يفترض أن تكون فصائل أي مقاومة شعبية في أي بلد في العالم ضد سلطات الاحتلال أو الأنظمة الدكتاتورية بقصد الدفاع عن كرامة شعبها واستقلال وسيادة بلدها، ويفترض إن تحرص تلك الفصائل على حماية أبناء شعبها من ظلم الاحتلال الأجنبي ومن أي تدخل من شأنه الأضرار بحياة الناس وبمصالح الوطن وخدش كرامتهم وتعويق سبل حياتهم.
وسميت المقاومة لأنها تواجه قوة غاشمة سواء كانت قوات الاحتلال أو الأنظمة الدكتاتورية والظالمة بقصد العمل على إيقافها أو إسقاط مشاريعها، فتقاوم خططهم وتواجه قوتهم بالقوة المضادة التي تستهدف وجود الاحتلال واستمراره ، ورأس النظام الدكتاتوري وذيوله وأتباعه.
ورفع السلاح من قبل الأحزاب الوطنية ضد صدام مقاومة تعبر عن الفعل الوطني والإرادة العراقية الصادقة، غير أن تلك المقاومة لم تطعن عراقياً ولم تخلق التبريرات لإشاعة القتل والجريمة بين العراقيين، كما لم تنشر الإرهاب وسط المدن والأسواق، وإنما وقفت تلك المجموعات التي تعددت أطيافها ذلك الموقف الوطني المدافع عن حق الشعب العراقي في الحياة الحرة والكريمة وإسقاط الدكتاتورية.
وخلال فترة معارضة الطاغية والعمل على طرق جميع السبل والأساليب لأزاحته عن السلطة، ليس غريباً إن تتخلف فصائل عراقية ومجموعات بشرية عن الالتحاق بركب العملية السياسية، وأن تختلف مع مجموع الأحزاب التي تصدت للمسيرة السياسية في العراق بعد سقوط الصنم في طريقة الوصول الى السلطة، وفي الوسائل التي تمارس للوصول الى الهدف، وليس غريباً أن يكون الاختلاف في اختيار الطريق والنهج الذي تراه سليماً من وجهة نظرها، فقد تجد بعض الحركات السياسية أن القوات الأجنبية التي احتلت العراق وساهمت بفعالية مباشرة في إسقاط صدام وأزاحته عن السلطة الظالمة التي جثمت على صدور أهل العراق تحريراً، بينما تراه جهات سياسية أخرى احتلالا بغيضا وأن اسقط سلطة الصنم الأوحد، وتجد إن مواجهته المسلحة واجب وطني وشرعي، وتراه جهات أخرى احتلالا عسكرياً لمصالح دولية وخطط استعمارية ما كان يجب إن يتم إسقاطه بهذه الوسيلة، وتراه ايضاً فئة صغيرة انه موجه ضد النظام الصدامي البعثي الوطني الذي ماكان ينبغي أن يتم إسقاطه بأيادي أجنبية، مما يوجب التصدي لهذا الاحتلال ومن يقف معه بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، ولكن الأمر المهم إن يكون الجميع حريصاً على حياة المواطن العراقي وحريصاً أيضاً على المستقبل العراقي مع ضمان كرامة وسيادة العراق، ويفترض إن جميع الأطياف السياسية تريد مصلحة الشعب والوطن.
وفي خضم تعدد تلك المواقف والافتراق الذي حصل بينها مؤقتاً، وبينما تتمترس الأطياف وتتباعد القوى وتختلف الرؤى وتنعدم لغة التفاهم والتقارب، تدخل أكبر منظومة للإرهاب الدولي متمثلة في عناصر ( منظمة القاعدة الإرهابية )، والتي ماكان باستطاعتها الدخول الى التراب العراقي إلا في حال وجود سلطة صدام ومن خلال تطابق مواقفها وأهدافها، أو في حال الانفلات والتسيب الذي تعمد الحاكم المدني بول بريمر سيء الصيت على أحداثه ليتسلل خلاله أعداد من ذيول وعناصر تلك المنظمة الإرهابية التي كشفت عن عدائها للإنسانية في كل زمان ومكان، والتي أعلنت استهدافها لكل مناحي الحياة العراقية وحربها الشعواء على أهل العراق .
