بغض النظر عن ان حكم الاعدام شنقا حتى الموت الذي اصدرته المحكمة الجنائية العراقية الاحد الماضي، سينفذ بصدام حسين ام لن يدخل حيز التفيذ، فهناك فترة للطعن بالقرار ومناشدة محامي الدفاع المجتمع الدولي للتدخل للحيلولة دون تنفيذه... فانه سيكون حدثا تاريخيا ومنعطفا في النظام السياسي والقضاء العراقي، او قل الشرق اوسطي. فصدام اول زعيم دولة عربية يمثل امام محكمة جنائية مدنية نظرت في تهم رفعت ضده، وتوفر له حق الدفاع بفريق من المحامين معترف بخبرتهم في العمل الحقوقي، ويوفر له القضاء شفافية جلسات المحاكمة، حيث بثت وقائعها من خلال شاشات التفلزيون.
ودون شك ان العالم سيكون افضـل بكثير بعد غياب دكتاتور أي دكتاتور كان،، لانه يقريب تحقيق الحلم البشري باقامة الانظمة السياسية القائمة على القانون وصيانة حقوق الفرد وكرامته، في ان تتحول الدولة ليس لاداة قمع واضطهاد، تحتكر فيها نخبة صغيرة او فرد السلطة المطلقة وتتحكم بحياة المواطن وبارادته وفكره وحتى برغباته واحلامه المشروعة، بل ان تكون الدولة مؤسسة (مؤسسات) لخدمة المواطن والمجتمع.
ان الحكم حقا صدر بقضية واحدة، لكن الذاكرة الجمعية تحتفظ ايضا بجرائم الطاغية الاخرى الذي سول لنسفه وبذريعة الدفاع! مرة عن quot;الحزبquot; فقتل في ليلة واحدة 31 من اقرب رفاقه واقدمهم عضوية، تخوفا من منافستهم له على المنصب الرئاسي، كان من بينهم رفاق درب وابناء عمومة ومدينة واقارب، ومرة عن امن الدولة فصدرت بمباركته الاحكام التعسفية بمئات الالاف من العراقيين بتهمة الخيانة، وطرد عشرات الالاف في ليلة غبراء الاخرين بحجة اصولهم الايرانية، واخرى عن quot; الحلم العربي ( المرعب) باثارته الحرب بدوافع غامضة ضد ايران واحتلاله دولة الكويت الذي هشم به لحمة العالم العربي، بجرائم التي اقترفتها قواتها وجحوشه من النهب والسلب والاغتصاب في هذه الدولة العربية، وما جرته جريمة استخدام الاسلحة على شعب العراق الكردي التي ارتكبها باسم وحدة العراق اضافة لملاحقة ابناء الاديان والمذاهب الاخرى ومخلفات المقابر الجماعية وما لم يتم الكشف عنه لحد الان. ان جرائما لاتحصى ارتكبت باسم الوطن مرة والقومة العربية وتحرير القدس، مرة اخرى. وهذا ليس بغريب فكافة طغاة العالم يرتكبون الجرائم تحت يافطة الاهداف السامية.
ان اهمية الحكم بالاعدام شنقا حتى الموت بطاغية العراق نُطقت امام مثول الطاغية quot; المتهمquot; نفسه وهو حي. وبحضوره جاء سرد المواد القانونية التي عوقب بها quot; المتهمquot; لارتكابه جرائم بشعة غير انسانية ضد ابناء شعب العراق( في الدجيل). وان ادانته جاءت بموجب القانون وليس بغيابه. فالتاريخ اصدر مرات عديدة، وياللاسف حكمه على الطغاة بعد موتهم. وحاكم التاريخ غيابيا ادولف هتلر على جرائمه ضد الانسانية، وجرت محاكمة الطاغية جوزيف ستالين بعد وفاته المفاجئة عام 1953 ، في تقرير القاه سكرتير اللجنة المركزية نيكتا خروشوف عام 1956 حيث فضح الجرائم الوحشية التي ارتكبها نظام ستالين الشمولي وتبرئة الملايين من تهم نظام ستالين الصورية. والان امام اعيننا يجري احقاق العدالة في تشيلي باثبات الجرائم التي ارتكبها نظام بينوتشيتو في السبعينات ضد شعبه.واللعنة ستطارد الطغاة للابد.
وتذهب بعض القراءات الى ان قرار المحكمة الجنائية العراقية باعدام صدام شنقا سوف يزعزع الاستقرار اكثر في العراق. وتتجاهل تلك التصورات ان ذلك الحكم يحظى بدعم وتاييد غالبية العراقيين. وانه سوف يحبط امل الكثير من التشكيلات المسلحة الارهابية في الرهان بان ممارساتها القتل الوحشي والمجاني ستنقذ صدام وترغم على اعاده للحكم. الى ذلك فان القرار بحق الطاغية كان جنائيا بحتا. ان المتهم صدام والاخرون بل وحتى فريق الدفاع سعى الى تحويل جلسات المحكمة الى محاكمة سياسية، بل وما زال يسعى، بينما حرص القضاة العراقيون على ان تكون قضية صدام جنائية، انطلاقا من رغبتهم في ان يكون القضاء العراقي سلطة مستقلة. وقد اثبتت سير الجلسات هذا المنحى.ولذلك فان تلميح البعض بان قرار الاعدام جاء باملاء ارادة اجنبية أي امريكا يبعث على السخرية. لان المحكمة اجلت النطق بالحكم عدة مرات وفقا لطلب فريق الدفاع. ان قرار المحكمة باعدام صدام حسين حتى من الناحية السياسية كان قرارا عراقيا محضا. انه عكس تطلعات ورغبات ملايين العراقيين. وربما انه لقى رفض فئة اجتماعية صغيرة كانت مستفادة من النظام الدكتاتوري/ الشمولي/ المذهبي، على حساب الاغلبية.
ان قرار المحكمة بحق الطاغية لم يكن باي حال من لاحوال قرارا سياسيا او قرارا تحكمت به القيادة السياسية. ولذلك فان قرار المحكمة باعدام صدام لايمكن ان بحد ذاته سببا ان يتحول عاملا لانقسام شعب العراق. ان حاكما طاغي ومستبد، حاكم اذل قطاع واسع من العراقين واعتدى على دول عربية واسلامية، رغبة في تحقيق مطامحه وهلوسته السياسية، لايجب ان يكون سببا في انقسام شعب العراق. ولايمكن ان يكون.انه يفتح افقا جديدة للعراقيين في المصالحة الحقة وتنقية الاجواء وارساء تصميم اليات نظام الحكم الجديدة في اطار دولة عراقية ذات سيادة، والتعاون لتصفية مظاهر العنف ومنظري تحقيق الاهداف السياسية بالاعمال الارهابية.
ان قرار المحكمة وسواء دخل حيز التنفيذ او عرقلته اجراءات قانونية او سياسية او غيرها ،لن يضفي التعقيد على عملية المصالحة والوفاق الوطني. ان القسم الاعظم من شعب العراق يرغب في الحياة بظل السلام الاجتماعي ونظام ديمقراطي نظام يهتدي بالدستور والقوانين ويحترم راي الاقلية السياسية ويضمن حقوق الاقليات القومية والدينية.
لقد كان قرار المحكمة بحق الطاغية، ومهما كانت ردود الفعل عليه، وان كان سيدخل حيز التنفيذ او لا، حكما باي طاغية في المنطقة، وقرارا بان عهد الطاغاة قد ولى للابد وان الشعوب قادرة على اصدار حكمها
* [email protected]
التعليقات