حلقة برنامج quot;الاتجاه المعاكسquot; بقناة الجزيرة يوم الثلاثاء 7 نوفمبر2006، حلقة فريدة وتاريخية بحق، وليس كما درجنا على اعتبار كل أحداثنا تاريخية، فقد كانت الحلقة عبارة عن مقتطفات من البرنامج خلال السنوات العشر الماضية، التي هي عمر قناة الجزيرة الميمونة، ونقول حلقة تاريخية بحق، لأنها خلال الستين دقيقة المحددة للبرنامج قد أوضحت - بجلاء وصراحة يصح أن نقول فجة - ما هي قناة الجزيرة وما رسالتها، كما أوضحت من هو فيصل القاسم، وما هو الدور الذي اختار أن يؤديه في الساحة الإعلامية العربية البائسة!!
ما تدعيه قناة الجزيرة، ويدعيه برنامج quot;الاتجاه المعاكسquot; بالتحديد، هو أنه يقدم quot;الرأي والرأي الآخرquot;، وحين يدعي أحد ادعاءً - خاصة إن كان طيباً - عليك أن تصدقه إلى أن يثبت العكس، وهذا ما فعلناه جميعاً، وبالتحديد قوى الاستنارة في عالمنا العربي، وكلنا نعرف ما درجت عليه هذه القناة في العشر سنوات المنصرمة، من نهج يتبنى الشحن العاطفي والتهييج وبث الأحقاد، ودفع المنطقة لصدام ثقافي وحضاري مع العالم كل العالم، ومع ذلك لم نستطع أن نحدد بصورة باترة وحاسمة موقفنا من هذه القناة وبرامجها، فقد أتت برموز الليبرالية على شاشتها ليعرضوا قضيتهم، في مواجهة رموز الضفة الأخرى من النهر، بل في مواجهة تسجيلات بن لادن والظواهري والزرقاوي، وما بدأ شكاً أو شبهة أخذ مع الوقت يتحول إلى يقين، أن رسالة هذه القناة تحريضية ظلامية، وأن هامش الفكر المستنير الذي تسمح به له عندها وظيفة أخرى غير quot;الرأي والرأي الآخرquot; الذي تدعيه، وإنما تأتي به ليكون هدفاً لرميات وطلقات أشاوس ومجاهدي الإرهاب والظلامية، وقلنا فيما بيننا وفي العلن أم مذيعي الجزيرة المحترفين يعملون حرفيتهم لإظهار الجانب الليبرالي في برامجهم بمظهر المهزوم، وغير القادر على مواجهة صولات وجولات وصيحات الأشاوس المجاهدين والمناضلين، وكلما توالت الأيام والبرامج كلما ازدادت الصورة وضوحاً، وكلما تحول الاتهام إلى حقيقة دامغة.
كان مشوار الجزيرة يتقدم من نجاح إلى نجاح مع ازدياد وتيرة الإرهاب والعنف بالمنطقة، ومع ازدياد الإقبال الجماهيري على هذه القناة، مقترناً بالتعاطف مع فكر الكراهية والذبح ورموزه، لكن القناة لم تكف عن المكابرة، ولم تكف عن الحديث عن ميثاق شرف إعلامي، ولم تكف عن إدعاء تعرضها للظلم، وعن استجداء التضامن مع مصورها المسجون مع صفوة إرهابيو العالم في جوانتانامو، والتضامن مع المراسل المحكوم عليه في أسبانيا لتعاونه مع أعتى التنظيمات الإرهابية التي عرفتها البشرية، ومع ذلك بقي الحكم على هذه القناة مجرد اتهام ممن تقدمهم برامجها على أنهم عملاء للغرب، وبقيت لدي العاملين بها جسارة التبجح والمكابرة، بحيث طالعتنا في معرض احتفالاتها بسنواتها العشر ببرنامج يتحدث فيه الرموز الذين قاموا بإنشائها، وطالعنا الصقر العجوز جميل عازر، ليتفاخر بأنه صاحب أول وأكبر كذبة في تاريخ تلك القناة، وهي شعار quot;الرأي والرأي الآخرquot;، الأمر إذن مخطط منذ البداية، فلم يفكر مسئولو القناة بتغيير شعارها بعد فترة، ليتبنوا شعاراً آخر، يتناسب مع أدائها الفكري، مثل شعار quot;برميل حقد لكل مواطنquot;، أو شعار quot;حزام ناسف لكل طفل وطفلةquot;، أو شعار quot;إرهابي من كل قرية ومدينة عربيةquot;، شعارات كثيرة كان بالأولى أن تتحول قناة الجزيرة لواحد منها، لتمتع بقبس واهن من المصداقية، في مقابل طوفان التزييف الذي تطلقه ليجتاح هذه المنطقة المنكوبة، لكنها لم تفعل وفضلت المكابرة، ولكن إلى حين.