واستطاعت تلك المنظمة الإرهابية أن تخلق لها بؤر وأوكار وأن تجد لها كمائن ومقرات ضمن المناطق التي تم عزلها طائفياً، لتؤسس فيها قواعد ونقاط حركة تدعو لقيام الأمارة المتطرفة والتي سميت بالإسلامية جزافاً، من اجل تعيين بعض الأسماء الهجينة والتي تفتقد للسيرة الاجتماعية الطيبة والسلوك والتفكير السوي وللتاريخ النظيف لتسميتهم أمراء حتى يكون الإرهابي أسامة بن لادن خليفة وأميراً عاماً على المساحة التي يحلم بها في هذه الدول الإسلامية المنكوبة بت وبمنظمته الإرهابية، كما كان يحلم سابقاً عندما كان يتدرب في أروقة المخابرات المركزية وبأشراف مباشر منها أيام الاحتلال السوفياتي لأفغانستان.
وبكل الوسائل استطاعت القاعدة إن تجند أعداد من البهائم البشرية التي وظفتها في سبيل الانتقام من أطفال العراق وفقراء العراق، بتفجير تلك البهائم لأجسادها وسط تجمعات العراقيين انتقاماً منهم في الأسواق والأفراح والمآتم وأمام أفران الخبز، لعل عقل بن لادن وشريكه المجرم الظواهري تشبع من جريان انهار الدم وقطع الأشلاء المتناثرة والأرواح البريئة التي أزهقت من أهل العراق، ولعل تلك العقول التي سيطرت عليها الجينات الحيوانية الهجينة تكتفي بأعداد الناس الذين يتم قتلهم يوميا في العراق، مع تمكن القاعدة الإرهابية من تجنيد مثل تلك البهائم لوجود الأرضية المتناسبة بوجود التخلف العربي والواقع السياسي والسلطوي المتعارض مع الديمقراطية المزري، ومع توفر المال والسلاح والإمكانيات التقنية التي تتعاون معهم فيها دول وفضائيات وصحف لأسباب متعددة ومختلفة من اجل تضييق الخناق واشتداد الهجمة على أهل العراق.
ومع تلك القاعدة الإرهابية تزامن ظهور أعداد من المجرمين الذين تم أطلاق سراحهم من السجون وإعفاءهم من العقوبة قبيل سقوط الصنم، وممارستهم للجريمة دون وازع من ضمير ودون ردع قانوني مناسب، بل وتمكن تلك المجموعات من الاندساس في تنظيمات سياسية مسلحة وفي صفوف الأمن الوطني، وممارسة الجريمة المنظمة بشكل سافر ومنسجم مع الجرائم التي ترتكبها تلك المجموعات السابقة.
وإذا كان للمقاومة في معانيها الإنسانية النبيلة من دور فقد تم استلابه وتوظيفه لصالح تلك المجموعات الإرهابية والإجرامية، بل وصار كل من استطاع إن يتبرقع ويغطي نفسه بغطاء المقاومة، ووجد في ذلك الغطاء تبريراً وتمريراً لماضية السياسي المنبوذ وتقويما لشخصيته المريضة المتآكلة، أو لأفكاره البالية، وهكذا صارت أعداد ممن لاتتشرف بهم المقاومة تزعم أنها مدافعة عن المقاومة الوطنية في العراق زيفاً، وصار كل من يريد السوء بالعراق وبالعراقيين متبرقعاً بالمقاومة للاحتلال ويطالب بالمزيد من دماء العراقيين وتخريب العراق ويصدر البيانات ويرسل التصريحات ويتصدر الفضائيات والصحافة المعادية للإنسان في العراق، ووصل الحد الى أن يطالب هؤلاء وباسم المقاومة أعادة الدكتاتور صدام الى السلطة كشرط لإيقاف نزيف الدم أو كسبب لإيقاف الاغتيالات والكف عن التفجير والنسف.
