وكل من له نبى يصلى عليه
ولدت ونشأت فى أحد الأحياء الشعبية القديمة فى القاهرة، وكنا نسكن بالقرب من العديد من أضرحة الأولياء وآل البيت مثل السيدة زينب.. وسيدنا الحسين.. وسيدى حسن الأنور وسيدى زين العابدين، وكنت أستمتع بحضور موالد آل البيت وخاصة مولد السيدة زينب، وما زلت أذكر أنه فى طريق عودتى من مدرستى بشارع المبتديان بالسيدة زينب كان لابد أن أمر على مسجد السيدة زينب ومسجد سيدى زين العابدين.
وأثناء مولد السيدة زينب والذى كان يتخذ شكل الإحتفال الشعبى الجميل الملئ ببهجة العيد حيث المراجيح والحاوى بألعابه السحرية والنصابين الذين يبيعون الوهم فى زجاجة صغيرة مملؤة بماء بملح، ويدعى بائعها بأنها تشفى من كل الأمراض، إلى لاعبى الثلاث ورقات، إلى الدروايش الذين أفنوا حياتهم فى خدمة السيدة زينب (بنت بنت النبى) (كرامة ياست... وشئ لله ياست) وكان أفضل العروض فى المولد هو السيرك، وكان سيركا بدائيا ولكن كان بالنسبة لى وأنا فى سن الطفولة أعظم سيرك فى العالم، ومازلت أذكر الدعاية التى كان يقوم بها وزير إعلام السيرك أمام السرادق المتواضع فى حارة السد أثناء المولد، كان يقول مانصه :
"عيسى نبى.. موسى نبى.. محمد نبى، وكل من له نبى يصلى عليه، عليه الصلاة والسلام، التذكرة للعبة دى يا حضرات كانت فى معرض دمشق الدولى بإثنين ليرة، وكرامة للست (السيدة زينب)، خليناها بتسعة مليم للكبير وخمسة مليم للصغير... قرب.... قرب... وسع طريق للى خارج ياجدع"!! (كان هذا فى أعقاب فشل الوحدة بين مصر وسوريا لذلك كان يدعى مقدم برنامج السيرك أن اللعبة كانت معروضة فى دمشق قبل أن تأتى للسيدة زينب)!!
وكان يقول هذا الإعلان الجيد التصميم والإخراج كما أحسن إعلان تليفزيونى، المهم أنه عندما كان يهتف ويقول بطريقة ممطوطة :"وسع طــــــــــــريق للى خارج يا جدع" كان يريد الإيحاء بأن هناك زحاما شديدا وأن هناك ناس داخلة تزاحم الناس الخارجة من السرادق و كنت أنظر إلى باب السرادق لرؤية هذا الزحام فلم أكن أجد أى داخل ولا أى خارج، ولكنه فن الإعلان والدعاية.
وأجمل ماكان يعجبنى هو قوله: "عيسى نبى.. موسى نبى.. محمد نبى..وكل من له نبى يصلى عليه" كلام شعبى وبسيط يعبر عن أجمل تسامح دينى كنا نعيشه: "و كل من له نبى يصلى عليه"، إيه الجمال ده كله! ولمن يريد أن يعيش الجو الذى عشته فى مولد السيدة زينب فعليه بمشاهدة أو قراءة أوبريت: "الليلة الكبيرة" للفنان المبدع صلاح جاهين إبن السيدة زينب، والليلة الكبيرة كانت الليلة الختامية لمولد السيدة زينب والذى كان يستمر عدة أيام لا أذكر عددها الآن.
ولمن لا يعرف فقد كانت مصر تتبع المذهب الشيعى أيام الفاطميين ومن المعروف أن حكم الفاطميين كان من أزهى وأجمل عصور الحكم الإسلامى التى مرت بها مصر، ومازالت موجودة حتى اليوم مظاهر الإحتفالات الدينية الشيعية المتوارثة عن حقبة الفاطميين، والمصريون بطبيعتهم شعب يحب الحياة والفرفشة، وأيان العز كانت الحياة فى مصر دائما سلسة وهنية، مياه موجودة فى نهر النيل والحمد لله، لقمة من هنا، على نكتة من هنا، على نومة هانئة فى ظلال شجرة جميز على الترعة ساعة العصارى بالدنيا وما فيها، ولم يعانى المصريون شظف العيش وقسوة الحياة ونكد الحياة وسوداويتها إلا مؤخرا على أيدى القومجية والمتأسلمين والأفاقين، وأنا واثق أن طبيعة الشعب التى تكونت على مر آلاف السنين لا بد وأن تعود، ويعود كل من له نبى يصلى عليه.
وسوف نأخذ من سيرة موسى عليه السلام كيف إستخدم القوة والسحر أمام الطغاة، ونأخذ من سيرة عيسى عليه السلام الأعزل من أى سلاح كيف أنتصر على طغاة الرومان بالمحبة والمغفرة والتسامح، ونأخذ عن محمد عليه الصلاة والسلام كيف إنتصر على طغاة مكة بالهجرة والعدالة والمساواة بين البشر والقبائل والحنكة السياسية ثم سامحهم بعد أن عاد منتصرا من هجرته، وسبق أبراهام لنكولن (محرر العبيد فى أمريكا) بتحرير العبيد فى مكة بألف وثلاثمائة عام.
أنا لست واعظا دينيا ولا أدعى المشيخة أو المقدرة على إصدار الفتاوى والأحكام، ولكن كان من أوائل الدروس التى تعلمتها وأنا طفل ألعب فى حوارى السيدة زينب هو أنه:
"عيسى نبى.. موسى نبى.. محمد نبى، وكل من له نبى يصلى عليه"
ووسع ياجدع طريق للى "قارئ" وطريق للى "فاهم"!!















التعليقات