ما من شك أن الحملة الدولية على الإرهاب لم تكن بالمستوى الذي يقضي على منابعه وأصوله، ولاهي بالمستوى الذي يقضي عليه ويحمي الناس من شروره، وأن الوقفة الدولية لاتخرج الا عن دائرة الأستنكار والشجب الدوليين، وما يحدث في عدة مناطق بالعالم يشير الى قدرات عسكرية متنامية لقوات الإرهاب الدولي، ولا يمكن ان يتم هذا النمو بعيدا عن معرفة القوى الكبرى في العالم، بالإضافة الى تمكن هذه القوى الأنتقال والتغلغل في المجتمعات الأوربية بطرق باتت معروفة.
ويقينا ان المواقف السياسية ومواقف الأستنكار والشجب لاتستطيع وحدها حماية المواطن من الإرهاب، كما لا توقف مجرى الدم البشري والموت الذي أصبح هدفاً لهذه التنظيمات المتطرفة، والتي لاتعرف غير القتل والتخريب والتفجير وأيقاع الخسائر بين اكبر عدد ممكن من الناس، بغض النظر عن اديانهم وقومياتهم وجنسياتهم وافكارهم بل وحتى اجناسهم واعمارهم.
ولكون هذه التنظيمات الإرهابية استغلت الحماية التي وفرتها لها الدول الأوربية التي اعتقدت انها تقوم بتطبيق حقوق الأنسان في حماية الأعتقادات الدينية لمثل هذه الجماعات، فوفرت لها فرصة الأقامة واللجوء والتجنس والأندساس وسط مجتمعاتها لتمارس حريتها.
غير ان هذه الدول الأوربية تناست أن لائحة حقوق الأنسان تنطبق على البشر الأسوياء، وليس على من يوظف جسده النتن لقتل الأبرياء حيث يخرج عن دائرة البشر الاسوياء ، وأن هذه الدول فهمت انها بتوفير الحماية القانونية لهذه الجماعات انما تحمي الحقوق الإنسانية التي تكفلها قوانينها، متناسية أن هذه النماذج لاتفهم معنى الحياة الا بالموت، ولاتفهم معنى الحرية الا بالخراب وكما فات عليها ان تتفهم هذه العقليات التي حصرت فكرها في حقيبة المتفجرات التي تقتل الأبرياء وسط الأسواق وباصات المترو والقطارات، اعتقاداً قاصراً منها ومن عقول قياداتها أن مثل هذة الأفعال الخسيسة والجبانة، انما ستنصرها على أنظمة الدول الأوربية التي وفرت لأعضائها لقمة العيش والكرامة والجنسية ورعت اطفالها وعوائلها، بعد ان فرت مذعورة من بلدانها لاتلتفت الى الخلف حيث لم تكن لها ادنى قيمة.
حقاً أن الحملة الدولية لم تكن بالمستوى الذي يوازي الخطورة الأجرامية لمثل تلك المجموعات، والتي توفر لها المال والسلاح والدول التي تتعاطف معها وتوفر لها السبل الكفيلة بأيصال صوتها وافكارها البعيدة عن العقل الإنساني، والداعية بفخر ارتكابها الجرائم الإنسانية.
وبالرغم من النداء الدولي والأجماع الداعم لمحاربة الإرهاب، فلم تزل دول عديدة وتحت أغطية مختلفة توفر هذا الدعم للتنظيمات الإرهابية بزعم انها تنظيمات اسلامية، وانها تعبر عن تطرفها بوسائلها الخاصة، غير انها تشترك معها في ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية حين تسمح لها أن توظف قنواتها الفضائية لتمرير خطابات المعتوهين من قادتها المتلبسين بالفكر الأجرامي والغاطسين حتى آذانهم بالجرائم الإنسانية، اعتقاداً منهم انهم سينتصرون على الإنسانية ليصيروا خلفاء وأمراء وملوك وأباطره يحكمون وفق مزاجهم وهواهم ودينهم ومذهبهم الجديد.
وأذ وقعت اوربا تحت مطرقة الإرهاب في جرائم راح ضحيتها أناس ابرياء جريمتهم ان دولهم منحت القاتلين الغطاء والمبرر والسبب الذي يجعلهم يقيمون فوق اراضيها، سواء كمتجنسين او مقيمين بشكل شرعي أو غير شرعي، وبعد ان ثبت لهذه الدول غباء التنظيمات الإرهابية، وعدم تفريقها بين السلطات والمواطنين، وبين الجيوش والأبرياء العزل والفقراء العاملين من الناس، وبين الفعل السياسي والقتل، لجأت الى اعتقال عدد من عناصر هذه الأوكار لتقدمهم الى المحاكمة.
ومع هذا الأمر زاد من اعتقاد اعضاء هذه الشبكات أن الحس الأنساني لدى هذه الدول لم يزل يوفر لها الحماية ويتعامل معها بانسانية واضحة، ولا يمكن ان يسحب منها الغطاء الذي وفرها لها.
وثبت بما لايختلف عليه احد، ان عناصر هذه الشبكات الإرهابية ممن وفرت لهم الدول الأوربية الغذاء والأمان والسكن والكرامة، برهنوا على خسة عقولهم وتنكرهم للجميل وبروز جراثيم الجنوح نحو الجريمة في عقول اعضائها، حيث لجأ عدد منهم الى تفجير جسده النتن بقطارات المترو و بالباصات التي تحمل الفقراء من الناس انتقاما من الإنسانية، ودليلاً على الأنحطاط الفكري والديني والأخلاقي الذي تعتقده هذه العناصر.