واللافت للانتباه أن هذه القوى تنامت وكبرت أزاء ضعف متعمد في الجانب الأخر، ولعدم قدرة المقاومة على كشف نفسها أو الإعلان عن مرجعيتها وطرح برنامجها تم سحب البساط من تحتها وسرقة عملها وتوظيف اسمها في العمليات الإجرامية الخسيسة ضد العراقيين، وباتت قوى المقاومة العراقية لاحول لها ولاقوة فهي لايمكن إن تكون ضد العراقيين لأنها جزء منهم ويفترض أنها تضحي في سبيلهم، ولايمكن إن تحصد أرواح العراقيين وتعمل على قتلهم وتخريب حياتهم وتفجير الخدمات الأساسية التي تعينهم في حياتهم البائسة التي خلفها النظام الدكتاتوري باعتبارها ممثلاً لجزء من هذا الشعب من الفدائيين داخل الوطن، وهكذا سرقت القوات الإجرامية كل أفعال المقاومة وشطبت على مصداقيتها ومشروعها وجيرتها لمصالحها، حتى عد الكثير من الكتاب والمحللين السياسيين أن لاوجود لمثل هذه المقاومة، وعدد آخر عد المقاومة جزء من الإرهاب في العراق، وحمل العديد من أهل العراق تلك الجهات التي تزعم أنها المقاومة نتائج العنف والأفعال الإجرامية وعمليات الخطف والابتزاز والنبش الطائفي التي ارتكبت في العراق.
والحقيقة أن التقاء المصالح بين قوى الإرهاب والجريمة وبقايا ذيول صدام يجعلها تنسق في عملها بشكل مباشر أو غير مباشر، وكل ما يصدر من أفعال من المقاومة يدخل ضمن هذه العمليات لأن مصادرة الحقيقة والقرار بات محسوماً ولم تحرك أية قوة وطنية أو أية جهة معارضة ساكناً للتمرد على منهج قوى الإرهاب أو مجموعات الأجرام، لتخرج من أطار اللعبة والسيطرة الى ساحة الوطن في الهواء الطلق، هذا من جانب ومن الجانب الأخر فأن المقاومة يجب أن تدافع عن حياة العراقي قبل دفاعها عن الوطن، فالإنسان أغلى من الأرض وأغلى من الوطن في كل الأحوال والظروف، وهي تعرف حقاً أن هذه الجهات تستهدف حياة المواطن العراقي بغض النظر عن مذهبه أو دينه أو قوميته، وباعتبار أن الهدف الأساس للمقاومة هو الدفاع عن كرامة وسيادة العراق، وعليها الالتزام بتنفيذ الهدف الأساس الأرأس في الوقوف ضد تلك المجموعات التي أعلنت أنها تستهدف الإنسان في العراق، ولا يعفيها أنها تعلن عدم تعرضها للمواطن العراقي، لأن مهمتها اليوم باتت تكمن في دفاعها عن الإنسان في العراق المستباح والمستهدف، وهو ما سيسجله عليها التأريخ العراقي من انضوائها تحت مظلة الإرهاب والمجموعات الإجرامية وقبولها أن تصبح أداة طيعة بيد أزلام صدام في ظل ظروف صعبة يحتاج فيها ألإنسان في العراق الى وقفتها وقفة وطنية عراقية صميمية بشكل غير مباشر.
كما أن استهداف الشرطة والأمن الداخلي والجيش لايكشف سوى عن نية وهدف مفضوح للمساهمة في الفوضى والخراب ونشر الجريمة في الشارع العراقي وصولاً الى دفع الأمور الى حرب شعبية طائفية تحرق الأخضر واليابس، وبهذا الأمر تخون جميع مبادئ وأهداف المقاومين وتساند قوى الأجرام المعادية لشعب العراق وتتطابق مع الأهداف الإجرامية التي تستهدف حياة الإنسان في العراق.
