نجحت شبكات التلفزة العالمية في ربط العالم كله بأدق تفاصيل بعضه البعض وفي كشف الأمور على حقيقتها وعدم القدرة على إخفاء الحقائق كما كانت السمة الأساسية للتاريخ قبل ثورة المعلومات والاتصالات. وأصبحت هذه الحقائق في متناول تفكير المشاهد أينما كان ولا يتطلب معرفة هذه الحقائق 30 عاما كما كان مشروطا في السابق لأن عدسات الكاميرات المتسابقة لنقل الحدث كلها وبنفس اللحظة التاريخية للحدث توثق بالصورة والتحليل ما يحدث وتضع المشاهد أمام العديد من الصور والبرامج التي لا تنفك تبحث في الأسباب وكيفية تلافيها ومدى تأثيرها الدولي... وهو ما انطبق على كارثة الزلزال البحري الأخير في شرق آسيا وكشف عنف الاحتلال الإسرائيلي ووحشية معاملته للإنسان الفلسطيني.الصور حثت الكثير من المشاهدين في العالم على الاستفسار عن مدى انتهاكات الدوله الإسرائيلية للقوانين الدولية.. وهي أيضا التي جاءت بنتيجة استفتاء أوروبي بأن 63% يعتقد أن إسرائيل هي سبب عدم السلام في العالم.. ولكن مع الإجماع العالمي أيضا بأن حقوق اليهود في الأمن والأمان تحترم وتبقى خاضعة للحقوق الإنسانية العالمية.. الحرية الفكرية الغربية أخضعت الكثير من حقائق التاريخ القديم الأخرى للمساءلة، وجوه متعدده للحدث نفسه تخضعه للتحليل للوصول إلى الحقيقة.. . دخلت الكاميرات إلى البيوت الصغيرة والفقيرة.. وإلى قصور الرئاسة بحيث أخضعت مدى بذخ الرؤساء للمساءلة في الدول الديمقراطية وللحسد والتندر والإستفهام في الدول الفقيرة.. خلقت وضعا جديدا أضاف قوة الحقيقة على مقدرة الشعوب في إحداث تغييرات تمس حياتها وتصر على معرفة الحقيقة كما حدث مؤخرا في لبنان حين استطاعت كلمة الشعب إسقا ط الحكومة...

حققت العولمة التجارية في القرن العشرين.. إنجازات ومعدلات نمو غير مسبوقه.. وفتحت أسواقا جديده وإن لم تتحقق العدالة الاجتماعية الكافية في الكثير من الدول الفقيرة نظرا لجشع تجارها ولفساد حكوماتها.. واستغلال بعض الدول لهذه الشعوب ولمواردها ولكن لا نستطيع إنكار أن العولمة استطاعت خلق فرص عمل متنوعة أمام الجميع.. وخلقت منافسة غير مسبوقة بين الكثير من الدول الكبيرة وبين العملاق الإنتاجي القادم من الصين...
كلها متغيرات دوليه فتحت العالم على مصراعيه للاستفادة من بعضه البعض ويبقى السؤال في مدى استفادة العالم العربي من المتغيرات فيما حوله.. وهل جميع هذه الدول تدعو إلى النيل منه ومن ثروته وتشويهه.. أم أن بعضها حجج تتمنطق بها الحكومات لمنع التغيير والتقدم الديمقراطي في المنطقه العربية.. وتبرر لكتاب مثل جوزيف جوف أن يتساءل هل العجز العربي نتيجة وجود إسرائيل.. وتبرر مرة أخرى للمتطرف ناثان شارانسكي بأن مشكلة الشرق الأوسط تكمن في انعدام الحرية والديمقراطية...
علينا الاعتراف بأن العلاقات العربية- عربية لا زالت ترتكز على العصبية والقبلية.. والخوف والشك من الآخر سواء الجار العربي أو الغربي.. وبالتالي تأخذ شكلا تمييزيا بين شعوب بعضها البعض وفي علاقاتها ببعضها البعض..هذا الواقع الموجود أصلا ركزه ونماه العدوان العراقي الأول على الكويت..
الإعتراف بأن معدلات التنميه في الدول العربية وحسب تقرير التنميه تقل كثيرا عن مثيلاتها من الدول الغربية.. وعدم وجود خطة تنميه إقتصادية متكاملة وعلى فترة زمنية معقولة تأخذ في اعتبارها حاجة المنطقة العربية لتوفير فرص عمل تتناسب مع حجم النمو السكاني للوصول إلى الإستقرار الإقتصادي الذي بدوره يؤدي إلى استقرار سياسي وبالعكس..
