لماذا القمني دون غيره؟
هذا سؤال كان من المفروض أن يسأله الكتاب العرب، الذين تناولوا "القنبلة" التي فجرها القمني. وهي قنبلة دخان مسيلة للعواطف، ومثيرة للغرائز في رأيي لا معنى لها، غير الإثارة فقط. وقد استطاع القمني أن يثير الغرائز ويستدر العواطف العربية السهلة الإثارة والاستدرار. فرأينا وقرأنا كيف قامت القبائل العربية من كل حدب وصوب تدافع عن "المفكر العظيم" و"قنبلة" الدخان الهائلة التي فجرها بيانه. وقام ما يُطلق عليهم الشيخ أحمد صبحي منصور "قطّاع طرق الإعلام العربي" بالتصفيق من جانب وبالتصفير من جانب آخر للتوبة أو الردة القمنية. وكأن العرب ما زالوا حتى الآن بحاجة إلى مزيد من قنابل الدخان، لكي يُعمى بصرهم وبصيرتهم أكثر فأكثر.
فهل أراد القمني من وراء هذه المسرحية - كما وصفها منتصر الزيات الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية - استدرار العطف وهو المريض المصاب بمرض خطير في رأسه منذ عشر سنوات (يقول البعض بأنه مصاب بسرطان المخ)؟ كما أن ظروفه المالية أصبحت صعبة للغاية. كما أن خبراء في شؤون الجماعات الإسلامية، وصموا تصريحات القمني بـ"الفبركة" متهمين إياه بالسعي للارتزاق والتسول. وقال الدكتور كمال حبيب القيادي السابق في "جماعة الجهاد" المصرية، إن ما ذكره القمني لا يعدو أن يكون "دجلاً ونصباً ومحاولة للتسول والارتزاق من بعض الجهات القبطية والعلمانية في مصر التي تقدم له الدعم". ولفت إلى أنه لا يوجد تنظيم باسم "الجهاد" في مصر منذ 1998 ، حيث أضحى هذا التنظيم معروفاً باسم "قاعدة الجهاد" بزعامة أيمن الظواهري، فيما أوقف تنظيم "الجهـاد" عملياته منذ 1995. وقال حبيب إن "القاعدة" لم تستهدف من قبل كاتباً، كما أنها لم تبعث تهديدات بواسطة البريد الالكتروني لمثقفين، و"هذا ليس عمل "القاعدة". وقال منتصر الزيات الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية أن "جماعة الجهاد" لا يعرفها إلا سيد القمني وحده! وقلل الزيات من شأن تصريحات القمني موضحاً بأنه يسعى للفت الانتباه إليه. وقال: "القمني كاتب ساخر يستغل قدراته الفكاهية في الترويج ولفت الانتباه". (العربية . نت، 16/7/2005).
ويقول أصدقاء القمني الذين عرفوه وخبروه في القاهرة منذ التسعينات، أنه كان في حياته يسعى لإثارة الدخان والغبار من حوله دائماً. وقد نجح في هذه المرة الأخيرة في اثارة الدخان من حوله. فالصحافة العربية والفضائيات العربية بدأت تتحدث عن "التوبة" أو "الردة" القمنية. وأصاب القمني ما كان يسعى إليه. علماً بأن كل الليبراليين مرتدون. ولكنهم مرتدون عن ايديولوجية الإرهابيين، ودين الإرهابيين، وقيم الإرهابيين، وبصمت، وبدون زوابع أو "قنابل" مدوية.

