و خمسين في المائة، هذه النسبة لا تعرف كتابة إسمها أو قراءته، وتلقت فروض الدين بالوراثة من أسرة جاهلة أيضا، فوقعت تحت وصاية فقهاء جهلة كل إمكانياتهم العلمية لا تتعدى (دشداشة قصيرة و لحية طويلة)، تركز على آيات معينة من القرآن، مثل : (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدّوا الوثاق) – سورة محمد، آية 4 -، و (وقتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) – سورة الأنفال، آية 39 -، و (واقتلوهم حيث وجدتموهم) – سورة النساء آية 89 -، و (جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم) – سورة المائدة آية 33 -، و (وقاتلوا المشركين كافة) – سورة التوبة أية 13)، ومثل هذه الأيات الكثير، يخرجونها من سياق زمانها و مكانها، ويحشدون الكثير من احاديث الرسول و وقائع التاريخ الإسلامي لتأييد رؤاهم الخاصة التي يقصدون إليها من وراء هذه الآيات، مثل حديث (لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه) . وفي موازاة ذلك يتم التركيز على آيات تضخ الإحساس بالتفوق والتعالي، رغم الجهل و الفقر والدونية السائدة، مثل آية (كنتم خير أمة اخرجت للناس) قافزين عن (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكرو تؤمنون بالله)، - سورة البقرة آية 11...إن هذا الضخّ اليومي للتفوق الكاذب، والعرب المسلمون اليوم في طليعة الشعوب المتخلفة، والتحريض على النصارى والكفار، لن ينتج عنه سوى هذه الأعمال الإرهابية من شباب جهلة كالشيوخ الأجهل الذين يستمعون إليهم ليلا و نهارا، هؤلاء الشيوخ الذين أصبحوا بسبب الفضائيات أشهر من الممثلين والممثلات..وإلا ماذا يعني هذا الإنقياد الأعمى كالمخدرين وراء أسامة بن لادن و الزرقاوي؟؟. لقد أصبح هذان الشخصان أكثر شهرة وتأثيرا في ملايين المسلمين العرب من شيخ الأزهر نفسه..وبالمقابل هناك كتيبة ضالة من الصحفيين والكتاب، لا يخجلون من إعلان إعجابهم بإبن لادن، ويصفونه بالشيخ والمجاهد!!. أصدر الجاهل المجرم الزرقاوي منذ إسبوع بيانه وفتواه حول تشكيله (لواء عمر)، لقتال المسلمين الشيعة، وسبق أن مارس إرهابه في المساجد والحسينيات الشيعية، وأماكن العزاء والفرح، ورغم ذلك لم يتحرك شيوخ السنة لدحض أقواله وقتاويه الإجرامية هذه، فماذا سينتج عنها من قبل هؤلاء الشباب الجهلة الذين يقضون في المساجد مع الشيوخ الجهلة جلّ وقتهم يحلمون بالجنة والحور العين وأنهار الخمر واللبن والعسل والولدان المخلدين؟. كما أنه علينا أن لا نستغرب هذا العنف العربي الإسلامي في ظل هذا الجهل والتوجيه الخاطىء اليومي في ما لايقل عن مائة ألف مسجد في الآقطار العربية، يتردد فيها يوميا على علاته دعاء (اللهم أنصرنا على النصارى والكفار والملحدين. اللهم دمّر أعداءك أعداء الدين. اللهم يتّم أطفالهم. اللهم رمّل نساءهم . اللهم هدّم بيوتهم...إلخ)، وهذا التوجيه الديني المضلل جعل العنف ضد مسيحيين عربا أمرا عاديا، كأحداث الإرهاب التي تشهدها مصر من حين إلى آخر ضد الأقباط المسيحيين وممتلكاتهم، حتى في الشارع الفلسطيني الذي ينبغي أن يكون مشغولا بتوجيه كل الطاقات ضد الإحتلال، تجد من يسأل صارخا : لماذا لا يوجد إنتحاري فلسطيني من المسيحيين الفلسطينيين، وعنف الحركات الإسلامية الفلسطينية ضد المجتمع الفلسطيني، لا يبشر إلا بصعود طالبان فلسطينية، تضع وصايتها على الأخلاق العامة للمجتمع بشكل أبشع من جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا العنف الداخلي، عندما تتاح له التطبيقات الخارجية، لن يتوانى عن تفجير كل ما يستطيع الوصول إليه.
2. المناهج التعليمية والحياة اليومية.
