ليزدادَ البرنامج ومقدِّمتُه تألـُّقاً فى دورته الثانية..

كتبتُ هذا المقال فى نهاية رمضان المبارك، ولم يتيسر نشره إلا الآن، ومن ثَمَّ.. فقد كانت تسنَّت لى مشاهدة بعض حَلْقات quot;العاشرة مساءًquot; فى دورته الجديدة، وسرنى أن حيويته لم تتراجع، غير أن بعض ما انتقدته لا يزال قائماً .. وعلى رأسه بالطبع هذا المستوى المترنح ـ كما ذكرت بالمتن ـ الذى يبدو عليه الإخوة والأخوات مراسلو ومراسلات البرنامج (مثلاً: التقرير الذى تقدم الحوار المطول مع السيد فاروق حسنى كاد يصيبنى بالغثيان.. دع عنك الحوارَ ذاته الآن !)، بالإضافة إلى أن مكياج منى ازداد quot;فقعاناًquot;، كما أن ثقتها المحمودة بنفسها تكاد ـ أحياناً ـ تشارف منطقةً أخرى أدعو لها ألا تصل إليها أبداً!
لذا.. أرى ـ كما قد يرى القارىء ـ أن مناسبة النشر الآن لم تَفُت بعد لا سيما بعد حصوله على موقع متقدم جدًّ فى استطلاعات الرأى نهاية العام 2005 !

(1)
من السهل أن ينجح برنامج فى إذاعة أو تلفزيون بجودة إعداده، أو اتصاله المباشر بقضايا تهم الناس، أو صدقية تناوله هذه القضايا، أو براعة وحضور مقدمه/مقدمته، أو فريق العمل فيه الذى تتسلل روحه الجمعية واجتهاده إلى المتابع.. ومن القليل أن تتوافر لبرنامج كل هذه المزايا والأسباب مجتمعة.. ومن النادر أن يغدو مثل هذا البرنامج (فى عصر الفضائيات المتكاثرة كالفطر.. المتهارشة كالديكة !) جزءاً من حياة قطاع كبير من المجتمع: متابعةً واحتراماً وتفاعلاً.. ومن الأندر أن يغدو مقدمه/مقدمته واحداً من أفراد العائلة !
أزعم أن هذا كله كان من نصيب برنامج quot;العاشرة مساءًquot; (قناة دريم المصرية الخاصة) ومقدمته ذات الحضور البهىّ منى الشاذلى.. quot;المجتهدةquot; بحسَب كل من اطلعتُ على رأيه فيها، و quot;الحبابةquot; بحسَب معلقة مصرية استعارت هذا الوصف الجميل الصادق من إخواننا الشوام !

(2)
لم تتح لى بالطبع المتابعة الدقيقة لجميع حلقات البرنامج طوال دورته الأولى التى ختمت قبيل شهر رمضان المبارك.. ولكى تابعت أو شاهدت نحواً من 70 من مائة تقريباً من حلقاته. ولا أنكر أن طلَّة منى المحببة وحضورها البهىّ هما ما جذبانى إليه أول مرة، ليتأكد لى من بعد تميزُه ككلٍّ حيث الموضوعات الحية منتقاة بعناية وجدية، والضيوف مختارون ـ فى الجملة ـ بدقة وموضوعية..
وقد تناول البرنامج قضايا شتى: سياسيةً واجتماعيةً وفنيةً وأدبيةً وثقافيةً ـ بالمعنى الأخص ـ.. ودينيةً أحياناً. وكان التناول فى مجمله يتميز بالهدوء والرصانة والعمق.. بما يناسب برنامج منوعات من طراز خاص: فوق السطحى الخفيف، ودون المتخصص الجامد.. وذلك فى فقرات متعددة بحسب تنوع الوضوعات وزوايا التناول.
وكان من حظ البرنامج أن واكب ما تلا quot;إعلان 26 فبرايرquot; الخاص بأول انتخابات رئاسية تعددية فى البلاد، مستفيداً فى تغطيته المتميزة للحدث الأهم خلال العقود المصرية الأخيرة بهامش الحرية الذى ازداد اتساعاً وسقف الحرية الذى ازداد ارتفاعاً.. فقدم مرشحى الرئاسة التسعة وبرامجهم (وطرائف بعضهم أيضاً !) على نحو جاد ومسئول تفوق فيه على quot;تلفزيون الريادةquot; رغم ما حاوله هذا الأخير من جهد مضنٍ ـ ومشكور على أية حال ! ـ ليظهر أقصى ما يمكنه فى الظروف الحالية من حياد وموضوعية !
وهناك أيضاً قضايا الفساد: السياسى والثقافى والاجتماعى والصحى التى كانت شاغلاً للبرنامج.. متابعةً وإثارةً. و بمناسبة الفساد الصحى..أريد ألا تفوتنى الإشارة إلى الحلقة التى خصصت لملف مياه الشرب فى مصر المحروسة بوصفها الحلقة الأضعف فيما تابعت من الحلقات، حيث خابت توقعاتى بحلقة متميزة: قوةً وجرأةً وحلولاً حقيقةً.. إذ يبدو أن شيئاً رديئاً تسلل إلى quot;دريمquot; من quot;تلفزيون الريادةquot;، فخرجت الحلقة فى قالب تحسينى إيهامى بأن كل شىء تمام التمام، وأن ما يراه الإخوة المواطنون فى عموم المحروسة إن هو إلا أضغاث أحلام أو تهيؤات أو شائعات مغرضة قصدها الإساءة إلى جهاز الدولة ـ حماه الله ـ الساهر على رفاه الشعب الحبيب !.. وكذا اكتشفت أننا ـ أى هذا الشعب الحبيب ذاته لا غير! ـ نشرب مياهاً نادرة الوجود ـ نقاءً وطعامةً طبعاً ! ـ نحسد عليها من أهل البلاد المتقدمة.. بله (أى دع عنك !) أهلَ البلاد المتخلفة التى لسنا ( والحمد لله، والشكر لحكومتنا الرشيدة) منها البتة ! والحق أننى التمست بعض العذر لمنى إذ لاحظت اضطرابها فى هذه الحلقة الأضعف ومحاولاتها الخجلى لتسريب شكوكها هى شخصيًّا وعدم اقتناعها بتصريحات ضيوفها البهيجة.. وقلت يبدو أن ثمة تعليمات علوية ـ أو لعلها سفلية ! ـ بأنه لا داعى إلى إثارة مخاوف الشعب الحبيب التى يحاول التغافل عنها لتستمر مسيرة الحياة.. لا سيما فى تلك الأيام الانتخابية الرئاسية المفترجة التى كانت حينها.. أعادها الله علينا باليمن والخيرات!
أما عن الحلقات الأجود فقد كانت ـ فى رأيى ـ تلك التى استضافت فيها منى كلاًّ من الأساتذة والدكاترة: أحمد زويل وجمال الغيطانى ويحيى الجمل وعمرو خالد وعادل حمودة (كنت أتمنى أن أضيف حلقة الأستاذ الكبير محمد عودة.. إلا أننى لم أشاهدها).. منفردةً بكلٍّ منهم فى حوار ضافٍ، أظهر براعة منى وأكَّد بهاء حضورها.. الذى يزيد منه مبادرتُها إلى الاعتذار الواضح الرقيق كلما شعرت بتجاوز ما بدر منها أو خطأ فنى أو معلوماتى، والذى لا يقلل منه أن يخطىء quot;الكوافيرquot; فى quot;تظبيطquot; شعرها وتضطر إلى الهواء quot;ملمومةquot; الشعر ! (هل لى أن أطلب منها بهذه المناسبة أن تحاول التخفف من quot;المكياجquot; الذى يكاد يكون quot;فاقعاًquot; أحياناً ؟! فهى بذكائها وحضورها ـ البهىّ أيضاً ـ فى غنىً عن المحسنات الصناعية !).

