نظرت محكمة الجنايات الأولى التابعة للمحكمة الجنائية العراقية العليا أول القضايا المتهم بها صدام حسين وهي قضية الدجيل، وبالأضافة الى المتهم صدام كان هناك سبعة متهمين أخرين تراوحت أتهاماتهم ضمت اسماؤهم جميعا أضبارة القضية التي أكتمل التحقيق فيها من قبل محكمة التحقيق في نفس المحكمة، وهم كل من طه ياسين رمضان وبرزان ابراهيم حسن وعواد حمد البندر وعبد الله كاظم رويد ومزهر عبد الله كاظم رويد وعلي دايح علي ومحمد عزاوي علي، وتم تدقيق الأدلة المتوفرة في دور التحقيق ووجدت هذه المحكمة أن الأدلة المتوفرة فيها كافية للأحالة، وقد وجدت محكمة التحقيق أن القضية بما توفر بها من أدلة تكفي للأحالة فأنها تقع ضمن أفعال الجرائم ضد الأنسانية والمسؤولية الجنائية الشخصية وأنتهاكات القوانين العراقية، حيث تمت الأحالة وفقاً للمادة 12 بدلالة المادة 15 من قانون المحكمة، وأستناداً لنص الفقرة ب من المادة 130 من قانون أصول المحاكمات الجزائية تمت أحالة القضية.

وعند ورود اضبارة القضية تم تعيين موعداً للمحاكمة بعد إشعار الادعاء العام وتبليغ المتهمين الموقوفين ووكلائهم والمشتكين والشهود في القضية، وأستمعت المحكمة الى شهادات المشتكين وبعض الشهود، كما أستمعت الى مداخلات وتعليقات المتهمين وهي مهمة ومنتجة في القضية، وتحكم المحكمة في القضية الخاصة بالدجيل بناء على اقتناعها الذي يتكون لديها من الادلة المقدمة في دور التحقيق او دور المحاكمة، وهذه الادلة هي شهادة الشهود ومحاضر التحقيق والكشوفات الرسمية والقرائن والادلة الاخرى المقررة قانونا بالأضافة الى السندات الرسمية الموجودة بحوزة الأدعاء العام أو المربوطة في أضبارة التحقيق بالأضافة الى الأقرار، وبعد عدد من الجلسات التي أستمعت بها المحكمة لعدد من الشهادات العيانية المهمة والمؤثرة في القضية وجد مايلي :

1-أن بعض الشهود أفادوا بأعتقالهم مع ذويهم وعوائلهم دون وجود قضية تحقيقية أو أمر من قاضي حيث لم يلتق أي منهم بأي قاض طيلة فترة التحقيق والحجز غير القانوني، ولم تكن هناك أية أدلة على أرتكابهم أفعال مخالفة للقانون، وتم أجراء التحقيق معهم ومع ذويهم في اخطر الأجهزة الأمنية، وتم حجزهم في سجن المخابرات ثم نقلوا الى سجن ابو غريب ومنه الى صحراء السلمان في منطقة صحراوية نائية تابعة لمديرية أمن السماوة، وثبت أن الأمر الصادر بالأعتقال لم يكن قانونيا وغير صادر من جهة قضائية، كما ثبت أن الأعتقال العشوائي لعوائل عراقية ومعهم أطفال رضع وأحداث يشكل أنتهاكا صارخا للقوانين العراقية.

2-تم عرض شريط مصور يفيد بأعتقال عشوائي لمواطنين أربعة كانوا يعملون في بساتين منطقة الدجيل، ومن ثم صدور أمر من المتهم صدام بتفريقهم عن بعض وأجراء التحقيق معهم، وبنتيجة لأمر صدام فقد لقي الأشخاص الأربعة حتفهم أثناء التحقيقات الجارية في جهاز المخابرات العراقي الذي يرأسه حينها المتهم برزان، وكان المتهم برزان ابراهيم قد أفاد أن هؤلاء موجودين في أيران دفعاً للأتهام وتضليلا للعدالة، وحيث أن الدلائل القطعية أثبتت وفاتهم وعدم عودتهم لذويهم منذ العام 82 ولحد يوم المحاكمة فتكون مسؤولية حياتهم وأعتقالهم بصورة مخالفة للقوانين مترتبة بحق المتهمين صدام وبرزان.

