نعم تعبث بعالمنا هذا يد شياطين الاصولية والتطرف الديني، ولسوء الحظ الإسلامي بالذات، وهو يحتاج إلى تكاثف القوى الخيرة من اجل انقاذه بما يحيط به من خوف وعدم الآمان والتهديد المباشر لحياة بني البشر في اي مكان وفي اي واسطة يستخدمونها. فلم تعد الطائرات والمطارات كما كانت في السابق في مأمن من الاجساد الرخيصة التي تفجر نفسها وتقتل الآخرين، ولا الحافلات التي تنقل الطلاب إلى ذويهم اثناء العطل ولا المقاهي والاسواق الشعبية ومتبضعيها ولا من المارة الابرياء في الشوارع العامة ولا سكنة الاحياء السكنية، حتى وصل التطرف والغاء الآخر وتكفيره في قتل المصلين في الجوامع ودور العبادة وذبح الناس كالخراف quot;باسم اللهquot; ولم يسلم منهم حتى الطفل الرضيع. وعم ضررهم المادي جميع شرائح المجتمعات المسحوقة، الإسلامية منها وغير الإسلامية. كل ذلك جرى ولا زال يجري باسم الدين الإسلامي. ومن اجل اعطاء صورة حقيقية للإسلام والمسلمين في أن اغلبيتهم لا يدعمون الارهاب ولا يدعمون المنظرين له كابن لادن والزرقاوي وغيرهما، كان مؤتمر quot; يدا بيد من أجل عالم آمن، ضد التطرف والإرهاب quot; الذي عقد في العاصمه النمساوية فيينا بين 21-23 من الشهر الجاري وبمشاركة نخبة رائعة من رجال الدين والثقافة والعلم من العالمين العربي والاسلامي من جانب، ومن دول الاتحاد الاوربي من جانب آخر. نظمت المؤتمر الرابطة النمساوية ndash; العراقية للتنمية التي من مهامها أيضا إيصال صوت العراق ورغبة ابنائه في بناء العراق الجديد بعيدا عن التطرف والارهاب وإعادة بنائه بعد اربعة عقود من الدكتاتورية والتسلط الطائفي والمناطقي والعشائري. وقد غطت المؤتمر أغلب وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمشاهدة،كما نشرت وقائعه العديد من وكالات الانباء العالمية. وبعثت عدة شخصيات سياسية نمساوية في طليعتها رئيس البرلمان النمساوي البرفسور اندرياس كول (ثاني شخصية في السلم البروتوكلي النمساوي بعد رئيس الجمهورية) رسائل تحية لاعمال المؤتمر وكذلك العديد من المثقفين العراقيين والعرب. كما اجرت وسائل الاعلام مقابلات مع ضيوفه. ولاول مرة تجتمع اطياف المجتمع العربي ndash; الاسلامي والغربي تحت سقف واحد وتناقش محاور مختلفة وتقديم الرأي والرأي الآخر بحرية شهدت عليها الاغلبية من داخل المؤتمر وخارجه. كما شارك فيه الممثلين الحقيقيين لاغلب التيارات السياسية العراقية وكذلك سفير جمهورية العراق في النمسا. وكان الوفد العراقي يمثل ثلاث تيارات سياسية وفكرية اعضاء في البرلمان العراقي، وفيه عضوين من اكبر القوائم المتنافسة وهي قائمة الإتلاف بمشاركة الشيخ ضياء الشكرجي ( حزب الدعوة الإسلامية) والسيد أياد جمال الدين من القائمة العراقية التي يرأسها الدكتور اياد علاوي وكذلك السيد حسين العادلي رئيس التجمع الإسلامي الديمقراطي. أن حضور المفكر الإسلامي الاستاذ جمال البنا شخصيا القى الضوء على فكره واجتهاده في مكافحة الفكر المتطرف والوقوف ضد الإرهاب ودعاته من الإسلامويين. وكان حضور المفكر الاستاذ العفيف الاخضر والكاتب السياسي الدكتور عزيز الحاج على شاشة المؤتمر قفزة نوعية في ايصال صوتهما النير إلى المؤتمريين، على الرغم من وجودهما بيعدا عن اروقته بمئات الكيلومترات. الحديث عن ضيوف المؤتمر الآخرين والعديدين الذين لهم باع طويل في الثقافة العربية والعلوم الإسلامية والثقافة الاوربية قد سبقني إليه اكثر من كاتب، وفي مقدمتهم الدكتور احمد ابو مطر. هنا اود ان اشير إلى الاصوات التي هاجمته، بغض النظر عن مكانها داخل النمسا حيث عقد المؤتمر، ومن خارجها، ولكنها التقت جميعا في قدح اهدافه وسب الذين ساهموا فيه وكل انطلق من خلفياته الفكرية والدينية والولائية. فقد هاجمته إحدى الجماعات الاسلامية التي اعتبرت لا يحق للمؤتمر والمؤتمرين مناقشة شؤون الإسلام والدفاع عنه دون العودة لها، وكأن للاسلام مرجعية واحدة خارج العالم الاسلامي والمدافعين عنه محصورة بجهة دون غيرها، مع العلم ان المؤتمر لم يكن مؤتمرا دينيا، وانما سياسيا بعض محاوره عن الارهاب والارهابيين واسائتهم للإسلام والمسلمين. وكان الاجدر بهولاء الذين ارادوا احتكار المرجعية الدينية ولم يبلغوا بعد سن الرشد في معارفها، وان كانوا فعلا صادقين في دفاعهم عن الاسلام والمسلمين أن يرفعوا صوتهم ضد الإرهاب والداعمين للجماعات الارهابية والذين يشرعون لها، ان يقوموا بدعم اي مجهود يصب في مصلحة سمعة الإسلام والمسلمين، وبغض النظر من يقف وراءه ما دام غرضه شريف والمشاركة فيه. وهناك اصوات اخرى نشاز التقت معها في الهجوم عليه انطلاقا من ولاءات مختلفة وحقد دفين على كل ما يصب في مصلحة أمن الشعوب واستقرارها ومنها الشعب العراقي ومستقبله، وثانيا لضحالة فكرها وماضيها السياسي والعقدي والارتباط بالوطن التي يتبجحون الانتماء إليه، وبالتالي لم تستطع تلك الاصوات جميعها من ان تخرج من عنق الفراغ الذي نفثت فيه حقدها وانفجرت كفقاعات ذات رائحة كريهة، وقد حقق المؤتمر اهدافه.
ان الارهاب حرم المؤتمر والمؤتمرين مشاركة العديد من قادة الفكر في العالم العربي كما هو الحال من المملكة العربية السعودية في الوصول إلى فيينا لمشاكل التأشيرة والنقل وكذلك لاكثر من شخصية فكرية وسياسية من داخل العراق. ان الارهاب الذي اخذ يخيف المجتمعات الاوربية المفتوحة والديمقراطية بدأ يجني ثمار العلقم المرة المسممة في غلق منافذ تلك الدول وحرمان مثقفيها من الالتقاء بنظرائهم من مثقفي العالم العربي والإسلامي لتبادل الرأي حول مستقبل الاجيال القادمة وحصانتها من التطرف وانزلاقها إلى جوف الجماعات الارهابية. وفي هذا الخصوص قال سكرتير عام المؤتمر في كلمته الافتتاحية: quot;ان الاعمال الارهابية التي اجتاحت العالم ولا زالت تهدده باسم الاسلام، والاسلام ودينه السمح براء، حرمتنا هذا اليوم من مشاركة نخبة اخرى من المثقفين والسياسيين العرب والمسلمين للوصول إلى فيينا، على رغم جميع الجهود التي بذلتها الجهات الرسمية مما يؤكد على ان عالمنا يحتاج اليوم قبل كل شئ إلى وضع تصور لما يحيق به من مخاطر وكذلك من اجل وضع الحلول الصائبة لتجنب انتشار خطر التطرف وعدم الاعتراف بالآخر وكذلك من اجل التعايش السلمي بين القوميات والديانات في الدولة الواحدة او الدول المختلفةquot;. ولسوء الحظ تخلف ايضا اكثر من مثقف عربي له منزلة خاصة في الدفاع عن العراق والعراقيين، اما خوفا من خطر الارهاب عليه وعلى اهله في بلده او لعدم تمكن المنظمين من شراء بطاقة quot;سفر درجة اولىquot; بدل الاقتصادية.
ان مؤتمر فيينا سيبقى خطوة في تجميع القوى الخيرة في العالمين العربي والإسلامي وفي دول الاتحاد الاوربي للوقوف ضد التطرف والارهاب. ان تجمع شخصيات من داخل المؤتمر ومن سينظم إليهم فيما بعد من خارجه سوف يحول قرارته إلى واقع ملموس على المدى القصير والبعيد في لقاء آخر اكبر واوسع سيضم الاصوات الخيرة الرافضة للارهاب والتطرف بكل انواعه والداعية للتعايش السلمي بين القوميات والديانات والطوائف في البلد الواحد او البلدان المختلفة والتي تعمل من اجل حقوق الانسان وضد الانظمة الشمولية مهما كان نوعها، دينية كانت او قومية. ان المؤتمر كان خطوة في طريق الالف ميل. فشكرا لمن مد يد العون لانجاحه وشكرا لم ساهم فيه وشكرا لمن اراد المشاركة فيه ولم يستطع لسبب من الاسباب. ان المؤتمر كان من اجل نبذ التطرف والارهاب والمنظرين لهما والذي يربط بالمسلمين وبالإسلام وهما منهما براء.
للمزيد اضغط على الرابط التالي:
http://www.adnki.com/index_2Level_Arab.php?cat=Politicsamp;loid=8.0.255846005amp;par=0
- آخر تحديث :
التعليقات