حتى المخالفين للسياسات السعودية والضاغطين من اجل مزيد من الاصلاحات، اعترفوا بان النظام الذى اسسه المغفور له الملك عبد العزيز بن سعود لتداول السلطة سليما كان مبهرا سواء خلال فترة مرض المغفور له فهد بن عبد العزيز خادم الحرمين الشرفين او بعد اعلان وفاته رسميا.. كان مبهرا وساميا فوق كل التعليقات التى تناولت الاوضاع السعودية على مستوى الاسرة الحاكمة اختلافا واتفاقا، تلك التى لم يسلم منها امير ولم تترك شئنا الا وتعرضت له بأقوال وتحليلات كان آخرها مبررات وخفايا إستقالة الامير بندر بن سلطان سفير المملكة فى واشنطن..
من المؤكد ان بعض التحليلات يقترب من الحقيقة ويلمس الواقع السعودى، لكن الغالبية العظمى منها ترتكز اما على رؤية غير موضوعية بعيده عن البيئة السعودية بكل مشتملاتها المستترة والعلنية واما على أحقاد وضغائن تنتهز اى فرصه لتصفية حسابات لا يعلم الا الله مدى مصداقيتها وشفافيتها..
ومن المؤكد ايضا ان الدولة السعودية كنظام قائم له مقوماته ومصادر قوته ونقاط ضعفه مثله فى ذلك مثل اصغر الدول وأكبرها بل وأعتاها، له حساباته الداخلية والخارجية وله توازناته المحلية والاقليمية.. هو ليس نظاما متقوقعا على نفسه منغلق على ذاته، ولكنه نظام منفتح على الجميع وعلى علاقة بكل الاطراف المتداخله فى ساحته القريبة والبعيده.. نظام ينظر الى المستقبل ويتطلع الى الغد الذى يخفظ له امن شعبه وطمأنينة ابنائه ومشروعية التحديث التى تتوائم مع ظروفه التاريخية وبيئته الثقافيه ومقوماته الاجتماعية..
هذا النظام بكل مشتملاته كما نراه اليوم من إمتداد طبيعى متطور لما أرسته ققم النظام السعودى وحكوماتها منذ عام 1932 والى يومنا هذا.. لكل واحد منهم نصيب فى الارساء والتطوير وتعميق الاستقرار، ويمكن القول ان هذا الامتداد شهد تحديثا متعمقا ومتأنيا فى نفس الوقت على يد فهد بن عبد العزير..
وقد ساعده على ذلك توليه المسئولية التنفيذية مبكرا عندما اختاره والده عام 1953 لإدارة شئون وزارة المعارف التى كانت منشأة حديثا بما بتفق وسياسات المملكة فى ذلك الحين، فلم يبخل عليها باى جهد طوال خمس سنوات بل يمكن القول انه كان اول من دعى بشدة لتعليم الفتيات.. وعندما عين عام 1963 نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للداخلية زاد تحمله للمسئولية وظهرت ملامح اقتناعه بالتطوير والتحديث بما يتفق وظروف المملكة الاجتماعيه والثقافية.. ومنذ اختاره الملك خالد وليا للعهد شارك فى تسيير شئون المملكه عن كثب..
ويمكن القول ان فترة توليه الحكم عام 1982 شهدت اكثر فترات التاريخ السعودى صعوبة وتعقيدا ومن ثم بذل الكثير من الجهد لتدعيم ليس فقط قواعد الاستقرار وانما السعى لتشجيع اجواء الازدهار ايضا.. فالى جانب تعزيز دور بلاده على الصعيدين العربى والعالمى وتوثيق علاقتها بالغرب، تصدى لمواجهة المصاعب الاقتصادية التى ترتبت على انخفاض اسعار النفط سواء كانت مصاعب تعرضت لها مشاريع التنمية او وقفت عقبة فى طريق مواصلة الخدمات الصحية والتعليمية لابناء المجتمع حتى لا يتعرض الوضع الداخلى لهزات هو فى غنى عنها..
لقد اجتازت المملكة فى عهده طريقا طويلا نحو التحول الى ميادين التصنيع والتجارة، بعد ان كانت تركز جل مجهودها فى النفط فقط.. وتشهد على ذلك امتلاك السعودية لبنية تحتيه متمايزة وقابلة للتطوير والنماء اضافة الى المشاريع الصناعية الكبرى المتكامله فى منطقتى الجبيل وينبع التى أصبح انتاجها يغطى احتياجات السوق المحلى ويصدر فائضة الى دول مجلس التعاون والعديد من الدول العربية والاسلامية..
كما طبقت فى عهده سياسة "سعودة الوظائف" التى كانت تهدف الى إحداث خفض متواصل ومتدرج لاعتماد المملكة على الخبرات فى العديد من الوظائف والمهن وما تتطلبه ذلك من احداث تطوير مستمر فى مجال التعليم الاساسى والمتوسط والجامعى وحقول التدريب الفنى والمهنى وبرامج تعزيز واكساب المهارات..
استجاب الملك فهد للمتغيرات الاقليمية التى اثرت سلبا وايجابا على المملكة فى حدود التدرج والتأنى المناسب لظروفها وتركيبتها الثقافية والاجتماعية والدينية، ولا يمكن ان نتصور – كما يدعى البعض ويتخيل - ان هذا المجتمع الذى لا زال يعيش انعاكاسات بلده الصحراوية وظروفه القبلية سوف يفتح ذراعيه للتحول وفق المتغيرات التى يطالب بها الغرب مرة واحده.. كل المجتمعات العربية وخصوصا الخليجية لا يمكن ان تستوعب هذه المتغيرات الا بعد ان تتعايش مع ثقافتها ردحا من الزمان.. وثقافتها تعنى كافة مناحى الحياة واولها التعليم والاعلام والمعاملات اليوميه التى يتبادلها افراد المجتمع والتى تؤثر فيهم كشعب وكأدوات تنفيذية تربط بينهم وبين حكومتهم..
وكل ذلك لا يطبق علميا وفى ضوء تجارب الشعوب الاخرى بين يوم وليلة، ولتسأل دول الديموقراطيات الغربية العريقه نفسها.. كم من السنوات مضت قبل ان تتبلور تجربتها فى الحكم الى مستوى الشكل الذى اتفقت عليه اطراف مجتمعها منذ عدة عقود.. وماذا مر بها من تحولات وتعديلات كان لا بد منها لكى تواكب التغيرات المحلية والاقليمية.. كم عاشت من خلافات عاصفة كادت ان تأخذ نجاحاتها الى الهاوية.. كم من المرات اقتربت تياراتها واحزابها من الصدام فيما بينها الى درجة التلويح بحمل السلاح فى مواجهة الآخر..
كلنا ثقة ان ساسية التدرج والتأنى سوف تتواصل فى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله وولى عهده الامير سلطان استكمالا لمسيرة الملك الراحل فهد، فكلاهما كان الاقرب الى فكره وكلاهما كان له دور فى صياغة القرار..

استشارى اعلامى مقيم فى بريطانيا
[email protected]