إن المناهج التعليمية السائدة تتكىء في الغالب على المقولات العنفية السابقة، إلى حد أنه في التطبيقات النحوية في الصفوف الإبتدائية والإعدادية في مختلف الأقطار العربية، في كتب القواعد والنحو، عند التطبيقات على الفاعل والمفعول، غالبا تجد الأمثلة التالية : (ضرب المدرس الطالب)، (هدم الرجل الحائط)، (قذف اللاعب الكرة)، (قتل الفدائي اليهودي)، (فجّر الشهيد نفسه)...، ومن المستحيل أن تجد أمثلة تقول : (ألقى الولد التحية على أمه)، أو (ساعد الرجل جاره) أو (نهى الرسول المسلم عن السرقة)...إلخ. وينسحب هذا العنف على الحياة اليومية الأسرية، فحتى هذه اللحظة نسبة عامة من الآباء إذا غضب من إبنه لسبب بسيط، يكون رد فعله (غور عن وجهي) أو (إبعد عني يا حيوان)، وفي أغلب الأحيان يسبق الكف على وجهه هذه الشتائم..وعنف الزوج ضد زوجته أمر يكاد يكون قاعدة يومية، حتى في الدول الأوربية التي لجأ إليها العرب المسلمون، فالنسبة العالية من زبائن مراكز العنف الأسري هن من النساء العربيات المسلمات، لأن الأزواج الجهلة سمعوا من فقهاء الجهل والظلام حديثين للرسول فقط، وهما : (والله لو كنت آمر أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) و (أيما إمرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة) والتحريض في الحديث (ما تركت من بعدي فتنة هي أضرّ على الرجال من النساء).... والتوجيه القائل (أنا وأخوي على إبن عمي، وأنا وإبن عمي على الغريب)، وهذا منتهى العنف والغطرسة، فإبن العم في لحظة هو (عدو)، وهذا إمتداد للغطرسة العربية الجاهلية (وما أنا إلا من غزية إن غزتْ غزوتُ.....)، وفي كل مراحل التعليم يلقن الطلبة قول المتنبي (السيف اصدق أنباءا من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب)،وإستهزاء المتنبي من ذوي البشرة السوداء الذين خلقهم الله تعالى هكذا (لا تشتري العبد إلا والعصا معه...إن العبيد لأنجاس مناكيد).... وهكذا فالحياة اليومية للعربي المسلم والبرامج التعليمية التي تربى عليها منذ الصغر، مناهج وحياة تغذي العنف والقتل، بدليل آلاف الفتيات والنساء اللواتي يقتلن سنويا من قبل إخوانهن وأزواجهن بحجة الشرف ومحو العار، والعديد منهن أثبت تشريح الجثة انهن كنّ عذراوات، أي أنهن قتلن بدافع الشبهة فقط، ولغسيل الشرف و محو العار.... إنها ثقافة (لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى...دون أن يراق على جوانبه الدم).. في حين أن هؤلاء الشباب والرجال يخافون من الخروج في مظاهرة إحتجاج ضد حاكم طاغية أراق دماء الآلآف من شعبهم، وبالعكس يخرجون جبنا وخوفا يهتفون بحياته (بالروح..بالدم..نفديك يا....).
3. دور الأنظمة القمعية المستبدة
لا يمكن إغفال دور الأنظمة العربية القمعية المستبدة في تغذية حالة العنف التي تسود أغلب أوجه الحياة العربية، فهي تصادر أبسط حقوق الإنسان العربي، مما حوّل حياته إلى جحيم لا يطاق، وبالتالي أصبحت حياته لا معنى لها، والموت أفضل منها، وسط هذه المعاناة وما يصاحبها من فقر مدقع، أصبح هذا المواطن من السهل أن يقع تحت تأثير فقهاء الجهل والظلام، فأن يموت صعودا إلى الجنة كما يوهموه، أفضل من حياة القمع والإستبداد والفقر والحاجة.
4. دور القوانين الإنسانية الأوربية
وهذا العامل لا داعي للتفصيل فيه، فقد كتبت فيه دراسة طويلة نشرت في إيلاف بعنوان (دور القانون الأوربي في تنامي ظاهرة الإرهاب)، يوم السادس من حزيران الماضي، ركزت على القوانين الأوربية ذات الطابع الإنساني التي من خلالها لجأ عشرات الآلآف من العرب المسلمين إلى بريطانيا تحديدا، ويدعو بعض قادتهم للإرهاب علنا من قلب لندن، وإقامة الخلافة الإسلامية، وإرسال العشرات من الشباب للخارج للتدريب وجلب السلاح، ويكفي ظاهرة المدعو أبو حمزة المصري، المودع في السجن الآن، والعشرات من حزب التحرير والسلفيين السعوديين وغيرهم، ومالم تتغير هذه القوانين، ستظل أبوابا مشرعة لوصول العديد من الإرهابيين، يعيشون على حساب دافع الضرائب الأوربي، ويعششون ليلا ونهارا في المساجد، يستمعون لفقهاء الجهل والظلام، وينقضون على من أجارهم في اللحظة المواتية، كما حصل في لندن.
هذه هي الصورة المعاشة شئنا أم أبينا، رضينا أم غضبنا، فالإرهاب العالمي في العقدين الماضيين، أصبح عربيا إسلاميا، ومن لا تعجبه هذه الحالة، فليفكر في التصدي لها ومعالجتها، بدلا من توزيع الإتهامات وإلقاء اللوم على مشجب الآخرين.
كاتب المقال، أكاديمي فلسطيني مقيم في أوسلو
التعليقات