(3)
أظن أن من حقى الآن أن أذكر القليل ـ غير اليسير ـ الذى يعكر روعة البرنامج !
أتحدث عن الثغرة الأسوأ ـ فى رأيى ـ فى هذا البرنامج المصرى المتميز..
وهى ثغرة مراسليه: شباباً وفتياتٍ..
والحق أن تقاريرهم جيدة التصوير فى الغالب، مؤثرة الموسيقى.. ولكنها فاجعة على مستوى المضمون فى الأغلب، مأساوية على مستوى الأداء الفردى فى الأغلب الأعم !
أما على مستوى المضمون.. فهى ممسوحة أسلوبيًّا، مختلة معلوماتيًّا، بصراحة.. أشعر دائماً أنها مكتوبة من غير نِفْس (أكرر: هذا فى الأغلب لا فى كل حلقة حلقة).
وأما على مستوى الأداء.. فهى عورة حقيقية يجب أن تتداركها quot;دريمquot; بالتقويم ثم التقويم ثم التجويد. الإخوة والأخوات المراسلون والمراسلات يتلفظون ويتلفظن بلغة غريبة جدًّا..لا هى عامية مثقفة معقولة، ولا هى فصحى يسيرة مقبولة.. لا أتحدث عن المستوى القواعدى (نحواً وصرفاً)..فهذا لا وجود له البتة مطلقاً، حتى فى أيسر القواعد وأظهرها (لن أذكر أمثلة لأن الظِّباء ـ ولا مؤاخذة ـ تكاثرت على خِراشٍ.. فما يدرى خِراشٌ ـ المسكين ـ ما يصيدُ !)..
بل أتحدث عن هذا الأداء الصوتى الغريب الذى لم أسمع له مثيلاً فى إذاعة أو تلفزيون (إلا أن يكونquot; تلفزيون الريادةquot;.. حماه الله !).. ما هذه الرخاوة المنفِّرة ؟! ما هذا الأداء الميت ؟!
أحيّى quot;دريمquot; على أن استعانت بعدد من الشباب الهاوى الطموح.. ولكن هذا ليس عذراً لأن يخرجوا على أمثالى بهذا المستوى المترنِّح !

(4)
أتمنى أن يستدرك quot;العاشرة مساءًquot; فى دوراته الآتية هذه الثغرة التى أراها مسيئة جدًّا، وأن يأخذ ما يمكنه من مضادات حيوية ضد العبقرية وquot;الشمللةquot; التى لا يزال ينضح بها رغم المحاولات quot;تلفزيون الريادةquot; ـ حماه الله! ـ..
كما أؤكد على المجتهدة الحبَّابة منى الشاذلى أن تستدرك الخلل الذى يبدو منها أحياناً عندما تتحدث بالفصحى.. وذلك من أجل أن يكتمل بهاءُ حضورها !
*