الإجابة على السؤال الكبير

هل حقاً يريد الأصوليون قتل القمني، ولماذا؟
ولماذا لم يحاولوا قتل من هو أخطر عليهم وأحق بالقتل في رأيهم، وهو كاشفهم، وخابرهم، وكاشف أسراراهم، وعليم علومهم، ودارس تاريخهم، وهو الشيخ الأزهري الطليعي والحداثي أحمد صبحي منصور مثلاً، الذي يهاجم الأصولية الإرهابية من داخل الإسلام وليس من خارجه، ويمثل المسمار الغليظ في خاصرة الأصولية الإرهابية؟
لماذا لم يحاولوا قتل الشيخ خليل عبد الكريم صاحب الكتب التاريخية الفضائحية الإسلامية الذي لم يدع ستراً على الصحابة وغير الصحابة إلا وهتكه. ومنع الأزهر معظم كتبه؟
إن خطورة أي مفكر ليبرالي على الحركات الأصولية الإرهابية، تكمن في مدى عداء المفكر لفكر ابن تيمية، أو فكر الوهابية، أو فكر أحمد ابن حنبل، والذي يشكل لبَّ ولباب الفكر الأصولي الإرهابي الآن الغير قابل للنقاش والنقد من وجهة نظر الجماعات الأصولية الإرهابية. ولذا فإن هذه الجماعات تهاجم من خلال هذا الفكر المتطرف كل المؤسسات الوسطية الدينية المعتدلة والدول التي تدعمها. والقمني لم يكن من منتقدي هذا الفكر فيما كتب وفيما قرأنا له، لأنه لم يكن ينتقد فكر الحركات الأصولية الإرهابية من داخل الإسلام كما يفعل الآن مثلاً أحمد صبحي منصور وجمال البنا وغيرهما وكما فعل خالد محمد خالد وخليل عبد الكريم ومحمد شحرور وغيرهم، وانما انتقده في بعض الأحيان من خارج الإسلام حيث لا خطورة ولا ضرر.
ومن هنا كان نقد القمني لفكر الأصوليين الإرهابيين من باب الكراهية لهم وليس من باب ايجاد البديل من داخل الإسلام نفسه. كما أن كل ما قاله وما كتبه يوجب كراهية الأصوليين الإرهابيين له، ولكنه لا يوجب القتل.
الباحث المتخصص الذي يقرأ كتب القمني : "موسى وأخر أيام تل العمارنة"، "الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية"، "النبي إبراهيم والتاريخ المجهول"،"ربُّ الزمان"، "حروب دولة الرسول"، وأخيراً "شكراً ابن لادن"، يلاحظ بأن ثقافة القمني الإسلامية سطحية إلى حد كبير على عكس فرج فودة مثلاً. كما يلاحظ الباحث المتخصص أن القمني لم يقدم من خلال كتبه ومقالاته فكراً يشكل خطراً على "القاعدة"، أو على أية جماعة دينية متطرفة، يستحق معه صاحبه أن يقتل، أو أن يهدد بالقتل.
فكافة طروحات القمني الفكرية لا تستدعي أن يقتل دونها صاحبها. بل على العكس. فإن هجوم القمني على دول الخليج كان يُسعد "القاعدة" والجماعات الأصولية الأخرى. وأن هجومه على الإخوان المسلمين وعراكه مع سعد الدين ابراهيم، كان يُسعد "القاعدة" أيضاً والجماعات الأصولية الأخرى. وكما قلنا فإن كتابات الإسلاميين التنويريين من أمثال أحمد صبحي منصور وخليل عبد الكريم وجمال البنا وغيرهم أكثر خطورة على الحركات الأصولية الإرهابية من أفكار القمني، ولهذا كانوا وما زالوا مهددين حقيقةً من قبل الجماعات الأصولية الإرهابية، إلا أنهم لم يثيروا حولهم غباراً أو دخاناً ، ولم يلقوا "قنابل" مستدرة للعواطف، ومثيرة للغرائز كما فعل المسرحي الهزلي القمني على حد تعبير منتصر الزيات.

لوم اللائمين
لقد انصب لوم اللائمين على من هاجموا ردة أو توبة القمني على الناحية الإنسانية في هذه المسرحية. بمعنى أن مرض الرجل، وافلاسه المالي، وحالته النفسية الصعبة، ومسؤوليته تجاه عائلته وأطفاله تبرر له هذه الردة أو هذه التوبة.

هذا صحيح.
ولكن القمني أيها السادة ليس بائعاً جوالاً، وليس صاحب مخبز أو بقالة، كما أنه ليس مزارعاً عاملاً أو من عامة الناس. إنه صاحب فكر. وهذا الفكر ليس مُلكه لكي يتخلّى عنه، ولكنه مُلك لقرائه. أنه مُلك لحقبة من التاريخ. وهذا الفكر ليس نقداً ولا متاعاً ولا عقاراً لكي يتنازل عنه القمني متى شاء بعد أن صدّقه المصدقون، وزفّه الراقصون. والقمني يعلم تمام العلم، عندما بدأ يكتب، ويخطَّ أول حرف من كتبه ومقالاته، بأن لا جزاء حسناً في العالم العربي لما سوف يكتب، شأنه شأن كل الليبراليين في العالم العربي. وأن جزاءه سيكون كجزاء من سبقوه، ومن عاصروه، من المفكرين الليبراليين.

[email protected]