فازت حركة حماس بستة وسبعين مقعدا من مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني البالغة مائة وإثنين وثلاثين مقعدا، أي أنها حصدت الأغلبية التي تؤهلها لتشكيل الحكومة الفلسطينية القادمة منفردة أو متحالفة مع من تختار ويوافق على هذا الإختيار، ويستعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس فعلا لتكليف الحركة بتشكيل الحكومة القادمة، بعد إعلان أحمد قريع إستقالة حكومته.وهذا في حد ذاته إنتصار رائع للشعب الفلسطيني الذي شارك بفعالية في الإنتخابات، وأجراها بهدوء تام بعيدا عن مظاهر الفلتان الأمني التي كانت سائدة في الشارع الفلسطيني قبل بدء الإنتخابات، مما حدى بالرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر إلى أن يشيد بنزاهة الإنتخابات والإنضباط الذي ساد كافة المدن الفلسطينية. وسواءا كان الشخص من محبي حماس أو من خصومها، فهو لا يملك إلا أن يحترم إرادة وخيار الشعب الفلسطيني، فهذه هي الممارسات الديمقراطية الحقيقية التي تقبلتها حركة فتح والرئيس الفلسطيني الفتحاوي المنتخب أيضا من الشعب الفلسطيني في إنتخابات قاطعتها حركة حماس، وكان الرئيس الفلسطيني قد أنتخب بناءا على برنامج سياسي واضح ينصّ على المفاوضات السياسية مع دولة إسرائيل خيارا وحيدا لنيل الحقوق الفلسطينية. وهذا يعني الآن أن الشعب الفلسطيني يشهد حالة ديمقراطية غريبة: الرئيس من حركة فتح وبرنامجه الوحيد هو الخيار والمفاوضات السياسية، ورئيس حكومة وحكومة حماسية قادمة ترفض حتى الآن الإعتراف بإسرائيل وترفض التفاوض معها وتطرح المقاومة المسلحة خيارا لنيل الحقوق الفلسطينية التي كانت في ميثاق حماس تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، أي تدمير دولة إسرائيل، وتم حذف ذلك من برنامجها الإنتخابي الذي طرحته في الإنتخابات التشريعية الأخيرة التي فازت فيها بأغلبية واضحة. والسؤال المهم والخطير هو: هل فوز حماس الإنتخابي هذا يعد إنتصارا لها أم مأزقا فعليا لها وللشعب الفلسطيني؟؟.

