يشترك السعوديون والطوارق في الحجاب ويختلفون في تفاصيله؛ الطوارق لاحجاب عندهم إلا لوجوه الرجال، والسعوديون كل شيء عندهم محجوب ماعدا وجوه الرجال الذين يطالهم الأمر أحياناً كأنما يعتورهم الحنين إليه فيتلثمون بأشمغتهم، أو بمعنى أدق quot;يتلطمونquot; وهي حالة استتار تخفي جميع الوجه باستثناء العينين.
الحجاب يتنافى مع طبيعة الصحراء ظاهرياً وإن كان أصلاً فيها باعتبارها أنها انقطاع وانفتاح في الوقت ذاته؛ انقطاع من حيث الصلة بالآخر، وانقتاح بطبيعتها اللانهائية التي تجعل الانبساط سداً منيعاً إذ كل متحرك عليه هو مكشوف وعار، فهي متحجبة في عزلتها لا في مظهرها، وانفتاحها الاجتماعي يقوم على الألفة والمعايشة المباشرة حيث تذوب الحدود، وتنتهك الخصوصية فالعوازل رمزية وافتراضية.
الغزو المدني كان مرعباً لسكونية الصحراء وطمأنينتها خصوصاً في مظاهرها السلوكية ما أعاد الانكفاء الصحراوي في شكل الحجاب، وهو أكثر وضوحاً في المناطق الداخلية لأن الآخر بالنسبة إليها كان معتدياً، والغريب مريباً فاحتفت بالحجاب علامة على الاستتار وطلباً للحماية، أما المناطق الساحلية فهي قائمة على الاتصال والاحتكاك بالآخر تجارة وسياحة وأحياناً حرباً.
الخوف من الآخر ترافق مع موجة دينية صحوية أشعلت روح الخوف، وضخمت مخاطر الاحتكاك بالآخر، محذرة من التعاطي معه، أو قبول أي منتجاته، ودعت إلى العزلة المطلقة جاعلة من الحجاب شعارها الأثير فابتدأت بالمرأة ثم انتشرت موجتها كالوباء مكتسحة وسائل الإعلام والبيوت والكتب وحتى الأقارب والصحاب.
ابتدأ الحجاب الأنثوي معقولاً وشبه شخصي ثم استحال إلى فرض اجتماعي لاتزيغ عنه إلا هالكة، ثم صعدت العباءة من الكتف إلى الرأس، واختفت العينان ماعدا واحدة حتى أصبحت المرأة أقرب إلى السعلوة أو كائنات فضائية لم تهبط في أي مكان آخر!
البيوت التي نخرها هذا الداء بدأت برفع جدرانها، وزادت عليها سواتر عالية إلى درجة أن الشمس قد لاتستطيع إضاءة الداخل. وبدأت النوافذ تصغر حتى قاربت كوى السجون، وانتفعت إلى مافوق قامات البشر فيكون من داخلها محظوظاً إذا استطاع التمييز بين الليل والنهار أو تمكن من رؤية جانباً من السماء. ولأن الأعاصير والأوبئة لاتعرف حداً ولاتقف إلا إذا انقطع أمرها فإن السيارات أصبحت محجبة، وكلما استغرقت في الحجاب دل ذلك على قيمة راكبيها.
اللافت أن الخوف الأولي تلاشى مع الألفة التدريجية مع الانفتاح والتماس مع الآخر، إلا أن الضغط الصحوي رسخ الحجاب وصولاً إلى الأجر، وخلاصاً من الذنب فبقي هو السائد وهو الثابت إلى أن غدا هذا المسلك علامة quot;خصوصيةquot;.
الوضع أشبه مايكون باللجوء إلى السجن والمطالبة بإغلاق أبوابه، وسد منافذه طلباً للأمن والحماية، وتكون متعة السجين الوحيدة التلصص من هذه الكوة لاقتناص شيئاً من الفرجة وهو مايفعله السائقون عند الإشارات فيتلصصون على الواقفين بجوارهم وكأنه يرون بشراً غيرهم للمرة الأولى!
[email protected]