بين فاصلتين، هكذا يكون الموجه الذي يتوقف لدرس الحالة التي تحكم العلاقة القائمة بين الإسلام والغرب. فاصلة السقوط للنظام السوفيتي وبداية ظهور النظام العالمي الجديد، والذي تم التنظير له في نهاية التاريخ وصدام الحضارات .والأخرى التي تمثلت في الحادث السبتمبري. وما أفرزته من بروز حالة التصعيد للمواجهة العسكرية المباشرة، من قبل الغرب والولايات المتحدة تحديدا باعتبار ما تعرضت له من مساس مباشر لأمنها القومي وجرح لكبريائها، الذي راح يذكرها بهجمات اليابانيين في بيرل هاربر إبان الحرب العالمية الثانية. وإذا كان الحديث عن الفواصل الحدثية والطابع المباشر الذي راحت تتبدى عليه في تحديد طبيعة الموجهات، فإن السؤال الأهم هنا يبقى يدور في طبيعة الاستباق الذي تبدت عليه المؤسسة التنظيرية الأمريكية حول النهاية والمواجهة والصدام، بين الغرب كمكون ثقافي له سياقاته الخاصة، والإسلام تحديدا، ذلك الذي تم ترصده وبمباشرة لافتة في أعقاب تداعي وسقوط الغريم القديم (الشيوعية) حتى ليكون التساؤل هل الغرب مغرم بالبحث عن عدو؟ كي يتسنى له الاستمرار والبقاء، أم أن الأمر يتعلق بطبيعة البحث الدائب والمستمر الذي لايعرف القرار، حول توزيع مكامن القوة والتأثير على مستوى العالم من دون التفكير، بنقطة جذب أو محاولة لاستدعاء عداواة قديمة والحرص على تجديدها، هذا بحساب أن الأمر هنا يتعلق بجردة المصالح، تلك التي تشكل الأساس القيمي للثقافة الغربية.

توزيعات القوة
في الاكتشاف أو إعادة الاكتشاف، تلك التي راحت تتردد كثيرا في المجمل من الدراسات التي تعنى بقراءة العلاقة بين الإسلام والغرب، يكون الأمر وكأنه يعيش على حالة من القفز على الحقائق، حتى ليتبدى التواري خلف قناع العقلانية الهشة والهدوء المفتعل، في الوقت الذي تشير الوقائع والأحداث والممارسات، إلى أهمية السعي الجاد والعميق نحو تكريس القراءة الواقعية الخالية من الموجهات المسبقة، أو النازعة نحو المجاملة والمحاباة، أو تكريس القراء الاسقاطية والنازعة نحو لي عنق الوقائع من أجل توظيفها في سياق جاهز لا يمكن الحياد عنه.القراءات الراهنة وفي ظل الوقائع والتفاصيل المقلقة التي تنذر بالويل والثبور، تبقى تعيش على لحظة توزيع القوة المباشرة، لكنه التوزيع الذي يتخذ موجها حدثيا، بحساب أن طرفا ضعيفا قيض له تحقيق ضربة موجعة في جسد العملاق الأمريكي، الذي تتماثل فيه مقومات القطبية الأحادية والمرجعية القصوى والانهائية للعالم الذي بلغ ختام رحلته التاريخية، عبر انتصار النموذج الليبرالي، وما ينبغي أن ينتج عنه من اندراج في العولمة والشرعية الدولية والديمقراطية وحقوق الإنسان وتفاعلات اقتصاد السوق وحقوق المرأة والحفاظ على البيئة.

من يكتشف من؟ ومن هو الحري بالدرس والتشريح وتفكيك العلاقات السائدة فيه، الغرب المتحصن بقوته المفرطة وتفوقه التكنولوجي ومكامن المبادرة الواسعة لديه، أم العالم الإسلامي الذي يعيش لحظته الراهنة وهو يسعى نحو تثبيت حضوره في عالم لا يعرف الرحمة، حيث العلاقات تسير وفقا لارادة القوي، فيما يكون نصيب الضعيف الاقصاء والتهميش والانزواء.وهكذا تتبدى البعض من ملامح العلاقة حيث الافراط بالثقة تلك التي تحكم توجهات القوي المستند إلى الثقافة المادية، وشعور الاحباط واللاجدوى والانزواء الذي بات يفرض بملامحه على المجمل من القطاعات الواسعة لأجيال الشباب المسلم، والذي لم يتوقف الخذلان لديه عند مستوى الفقر والعجز وانعدام الفرص، بل أن مقومات الأمل الذي تم غرسه لدى فئة الشباب حول التعليم والانخراط في تفاصيله وانعقاد الأمل والمستقبل عليه، صار بالمحصلة بمثابة المعيق لتوجهات المؤسسة الرسمية في العالم الإسلامي، حتى غدا هذا القطاع بمثابة العبء العصي على الحل، حيث الأفواج المتناسلة من الخريجين المتحصلين على الشهادات العليا، والقابعين في محطات الانتظار والعطالة.

تبصرات الراهن
أين يكمن الإشكال في موجهات العلاقة بين الطرفين، في سوء الفهم المتبادل؟ في السياقات المتباينة؟ في الرؤى والتصورات والتحديات، التي تفرضها الموجهات الخاصة، أم أن الواقع يفرض نوعا من التداخل الذي يعسر فيه الفصل وفض الاشتباك بين الحقول المتزاحمة، تلك التي راح يتم التعبير عنها في موجة من الاصطلاحات التي ترتبط بالإسلام،حيث تصدر مفردات من نوع ؛الأصولية والإرهاب والفوبيا والإسلام السياسي، لنلاحظ هنا أن التسميات تعود بمصدريتها إلى طرف من العلاقة ممثل بالغرب، فيما تبقى التوصيفات المتداولة في المجال الإسلامي على حالها القديم، والذي يكشف عن ذلك الحيز الذي ميز قسمات المبادرة والتي كانت مرتبطة بالغرب، لاسيما في حقبة التاريخ الحديث في أعقاب حركة الكشوفات الجغرافية،التي قيضت لأوربا أن تحوز مدار السيطرة على موجهات النشاط التجاري والهيمنة على مرتكزات التفاعل الاقتصادي في العالم، حتى اللحظة الراهنة.
المتأمل في واقع العلاقة بين الإسلام والغرب، يجد حالة الاسترابة والخواف والحذر، هذا بحساب استحضار ثقل التاريخي على حساب القراءة الموضوعية لطبيعة التفاصيل التي تفرزها الوقائع ، والتي لا تني من افراز المزيد من نقاط التقاطع والإشكال الذي لا يعرف الانقطاع.فالأمر لا يقوم على مجرد التشكيك أو الحذر، بقدر ما ينبغي الالتفات إلى أهمية تقديم مجال التسامح، والذي يكون بمثابة المحاولة نحو تجسير الطريق نحو التعايش في هذا العالم الذي لم يعد من الممكن أن يعيش حالة من الإلتباسات في المعاني، بحساب أن الطرف القوي هو الأقدر على توجيه دالة العلاقات، في الوقت الذي يعيش العالم لحظات موجة الحضارة الرقمية والشفافية والثورة الاتصالية الكبرى، والتي بات العالم فيها مكشوفا بطريقة تثير الذعر،حيث لا أسرار ولا إمكانية متاحة لتغطية الحقائق.