و يشار إلى أن إجراءات متشددة اعلن عنها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير وذلك في إطار خطط حكومته لمواجهة الإرهاب، منها التفات الحكومة البريطانية الى خطورة التحريض الذي يمارسه بعض في بريطانيا على الإرهاب، وهذا التحريض يتناسب فعليا مع الفعل الجرمي وتصل عقوبته الى نفس المستوى في عقوبة الفعل الاصلي، والتحريض على الإرهاب والقتل يتخذ اشكال عديدة منها التحريض بالكتابة أو بالخطابة أو بتمجيد الفعل الأجرامي أو حث السذج على ممارسة هذه الجرائم، واستغلال الواهمين والحالمين بتصوير هذه العمليات الإجرامية أفعال جهادية، كما تفعل صحيفة عربية خاوية تصدر في لندن مدعومة من جهات اسرائيلية ، والدور الخطير الذي يقوم به رئيس تحريرها الذي يؤيد الافعال الاجرامية التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية من خلال تمجيده بابن لادن وتبريره الجرائم التي ترتكبها عصابات الإرهاب في اوربا، مع انه يحتمي بأوربا ويعيش في لندن ويحمل الجنسية البريطانية، مما يشكل خطورة كبيرة على المجتمع البريطاني.
أن قيام الحكومة البريطانية بسحب الجنسية من المحرضين على الإرهاب يجعل من هذه المواجهة تأخذ مسارها الطبيعي والحقيقي، فسحب الغطاء القانوني عن هذه النماذج سيجعلها تتقافز كالفئران لاتعرف اين تلوذ، بعد ان تحاصرها القوانين وتلاحقها العدالة؟
يقينا ان البلدان التي جاءوا منها لن تكون لهم موضع ترحيب، كما لايمكن ان يلقوا الحماية القانونية لأفعالهم وتحريضهم، ولهذا سيلجأ العديد منهم الى الفرار والأختباء ( وهي سنة أقدم عليها الرئيس البائد قبلهم)، وسيتلون العديد منهم يغيرون جلودهم ويمسحون كتاباتهم التي يحرضون بها على قتل الأبرياء، اعتقاداً منهم انهم يستطيعوا التخلص، ولكن العدالة والقانون في بريطانيا بدأ في تطبيقاته السليمة حماية لأرواح الناس وحماية للقوانين الإنسانية التي استغلتها هذه الشراذم.
أن القاء القبض على المحرضين لايقل اهمية عن القبض على الفاعلين، وعلى المجتمع الدولي والمنظمة الدولية الالتفات الى الدور التخريبي والأجرامي الذي تقوم به بعض الفضائيات العربية التي سيطرت عليها عقليات موالية للتنظيمات الإرهابية ومتعاطفة معها، وسخرت إمكانياتها لخدمة الإرهاب، واصبحت مجموعات تحمل الفكر الإرهابي تسيطر على أكثر البرامج الموجهة للذهن العربي، الخاوي والبائس والمنهزم، لتزيده خواءاً وتوغل في ابقاءه منهزما والمساهمة في جعله يعيش في الأحلام غير الحقيقية بانتظار القائد والمخلص والفارس الذي لا يجيء.
وأذا كانت لبريطانيا التي اوجعها الإرهاب وأستباح حرمة اهلها وقوانينها، وداس بقدمه العفنه على كرامتها، ان تقدم على حقها المشروع في الدفاع عن شعبها وأراضيها وقوانينها، في سحب الجنسية ورخصة الأقامة عن المحرضين على الإرهاب، نرى لزاماً على المنظمة ألدولية أن تدرك اهمية هذا القرار، وان يصار الى الأحتذاء ببريطانيا من باقي الدول الأوربية التي يعشش فيها الفكر الإرهابي والمتطرف، والذي ينخر جسد مدنها الآمنة والجميلة ليحيل حياتها الى جحيم وجرائم يندىلها جبين البشر.
التحريض واضح وصريح وموجود في السويد والمانيا والدنمارك وأستراليا وهولندا ويتخذ اغطية مموهة غير انها بالية ومكشوفة، وما ان تتخذ هذه الدول قراراتها المتطابقة مع العدالة الإنسانية فأنها تحصن بلدانها وتحمي شعوبها من الخطر الكامن بين ظهرها، ومن طبيعة هذه التنظيمات والمحرضين على الإرهاب الغدر، فقد جبلوا على كل الصفاتالغادرة والجبانة والخسيسة، وسوف لن يتوانوا في سلوك أخس السبل والرديء من الوسائل في سبيل ايقاع الأذى بالناس، ليس بقصد اسقاط الأنظمة السياسية في اوربا، وليس بقصد اجبار الأوربيين على اعتناق مذهبها وأفكارها، وانما بقصد الإثبات للعالم خسة عقلية الإرهاب ودنائته وعقم تفكيره وتردي سلوكه، مما يوجب ان تكون وقفة دولية تتناسب مع الخطورة الأجرامية التي يشكلها التحريض على الإرهاب ايا كانت اشكاله.