لو راجعنا تاريخ الثورات التحررية في العالم لوجدنا ان مقدماتها لا تختلف عما يجري اليوم في الأحواز. فالثورة تبتدي شرارتها الأولى إما بمظاهرة او عملية مسلحة تستهدف معسكرا او مؤسسة او مقرا حكومي للمحتل و من ثم تصبح الشرارة شعلة ثم يرتفع لهيبها. وهذا ما هو حاصل في الأحواز بالوقت الحالي. فالمتابع لسير الأحداث على الساحة الأحوازية يدرك تماما ان ما يجري في الوقت الراهن ، والذي هو في الحقيقة ليس وليد الساعة، يشير ان معالم الثورة ظاهرة بوضوح وان هذه الأحداث قد تجاوزت مرحلة الشرارة فهي في طور الشعلة وذلك استنادا إلى حجم الأحداث وقوتها و تواصلها المنتظم.
لقد شهدت الأحواز ومنذ منتصف التسعينيات بداية جديدة من النضال تمثل جانب منها بالعمل الثقافي الذي ترافق مع فعل سياسي منخفض الوتيرة وعمليات مسلحة متقطعة هنا وهناك وكان الجانب الإعلامي مغيب داخليا وخارجيا إلا ما ندر. ولكن رغم الصعوبات وقلة الإمكانيات استمر النضال و إن بخطى بطيئة حتى جاءت انتفاضة مدينة عبادان في آب عام ألفين حيث أعطت تلك الانتفاضة التي سقط خلالها عدد من الشهداء دفعة قوية للفعل السياسي و الإعلامي الأحوازي وهو ما أدى بعد ذلك إلى تفجير مظاهرات دامية في مدينة الفلاحية احتجاجا على تزوير الانتخابات البرلمانية ثم بعد ذلك أعقبتها مظاهرات احتجاجية عارمة في كل من مدينة معشور ومدينة ايذج تخللها صدامات عنيفة بين قوات القمع الإيرانية والمتظاهرين سقط خلالها العديد من الأحوازيين شهداء وجرحى بالإضافة إلى دخول المئات منهم إلى المعتقلات والسجون الإيرانية نتيجة لمشاركتهم في تلك المظاهرات التي انتقلت بالساحة الأحوازية إلى مرحلة جديدة من النضال ضد الاغتصاب الفارسي.
ومع حدوث غزو العراق وتغيير الأوضاع الدولية واندلاع المقاومة العراقية تصاعد النفس الأحوازي المقاوم وفي هذه المرحلة تكونت حركات وتنظيمات جديدة داخل الأحواز وخارجها وقد استطاع بعض من هذه التنظيمات في الخارج إيجاد وسائل إعلامية على مواقع الانترنيت وغيرها لتكون همزة وصل مع أهلهم في الداخل بالإضافة إلى كونها وسيلة لإيصال صوت الأحوازيين وما هو واقع عليهم من ظلم واضطهاد إلى الخارج كاسرين بذلك وبنسبة معينة حالة التعتيم الإعلامي المضروبة على مأساة الشعب الأحوازي.
في منتصف عام إلفين وأربعة بدأ النضال الأحوازي يأخذ منحا تصاعديا بتنشيط عنصر الكفاح المسلح الذي اخذ يستهدف المراكز التجارية والمؤسسات الاقتصادية الإيرانية في الأحواز و قد لقي هذا الفعل تشجيعا و مؤازرة من الشارع الأحوازي حتى جاءت انتفاضة الخامس عشر من نيسان العام الماضي لتكسر كل الحواجز و تخرج با لقضيته إلى الملأ العام و تجعلها في دائرة الضوء.
لقد أدى القمع الوحشي لهذه الانتفاضة التي سقوط فيها العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى والمعتقلين على أيدي السلطات الفارسية الغاصبة إلى خلق مقاومة احوازية حقيقية متسلحة بأسلوب عمل وإمكانيات مختلفة عما كانت عليه في السابق كشفت النقاب عنه في يوم الثاني عشر من شهر حزيران الماضي حيث كانت المرة الأولى التي تشهد فيها الأحواز استهداف مقرا حكومي بسيارة مفخخة تزامن تفجيرها من ثلاثة هجمات بالقنابل على مراكز حكومية أخرى الأمر الذي أدى إلى تثبيت أقدام المقاومة الفتية في ساحة النضال الأحوازي لتواصل عملها دون انقطاع مخلفة أزمة حقيقية للنظام الإيراني الذي يحاول القفز على الواقع من خلال إلقائه المسؤولية عن تلك العمليات على عاتق قوى أجنبية خارج الحدود محاولا بذلك الرابط بين مشاكله مع المجتمع الدولي و بين العمليات التي تنفذها المقاومة الأحوازية لتظليل الرأي العام والهروب من الواقع المؤلم بنسبة له. لقد دأبت السلطات الإيرانية عبر العقود الماضية بتسمية الأحوازيين quot;بعرب اللسانquot; رافضة الاعتراف بعروبتهم مدعية إن الأحوازيين تعلموا العربية بحكم مجاورتهم للأقطار العربية. كما إنها كانت ترفض على الدوام الاعتراف بوجود حركات او مقاومة ثورية في الأحواز و تسمي ما يجري هناك بأنه من فعل quot; قطاع الطرق quot; وعملاء حزب البعث في العراق وغيرها من التسميات الأخرى. ولكن بعد ان ثبت ان المقاومة في الأحواز هي حركة نضالية نابعة من إرادة الشعب الأحوازي وعزيمته على التحرر والخلاص من الاغتصاب الفارسي فقد حاولت السلطات الإيرانية هذه المرة ان تجد مخرجا لها وذلك من خلال توجيه تهمة المسؤولية عن أعمال المقاومة في الأحواز إلى قوات الغزو الأجنبي في العراق وتحديدا إلى القوات البريطانية في محاولة منها لتظليل الرأي العام متناسية ان الغزاة في العراق والذي تتهمهم بالوقوف وراء ما يحدث في الأحواز ما جائوا لولا مساعدة ايران لهم ، ولما بقوا إلى اليوم في العراق لولا طلب ايران من المليشيات الموالية لها هناك بعدم التعدي على هؤلاء الغزاة وعدم مقاومتهم.
كما نذكر أن لولا إلغاء بريطانيا لعهودها ومواثيقها التي كانت قد تعهدت بها للشيخ خزعل أمير الأحواز والتي كانت قد أكدت له فيها على حمايته من أي اعتداء أجنبي لمستطاع رضا خان بهلوي غزو الأحواز وضمها لإيران. فالوثائق الرسمية تؤكد ان بريطانيا هي التي أوعزت لعميلها رضا خان بهلوي بغزو الأحواز ومن ثم اسر الشيخ خزعل.
ولهذا فان إلقاء تبعات ما يحدث في الأحواز على عاتق ما يسمى بجهات أجنبية للهروب من المأزق لا يمكن ان يلغي الحقيقة ولا ينهي الأزمة. فما يجري في الأحواز اليوم ليس وليد مرحلة زمنية محددة و إنما هو نتيجة لتراكمات من الكفاح الذي يمتد عمره لثمانية عقود مضت ( وهو عمر الاغتصاب الفارسي ) ابتدأته حركات وتنظيمات سابقة و مارسته بكافة أشكاله و هي اليوم تجني ثمار ما زرعته بالأمس على أيدي الجيل الحالي.

الكاتب رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي