من الناحية الاقتصادية، تسعى الدول الى ان تصبح الطبقة الوسطى في المجتمع هي الاكبر. ثم قلة من الاغنياء، وقلة من الفقراء.
وما ينسحب على الاقتصاد يجب ان ينسحب على الدين، بمعنى ان تكون هناك طبقة متوسطة دينيا، ثم قلة من المتشددين، وقلة من الليبراليين.
لكني لاحظت مؤخرا ان الطبقة الدينية المتوسطة في العالم العربي والاسلامي تتأكل كما هي الطبقة الاقتصادية المتوسطة تتآكل.
في المجتمع السعودي، على سبيل المثال، وفي شهر رمضان، اتيحت لي الفرصة لكثير من اللقاءات مع مثقفين، وبعض رجال الاعمال، ونماذج متعددة من الافكار والشخصيات.
لاحظت ان الطبقة الدينية المتشددة اكثر مما تصورت، حتى لتيبح دم كل من لا يصلي في المسجد.
وأن الطبقة الليبرالية المتطرفة اكثر مما تصورت، حتى الالحاد وانكار الله والانبياء.
ما عادت هناك طبقة دينية متوسطة، لا في المجتمع السعودي، ولا في معظم المجتمعات الاسلامية الاخرى.
بات عليك ان تنتمي، دون ان تدرك، لأحد تيارين: متشدد دينيا، أو متشدد الحاديا.
ما عاد يمكن ان تمسك العصا بالنصف، فما عادت هناك عصا بل سيف، والامساك به من النصف يقطع.
ملاحظتي الثانية، ان التيارين يستمدان قدرتهما على البقاء من بعضهما البعض. فكلما ازداد التشدد الديني، كلما كبر التطرف الليبرالي وازداد عمقا. والعكس بالعكس، كلما زادت الافكار الليبرالية تطرفا، كلما ازداد التيار الديني تشددا.
القاسم المشترك بين التيارين هو الدين: واحد يتمسك به حد التشدد، وآخر لا يؤمن به حد الالحاد.
من هنا اخلص الى ملاحظتي الثالثة وهي ان معظم انصار التيارين هم مزيفون. او فالنقل انهم غير صادقين في افكارهم وما يدعون اليه. فمعظمهم يؤمن بما يؤمن به من باب الكره للآخر، او اغاضته، لا من باب القناعة بما هو عليه.
المتطرفون دينيا يكاد معظمهم لا يعرف شيئا عن اسلامهم اكثر من صلاة عبثية وصوم كيفما كان. عدا ذلك لا شيء.. على الاطلاق لا شيء. ثم يكفر هذا ويحل دم ذاك وهو اكثر الناس جهلا بالله على الارض ولو استطالت لحيته حتى تعفرت بتراب الكعبة.
بالمثل رأيت الكثير من المتطرفين في ليبراليتهم، لا يملكون حجة فيما يؤمنون به اكثر من استهزائهم باصحاب الفكر الديني المتطرف، دون ان تكون لأحدهم اي معارف فلسفية او علمية قديمة او حديثة لما يتحدث به.
ما اريد ان اخلص له ان المجتمع يسير في اتجاهين متناقضين، كرأس سيف قد انشق اعلاه. وهذا الشق يمتد يوما بعد آخر. وكل يعتمد على الدين في فلسفته. او بمعنى اصح: يستغل الدين لتبرير موقفه.
لكن ماذا ينبغي ان نفعله لكي نصلح الشق؟
اقول انه يجب أن لا نفعل شيئا..
لندع كل انسان وما يؤمن به دون تدخل منا.
اي تدخل سيزيد الامر سوءا.. لندع من لا يؤمن كما هو، ولندع من يبالغ في ايمانه كما هو، لندع كل انسان يفعل ما يريد ويؤمن بما يريد.
لا يمكن ان تفرض على انسان ما يؤمن وما لا يؤمن به. فاليدن عقل ومحبة، وعندما يصبح اكراه وعنف لا يعود دينا، بل عذابا ابديا.
انا لست انادي بمجتمع علماني، بل بمجتمع عقلاني يدع الانسان يعمل ما يؤمن به، طالما احترم رأي الآخر وفكره. فالانقسام يزداد، ومحاولتنا لفرض رأي على آخر، سيزيد من حجم هذا الانقسام.
المجتمعات الاسلامية متخاصمة مع ذاتها. و المسلمون متخاصمون مع ذاتهم.
المتطرفون مزيفون. والليبراليون مزيفون. وكل يتحدث باسم الله و الدين.
لكن لا الليبراليون سيهزون عرش الله، ولا والمتشددون سيجعلون العالم مسلما كما يريدون. فالدين لله والارض للجميع.
وكفانا زيفا.. ومزيفون..!
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات