فقدت الأمة العربية الإسلامية برحيل الملك فهد بن عبدالعزيز طيب الله ثراه قائداً فذاً قلما جاد الزمان بمثله، فقد كان الراحل في عطائه، وسياسته الحكيمة، وفي قدرته على مواجهة التحديات مثلاً أعلى ومثالاً ناصعاً على القائد الفذ حين تجتمع فيه الشجاعة في أروع صورها، والأمانة والتقى والحزم والعزم في أنصع أشكالها. لقد جسدت مآثر الراحل الكبير أعز قيم الأصالة العربية، وأعمق صور الوفاء والولاء لشعبه ووطنه. ولا يعد المصاب في الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله مصاباً خاصاً بشعب المملكة العربية السعودية وحده بل هو مصاب لكل العرب والمسلمين، وكيف لا وهو من أفنى حياته في خدمة قضايا العرب، وفي مد يد العون للأخ والشقيق. وكيف لا وهو من تخلى عن الصفة البروتوكولية "جلالة الملك" وتشرف بلقب أرفع وأنقى وأسمى من ذلك هو "خادم الحرمين الشريفين"، وكان لهما خادماً حقاً طيلة حياته كما كان خادماً للقرآن الكريم الذي أنشأ مجمعاً لنشره وطباعته في أجمل وأبهى صورة، ولتوزيعه على المسلمين في كل مكان. كما اقتسم الراحل الكبير ما حبى الله به المملكة العربية السعودية من خيرات ونعم وأموال مع إخوانه المسلمين في كل مكان، فعجل بالغوث عند المصائب، وفك أسر العاني، وأنشأ المستشفيات، وبنى المدارس، وكفل الأرمل واليتامى في العالم الإسلامي. وكان نعم الأخ ونعم الشقيق في أوقات الضيق دون من أو أذى، ودون ضجيج، وحتى دون تغطية إعلامية، في أحيان كثيرة.
لقد ترجل الملك فهد بعد أن أدى الأمانة التاريخية على أكمل وجه، وأنصع صورة، وخدم شعبه في مجالات كثيرة منذ كان وزيرا للتعليم، وها هو الآن يسلم لواء البناء والتعمير في السعودية إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي أثبت على مر السنوات الماضية أنه خير خلف لخير سلف. ولا نقول في وداع خادم الحرمين الشريفين رحمه الله إلا ما قال الشاعر العربي:

إذا ذكر التاريخ أبطال أمة يقوم لذكراك الزمان ويسجد
وإن تذكر الدنيا زعيماً مخلَّداً فإنك في الدنيا الزعيم المخلد.

كاتب الكلمة قاص وصحافي موريتاني