عدم وجود أفق سياسي واضح يربط الدول العربية ببعضها يعرقل أي أفق لتكامل اقتصادي.. ومن هنا نرى أن أي إنجاز اقتصادي أو سياسي لن يوفر أي شكل من أشكال الأمان داخل حدودها إن لم تأخذ عاملين أساسيين في الحسبان..
الأول تعامل دول المنطقة مع بعضها البعض
الثاني علاقتها مع المجتمع الدولي من حولها..
لقد فشلت الثورات السياسية في المنطقة العربية على مدى الخمسون عاما في إحراز أي تأييد عالمي .. وفي إحداث تغييرات إقتصادية لتحسين المستوى المعيشي للأفراد.. ربما لأن هدفها الأساسي كان يتمثل في الوصول إلى السلطة لمحاربة الغرب الآخر.. وربما لأنها سلكت طريق العنف للوصول إلى السلطة.. وربما لتجذر الفساد فيمن قاموا بها.. ولكنها عموما لم تأخذ في حساباتها الرقي بمستوى وعي إنسانها وارتباطه حتى الإقتصادي بأخيه الإنسان العربي ثم الآخر أينما كان.. وأن هذا الإرتباط ليس قاصرا على الحدود القريبه بل يتعداها ما بين كل الحدود لخلق الأمن والأمان في العالم كله..
في ذات الوقت الذي قامت فيه هذه الأنظمة بإلهاء الشعوب بمشاريع مقاومة مستمرة علقت على شماعتها قصورها وفسادها وعجزها عن ايجاد حل للقضية الفلسطينيه... فيما شغلت المواطن في حروب داخليه..تحت شعارات المحافظه على الحدود فيما بينها.. ثم المحافظة على القومية.. التراث.. وغيره من كل الأسباب التي أبقت على العالم العربي كما هو.. بل ألغت قانون التقدم الإنساني تحت مقولة الحفاظ على الذات.
الإكتشاف المفاجىء للثروه النفطية. وتأثيراتها المادية على المجتمعات بدون التطور التعليمي والمجتمعي اللازم لمواكبة هذه الطفرة المادية.. أوقع الكثير من الدول والأفراد تحت تخدير وغرور.. وإمتلاء بالنفس لدرجة أنهم اعتقدوا أنهم فوق البشر لما منحهم الله لهم وحدهم هذه الثروة.. وبمنطق ساذج بدؤا بتمويل حملات تبشيرية في الكثير من أنحاء المعمورة لم تأخذ بروح الدين بل استعملت لغة تحريضية وعدائية للقضاء على وجود الآخر تحت مسميات الجهاد من أجل الدعوه.. وخلقت عداء عالميا للعرب وللمنطقة العربيه..
وعليه فإن العالم العربي بحاجه إلى ثورة من نوع آخر. ثوره تضع في أولوياتها مصلحة الإنسان العربي... اقتصاديا.. سياسيا.. ثقافيا.. ترتكز على تنميه إنسانية بمعنى قبول الآخر واحترام رأيه ودينه ولونه وعقيدته والاعتراف بحقه في أن يعيش كما يشاء ويعبد من يشاء على أن يخضع الجميع لقانون واحد تكون له السياده ويحمل في كل معانيه العدل وعدم التمييز... لضمان الحقوق للجميع رجل كان أم امرأه..
قبول الآخر ndash; سيادة القانون واستقلاليته عن الدين-حقوق المرأه كلها مبادىء غير موجوده في العالم العربي أو الإسلامي بمفهومها الحقيقي.. فالتمييز في القوانين يبقى واضحا وضوح الشمس.. وحرمان الآخر من ممارسه شعائره الدينيه بحريه في بعض البلاد العربيه هو قانون للبلد.. وتتفاوت سلطة القانون بين مواطن وآخر وبين جنسية وأخرى في البلد ذاته.. وحقوق المرأه تتراوح ما بين الحرمان التام أو شيء منه تبعا للقوانين التشريعيه المعمول بها والتي تتفاوت من دولة إلى أخرى.
غياب هذه التنمية الإنسانية هو ما يثير الحيرة والجدل في الغرب في مدى أهلية هذه الدول وقدرتها على احترام المختلف عنها وفي مدى فاعليتها في سلام عالمي.. في حين أنها فشلت في احترام إنسانها وأخيه الأقرب.. وفشلت في إحقاق سلام داخلي بين حدودها نفسها...

أحلام أكرم باحثه وناشطه في حقوق الإنسان