الخلفية التي ينطلق منها هذا السؤال تفترض أن هذا الفوز الحماسي مأزق أكثر منه إنتصار، طالما ظلت الحركة متمسكة ببرنامجها السياسي الرافض التفاوض مع إسرائيل والإعتراف بها، وذلك على ضوء المستجدات التالية:
إصرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس على الإستمرارو التمسك ببرنامجه التفاوضي الذي أنتخب رئيسا بناءا عليه، وهذا يعني عند التطبيق الميداني: رئيس السلطة يرغب في الإستمرار في التفاوض مع إسرائيل، ورئيس حكومتة الحماسي يرفض ذلك ويطرح المقاومة المسلحة خيارا وإسلوبا...فهل يقود هذا إلى أمر غير التصادم؟. و عندئذ ستكون الكفة راجحة لصالح رئيس الحكومة الحماسي الذي يمتلك الأغلبية المطلقة في المجلس التشريعي، وبالتالي لن يكون أمام رئيس السلطة الفتحاوي سوى الإستقالة، فلا يمكن إستمرار السلطة برأسين متناقضين في البرامج والتوجهات، وهذه الإستقالة عند حدوثها تعني الدعوة لإنتخابات رئاسية حتما لن تنافس فيها فتح مما يعني إحتمال وصول رئيس للسلطة من حماس، وبالتالي تكون قد ضمنت الرئاستين، مما يعزز مأزقها وليس إنتصارها!!!. كيف ذلك؟؟.
هذا المأزق نابع من المواقف الدولية التالية: الرئيس الأمريكي جورج بوش أعلن صراحة إشادته بالإنتخابات الديمقراطية الفلسطينية وتأكيده على عدم التعاون مع حركة حماس إلا بعد التخلي عن أسلحتها وإعترافها بدولة إسرائيل. اللجنة الرباعية ناشدت حماس التخلي عن العنف والإرهاب والإنخراط في المفاوضات السياسية. الموقف الإسرائيلي كان أكثر حسما إذ يرفض بشكل قاطع التعامل مع الحكومة الفلسطينية القادمة التي تضم منظمات إرهابية حسب وصف الناطق الإسرائيلي، في حين طالب سيلفان شالوم وزير الخارجية الإسرائيلي السابق إلى تسريع الإنسحاب الإسرائيلي من جانب واحد حسب الحاجات الأمنية الإسرائيلية، بينما طالب بنيامين نتنياهو بالحسم والتشدد لأن نجاح حماس حسب رأيه يعود لإنسحاب إسرائيل من غزة الذي أعطى إشارة إلى أن العنف يؤدي إلى نتائج مطلوبة فلسطينيا. وبالتالي هل تستطيع حماس مواجهة العالم كله وفي مقدمته الآلة العسكرية الإسرائيلية؟ وماذا ستجر على الشعب الفلسطيني عندئذ سوى المقاطعة الدولية الشاملة سياسيا وإقتصاديا ونتائج ذلك الكارثية، والكل يعرف حجم الكارثة الإقتصادية الحالية في القطاع والضفة، فكم ستتضاعف هذه الكارثة بعد المقاطعة الدولية ؟؟. وقد كان موقف الحكومة الأسترالية أكثر حسما ووضوحا عبر إعلانها أنها لن تتعامل مع حكومة حماس وطالبت الدول الغربية بأن تكون واضحة وحاسمة في ذلك. وبعد وصولها للحكومة أي السلطة هل ستستمر حماس في مقاومتها عبر إطلاق صواريخها القسامية التي لا تلحق خسارة تذكر في الجانب الإسرائيلي؟؟. وما هو موقفها إن سعت حركة الجهاد التي قاطعت الإنتخابات التشريعية وحاولت إفشالها عبر العملية الإنتحارية التي لم تقتل سوى منفذها قبل الإنتخابات بأيام قليلة، إلى الإستمرار في عملياتها هذه؟؟.
إزاء ما إعتبرته مأزقا لحركة حماس، فهي لا تملك سوى خيارين لا ثالث لهما:
الأول: هو التمسك ببرنامجها المعلن في ميثاقها منذ عام 1988 وهو تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، أي تدمير دولة إسرائيل، وعندئذ عليها مواجهة المقاطعة العالمية الشاملة والآلة العسكرية الإسرائيلية، وعليها أن تتحمل أمام الشعب الفلسطيني ما سيجره ذلك من مصائب وكوارث، وكما قلت في مقالة سابقة ( على الشعب الفلسطيني الذي إنتخب حماس وأوصلها للسلطة أن يتحمل نتائج خياراته الديمقراطية ).
الثاني: هو أن تعلن حماس رسميا وعلنيا وبوضوح صارم تخليها عن برنامجها السياسي المذكور، وإعترافها بإسرائيل وبالمفاوضات السياسية خيارا وحيدا لنيل الحقوق الفلسطينية، أي أن تتبنى نفس مواقف الرئيس الفلسطيني الفتحاوي وحكومته الفتحاوية، وفي هذه الحالة تضمن حماس الإستمرار في الإمساك بالسلطة والحكم، ولكنها ستخسر مصداقيتها، وستثبت لأصدقائها وخصومها أنها في كل مقاومتها السابقة لم تكن تهدف للتحرير فعلا، ولكن الوصول للسلطة وما إن وصلت لذلك حتى قدمت نفس التنازلات التي قدمتها السلطة الفلسطينية، وهاهي تعتمد نفس نهجها السياسي، وعندئذ ستواجه من الشعب الفلسطيني بسؤال كبير مكتوب بدماء آلآف الشهداء والضحايا: إذن لماذا كل هذه المراوغة والتضليل طوال السنوات السابقة التي كلفت الشعب الفلسطيني الضحايا والتدمير الذي لا يوصف؟؟. علما أن المجتمع الدولي و دولة إسرائيل لن يقبلا إسلوب المراوغة المتمثل في ما قاله الناطق بإسم حماس عن قبول الحركة التفاوض مع إسرائيل من خلال طرف ثالث، فإسلوب ( التقية ) هذا لا يقبله أحد في مجال السياسة الدولية.
وضمن هذا السياق فإن قرار حركة فتح عدم المشاركة في أي حكومة حماسية هو قرار صائب وشجاع، لأنه لا يمكن تشكيل حكومة من نهجين سياسيين متناقضين من القمة إلى القاعدة، كما أنه من غير المنطقي مشاركة فتح في الحكومة الحماسية، كي تتحمل معها النتائج الكارثية التي من الممكن حدوثها...هذا هو الفوز الحماسي والمأزق في الوقت ذاته...فكيف ستتصرف حماس؟؟. فلننتظر.... إن غدا لناظره لقريب!!!.
[email protected]

مقالات ذات صلة

د. شاكر النابلسي: حماس تواجه العالم

د. سلمان مصالحة: ملاحظات حول نتائج الإنتخابات الفلسطينيّة

باسم النبريص: تسونامي حماس!

فاخر السلطان: هل حركة حماس ستبقى حماس؟


سامي البحيري: ألف مبروك لحماس والإستقالة لعباس!


د. خالد شوكات: هل تكره الولايات المتحدة الإسلاميين فعلا؟!


نبيل شرف الدين: عن سلطة حماستان .. أبشركم