لاأحد يقف مسانداً للاحتلال إلا العملاء الموغلين في عمالتهم، ولا يعقل إن يرغب احد في أبقاء قوات أجنبية تحتل بلده وتجثم فوق صدور أهله لوترك له الخيار، وبهذا لاتختلف أية شريحة دينية أو قومية أو سياسية عن الأخرى في هذا الأمل عراقياً، ولهذا على من يزعم انه عراقياً ويقاوم الاحتلال أن يقف مع شعبه ومع قواه السياسية يحمي بكل الوسائل الممكنة أرواح المواطنين وممتلكاتهم ومصالح العراق في هذا الوقت العصيب من حياة الشعب العراقي، أو أن يقف مع شعبه بغض النظر عن موقف بعض القوى السياسية مهما كان موقفه من العملية السياسية، وان يتحمل المسؤولية القانونية والتاريخية والوطنية في الدفاع عن العراقيين ومقاومة الاحتلال الأجنبي حتى قبل أن يرفض الانسحاب من العراق ضمن المدد القانونية، ولكن تركه احتلالاً إرهابيا وتجمعاً إجراميا يلغ في دماء العراقيين، بزعم تفرغه لمقاومة المحتل زعماً متناقضاً مع المنطق ويعوزه الكثير، لأن الواجب يقتضي إن يأخذ مبادرة الوقوف بوجه تلك الجهات الإجرامية دون إن تحجب هذا الموقف والمبادرة وجود الاحتلال على الأرض العراقية.
وفي تأريخ المقاومة لشعوب عديدة لم يكن لها مثل تجربة العراق، إذ كانت فصائل المقاومة دائماً القاعدة الأساس والمعين الرئيس لتلك الشعوب، ولم يكن من بينها من اصطف مع مجموعات الأجرام بزعم محاربة الاحتلال.
وإذا كانت بعض الأصوات تزعم أن المقاومة تتشكل من مجموع جماعات بهدف أوحد اسميا هو إنهاء احتلال العراق. وأنها تتشكل من عدة فصائل لارابط بينها، كما تظهر المقاومة أنها مقاومة وطنية ترفض أي نوع من الطائفية والدينية والعرقية والأيديولوجية وأي شيء آخر. من المعروف جيدا في العراق أن المقاومة تشمل الإسلاميون، والبعثيون، والوطنيون القوميون، وفوق كل شيء ينتظم بها من أبناء السنة والشيعة، فأين هو الموقف الوطني أزاء الفتنة الطائفية والتهجير الطائفي القسري وحالات الاغتيالات للرموز الوطنية وللطاقات والكفاءات العراقية ؟ أين هو الموقف الوطني المسؤول إزاء الخراب العراقي وهو يودع يوميا ما لايقل عن 150 شهيداً لايتم التعرف على قتلتهم ؟ ومن الأجدر بالوقوف لحماية أرواح العراقيين أو العمل على طرد المحتلين في بلد يهاجر منه يوميا أكثر من 1000 إنسان ؟ وكيف يتم تفسير هذا التشرذم في المواقف والاستلاب الذي حل بالمقاومة وصادر كلمتها وقيادتها وحقيقتها حتى بات أهل العراق يعتقدون إن المسلحين المناوئين للحكم الوطني بعد سقوط صدام كلهم من الإرهابيين والإجراميين والمتطرفين الذين يمعنون في قتل العراقيين أرضاء لدينهم الذي يختلف عن أديان السماء وقيم الأرض، وبذلك ستخسر العديد من الحركات الوطنية حقيقة عملها وتصطف بشكل غير مباشر مع قتلة العراقيين دون تمييز، وفي هذا الظرف العسير الذي تختلط به الأصطفافات وتتداخل بت الخنادق، ينبغي على من يريد أن يدافع عن كرامة الإنسان وسيادة الوطن، عليه أن يحمي حياة ذلك الإنسان، فلا شيء يعلو على الإنسان لأنه الأساس الذي يقوم عليه الوطن، وهو جزء لايتجزأ من الشعب العراقي، وبالتالي أنه الغاية والوسيلة التي لايمكن المساومة عليها أو الالتفاف عليها مهما كانت التبريرات والذرائع..