لكن السيد فيصل القاسم ndash; الأغلب دون قصد - كان صادقاً لأول مرة معنا ومع نفسه، في هذه الحلقة التي خطط أن تكون تلخيصاً لجهوده الرائعة والمجيدة في تسميم العقل والثقافة العربية، فلقد توقعت منه أن يكون كعادته مراوغاً ماهراً وذكياً، فيأتي بمقتطفات من أقوال الجانبين، ولا مانع أن يعطي المجال الأكبر لجانب الظلام والكراهية، فهذا ما اعتدناه منه، وهكذا استدرجنا واستدرج الكثيرين للمساهمة في برنامجه المهزلة، لكننا فوجئنا بأن الستين دقيقة كلها لا تعرض إلا حملات مسعورة، لأناس نعرف وجوههم غير السمحة حق المعرفة، يقولون أعجب وأبغض كلام يمكن أن يطرق سمع إنسان يتمتع بأي ذرة من الإنسانية والتعقل، وفي المقابل يقطع على أي رد من الجانب الآخر، بل وأتي بالكثيرين منهم وهم ينسحبون، ليوحي وكأنهم غير قادرين على المواجهة، وهم فعلاً كذلك، فكيف يواجه هؤلاء العلماء المتحضرين طوفاناً من السباب والصياح والجهل؟!
لقد قدم لنا السيد فيصل القاسم أصدق حلقة عن قناة الجزيرة، ستون دقيقة كاملة كان فيها الرجل والقناة صادقين مع توجهاتهم ومع الجماهير، فالرجل بهذه الحلقة يقدم لرؤسائه وللجماهير حصيلة مجهوداته خلال عشر سنوات في دعم الإرهاب ونشر الكراهية والعداء للعالم وللحضارة، ونحن نقول له أفلحت ونجحت، وليس من المبالغة أن نعزي لك ولقناتك الفضل فيما تموج به الساحة الآن من تطرف وتصاعد غير مسبوق للإرهاب والتشيع للإرهابيين.
لم يعد الأمر بعد الآن مسألة اتهام أو شك، بعد أن قدم لنا فيصل القاسم حلقة واحدة تختصر كل كلام ومناقشات، فهذه هي الجزيرة وهذه هي برامجها وهؤلاء هم مذيعوها الأشاوس، وأعتقد أن واحدة من منظمات الأمم المتحدة لابد ستحتفظ بتسجيل لهذه الحلقة على الأقل، لتكون ضمن وثائق ستكون مفيدة حين يأتي يوم الحساب، فتاريخ تقدم الحضارية الإنسانية يعلمنا أن الظلمة مهما طالت فلابد أن تشرق الشمس، ولابد أن يأتي اليوم الذي تستفيق فيه شعوب المنطقة من خدر الكراهية وإدمان سفك الدماء، يومها لن يكون الحساب فقط لمن كانوا يمسكون بالسيوف والخناجر والمتفجرات، بل سيكون الحساب أيضاً لمن لعبوا الدور الأكبر في التحريض على تحول شعوبنا المسكينة والفقيرة إلى قنابل تتفجر في وجه العالم ووجه الحضارة.
شكراً فيصل القاسم، فقد كنت صادقاً معنا ومع العالم، لمدة ستين دقيقة!!
[email protected]