3-أشار المتهم برزان تعليقاً على وجود جثث بعض الشهداء من الأبرياء الذين تم قتلهم بطرق عشوائية من قبل جهاز الحماية والمخابرات وبأوامر مباشرة من المتهم برزان بناء على تعليمات المتهم صدام بأنهم ( كلاب )، ويقصد المتهم برزان بأن كل من يتم قتله من قبل السلطة وجهاز المخابرات لايعتبر أنساناً وفق وجهة نظره، وهو بهذا التوصيف يقر أقراراً ضمنيا بالمسؤولية الجنائية الشخصية عن جريمة قتل الضحايا حيث ثبت انهم أبرياء.

4-تعرض العديد من الأطفال والشيوخ الى حالات الموت في موقف المخابرات وفي سجن ابو غريب بسبب الأعتداء عليهم وتعذيبهم أو منع الرعاية الصحية وسوء التغذية حيث أن أوامر الحجز التعسفي كانت بأوامر صادرة من المتهم صدام الى المتهم برزان حيث كان أمر أعتقالهم وحجزهم يعود اليه مباشرة.

5-أشار المتهم صدام الى ان سبب نفي وحجز العوائل العراقية في صحراء السلمان كان لغرض تجميع تلك العوائل ووحدتها ولصالح تلك العوائل كما يزعم، وفي هذا الأمر أقرار صريح وواضح بأجراءات النفي والحجز غير القانوني والمخالف لنصوص الدستور والقوانين العراقية، بالأضافة الى الأنتهاك الصارخ لحياة الناس طيلة تلك السنوات العجاف وتعريضهم للعذاب والموت والتعمد بحرمانهم حقهم في الحياة وموت العديد منهم تحت تلك الظروف القاسية، بالأضافة الى وجود كتب رسمية وأوامر تقضي بهذا الحجز والنفي لهذه العوائل دون ثبوت او وجود تهمة معينة، وثبت للمحكمة أن جميع تلك الأوامر بالتحقيق والملاحقة والقتل كانت بأمر شخصي ومباشر من المتهم صدام تم تنفيذها حرفياً بعد ان استغل صفته الرسمية في الدولة في قتل وتعذيب وانتهاك حياة الناس دون التقيد بالنصوص الدستورية والقانونية .

6-ومن أخطر الأدلة ما بحوزة المدعي العام من وثيقة رسمية أبرزها خلال جلسة المحاكمة الأخيرة وهي عبارة عن كتاب صادر عن دائرة شؤون قانون السلامة الوطنية التابع لديوان الرئاسة في زمن المتهم صدام، وهذه الدائرة بمثابة دائرة أحالة القضايا الجنائية على محكمة الثورة التي يعمل بها المتهم عواد البندر بصفة رئيس، ووجود تعليق بخط يد المتهم صدام وتوقيعه يقضي بأعدام المتهمين قبل محاكمتهم حيث يكون دور المتهم عواد البندر القيام بتمثيل دور رئيس محكمة ليصدر احكام بالأعدام بحق الأبرياء من المواطنين العراقيين أو حتى أصدار قرارات الحكم بالأعدام بعد تنفيذ هذه الأحكام فعلا.

7-أنكر المتهم برزان معرفته بتوقيف المتهمين وتذرع بأنه لم يكن يعرف مثل هذه الأموربالوقت الذي كان يتبوأ مركز رئيس جهاز المخابرات الخطير في العراق وقد ثبت عدم صحة أقواله كلياً ، بينما ركز بعض الشهود على قيام المتهم برزان بالتحقيق معهم ومع ذويهم شخصياً والقيام بتعذيبهم، كما عززت شهادة وضاح الشيخ المسؤول حينها عن التحقيقات الأمنية في جهاز المخابرات مع الضحايا كل الأدلة التي تؤكد ثبوت قيام برزان أبراهيم بأصدار أوامر التوقيف والتحقيق والأمر بقتل بعض الضحايا في مقر جهاز المخابرات أو في منطقة الدجيل وعدم تسليم جثث بعض منهم الى ذويهم وتعذيب الاخرين.

