يصحوالمواطن في البلدان الغربية كل يوم ليعثر على صرح علمي أو ثقافي جديد أو مختبر طبي جديد، فيما يصحو المواطن العربي كل صباح ليجد سجنا جديدا بجوار بيته، وهذه السجون لا تبنى بالحجارة والاسمنت فحسب، بل توجد سجون تبنى بحجارة القانون وأخرى بحجارة الاصلاح.. وسجون أخرى غير مرئية ويحرص الأوصياء على تشييدها في عقل كل مواطن عربي!

لن تكون الأمة قادرة على الرد على كل من يستعديها في الغرب من سياسيين أو رجال دين قبل هدم هذه السجون، المرئية وغير المرئية، والمزدحمة بشئ واحد : العقل، الذي أراد صلاح هذه الأمة حتى تكون قوية كما كانت أيام الخليفتين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب.

لن تكون الأمة قادرة على تحدي الآخر ومواجهته، سواء كان الغرب أو أية قوة على سطح الأرض، إلا عندما تستبدل صناعة الخطابات الحماسية والتمسك بالتاريخ والبكاء عليه بـquot;خطابات صناعيةquot; يمكنها على الأقل أن تصنع إبرة أو صاروخا أو حاسوبا، بعد عصور غابرة كانت تصدّر فيها علومها في الفلك والطب والرياضيات والكيمياء إلى كل أمم الأرض.

وتبدأ حكاية مأساة هذه الأمة من الشباب العربي المغلوب على أمره. يدخل الشاب في بلادنا العربية وأمتنا الاسلامية quot;المجيدةquot; إلى الجامعة، ويتخرج فيها، ثم يكتشف بعد ذلك أن اسمه موضوع على القائمة الألف للعاطلين عن العمل، وإذا نطق بكلمة سيتحول اسمه بأمر إداري إلى قوائم المفقودين السياسيين. فيما يتخرج الشاب في بلدان الغرب وقد أصابته الحيرة من وفرة الوظائف أمام ناظريه، وإذا لم تعجبه أي منها ستزوره الهيئات الاجتماعية وتضعه على قائمة العاطلين ليتلقى تعويضا شهريا وليس رفسة على مؤخرته على الطريقة العربية quot;المجيدةquot;.

وطبعا إنما يقصد كاتب هذا المقال بالشباب quot;الإناث والذكورquot; معا في بلادنا العربية، طالما أن الأنثى أكثر تعاسة من الذكر وأكثر تعرضا للبطش والعنف من الأسرة إلى المجتمع حتى الدولة، وهنا بالتأكيد لا يجوز التعميم. وإذا استطاعت التخلص من سلطة الشقيق، كونه الذكر الذي يظن نفسه نابليون بونابرت العربي، لن يرحمها المجتمع إذا قررت أن ترتدي الزي الذي تحب وتحمل الفكر الذي يمليها عليها قلبها وعقلها، وإن رحمها المجتمع لن يرحمها الأوصياء الكثر على المجتمع الذين انقطعوا عن التفكير بأحوال الأمة ودراسة الأسباب التي أوصلتها إلى هذا الضعف، وانشغلوا في القاء المحاضرات حول ما إذا كانت القبلة حلال أم حرام وفيما إذا كان شم الورود المزروعة في أراض غير أراضي الأمة كفر وخيانة !

إن أول ما يلاقيه اي طالب غربي عندما يدخل الجامعة إما وجه أستاذه الجامعي، المتخرج في كامبردج أو اكسفورد أو السوربون، ليحدثه عن الثورات الأوروبية المتلاحقة ووثيقة حقوق الإنسان، وكيف يصنعون إبرة أو صاروخا أو عجلة سيارة، أو ربما يلتقي بصديقة ذات وجه مشرق.

بينما أول ما يشاهده الطالب العربي عندما يدخل جامعته هو عنصر من المخابرات يسأله عن سنّه وعنوانه وانتمائه ؛ أو يلتقي بأستاذ جامعي تجمعت كل تعقيدات الدهر في وجهه بسبب راتبه الذي لا يشتري له دراجة نارية، أو ربما يتعرف إلى طالب شيوعي أو ماركسي يريد أن يقنعه بأفكار الأخوين ماركس ولينيين، أو بطالب إخواني يريد أن يشده عنوة للانتماء للإخوان المسلمين ويحاول إقناعه أنهم خلاص الأمة، أو ليبرالي يريد أن يقنعه بأفكار quot;لينيين الولايات المتحدةquot;( جورج بوش)، أو قومجي عربي تائب يريد أن يعيد كتابة الخطابات الثورية لعلها تصبح نافعة مثل أوراق التنظيف في المراحيض العامة! طبعا هذا إذا سمح الشخص الأول ( عنصر المخابرات) للشيوعي والإخواني والليبرالي والقومجي بدخول الجامعة.

مسكين هذا الشاب العربي، لأن حياته كلها خيبات أمل وضياع وانكسارات وهزائم. فتارة يصحو على هزيمة 1967 التي تحولت بقدرة قادر إلى quot;نكسةquot;، وتارة أخرى يصحو فيجد فلة من الناس يحملون السواطير ويذبحون بعضهم ويقول إنهم يدعون للاسلام، أو تحيط به فرق الموت المسلحة وغير المسلحة لتجبره على إعلان انتمائه إلى طائفة ما أو مذهب ما وإلا سيلقى مصيره.

وهذا غيض من فيض ما يقع في الأمة ويصيب جوهرها ألا وهو الشباب، وقد صار كل مواطن فيها يردد أسطورة أم كلثوم التي لحنها الموسيقار محمد القصبجي quot;رق الحبيب quot;: quot; صعب عليّ أنام أحسن لشوف بالمنام غير يلي يتمناه قلبي quot;، فمن نجح في القفز فوق كل الخوازيق في النهار ستأتيه بكل تاكيد في أحلامه، هذا إن استطاع النوم.

[email protected]