8-ثبت في التحقيق وشهادة الشهود ومن أعترافات بعض المتهمين قيام المتهم طه ياسين رمضان بتجريف البساتين والدور العائدة لبعض من أهالي الدجيل عقابا لهم وتنفيذا لرغبة المتهم صدام في الأنتقام منهم، وكون هذا الأجراء بعيد عن أجراءات الأستملاك والمصلحة العامة،وأجراء مجحف وظالم ومخالف للقانون بحق الممتلكات الشخصية، بالأضافة الى كونه كان من الأجراءات العقابية الصارمة التي نهجتها السلطة في حينه متمثلة في أوامر المتهم صدام المخالفة للقوانين والدستور المؤقت والتي لاتتم مناقشتها أو معارضتها، وقد تصرف المتهم رمضان بما يحقق تدمير ممتلكات المشتكين وفقاً لمزاجه ودون وجود ضوابط أو قرارات تحدد حصرا الممتلكات الخاضعة للتدمير والبساتين الخاضعة للقلع، كما أقر صراحة أنه يقوم بتنفيذ رغبة المتهم صدام مهما كانت الأسباب والذرائع ولم يزل متمسكا بهذه الرغبة حتى لحظة المحاكمة .

9-قيام المتهم صدام والمتهم برزان بمخالفة منطوق الآيــــة الشرعية والمبدأ القانوني (( ولاتزر وازرة وزر أخرى )) بأعتقال أهالي المتهمين وأقاربهم، وتنفيذ احكام الأعدام حتى بالجنود الملتحقين بوحداتهم العسكرية من أقارب وأولاد المتهمين، وحتى ممن لم يكن حاضراً حتى يوم واقعة الدجيل، بالأضافة الى القيام بأعتقال نساء وأطفال لاحول لهم ولاقوة بقوا فترة طويلة في الحجز والتوقيف دون سبب أو قرار قانوني.

10-أن ماجرى على اهالي الدجيل ومالحق بالضحايا الذين تم اعدامهم سواء في دور التحقيق أو ممن أصدر المتهم عواد البندر أحكام محكمته عليهم بألاعدام وهي محكمة لاتتشكل من القضاة العراقيين وليس من بين اعضائها قاض واحد ولاتخضع لقانون التنظيم القضائي ولالسلطة محكمة التمييز ومجلس العدل في العراق، أو من الذين لم يتم تسليم جثثهم الطاهرة الى ذويهم تقع على مسؤولية المتهم صدام والمتهم برزان والمتهم عواد حمد البندر بشكل أساسي وتتم مسائلتهم عن جميع الجرائم التي وقعت على تلك المجموعة البشرية، في حين تتم مسائلة المتهم رمضان عن حالات الأنتهاك والتخريب المتعمد والأمعان في تخريب الأقتصاد الوطني في تدمير الاف الدونمات المزروعة بالأشجار ومن البساتين الشهيرة في المنطقة، علماً أن الفقرة ثالثا من المادة 15 من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا نصت على انه لاتعد الصفة الرسمية التي يحملها المتهم سبباً معفيا من العقاب أو مخففا للعقوبة، سواء كان المتهم رئيسا للدولة أو رئيسا أو عضوا في مجلس قيادة الثورة المنحل أو رئيسا أو عضوا في مجلس الوزراء أو عضوا في قيادة حزب البعث البائد، ولايجوز الأحتجاج بالحصانة للتخلص من المسؤولية في تلك الجرائم.
أن هذه الأدلة وماسيتجمع بعدها من خلال شهادات بقية الشهود وأعترافات المتهمين وما سيتحقق ويثبت أمام المحكمة من أدلة أخرى تم تجميعها من قبل سلطة التحقيق في أضبارة القضية والتي سيتم بها مواجهة المتهمين، ويمكن للمحكمة الاخذ بالأقرارات التي طرحها المتهمين برزان وصدام وطه رمضان اثناء مداخلاتهم في جلسات المحاكمة والاخذ بهذا الاقرار او تجزئته، وربط كل ماتوفر من ادلة بالمحاضر وعناصر الاثبات التي تخضع لتقدير المحكمة وما سيطرحه الادعاء العام لتصدر المحكمة حكمها النهائي في القضية والتي ستدخل ضمن ولايتها وفقا للفقرة اولا من المادة 23 من قانون المحكمة.