لا أتحدث هنا عن موقع الملائكة في المعركة كما يُفهَم من النص القرآني الكريم، فلذلك حديث سوف استوفيه بعون الله عندما أتطرق إلى معركة بدر في القرآن العظيم، حيث هناك خلافات وتوجُّهات ومواقف متنوعة في خصوص هذه النقطة بالذات، ولكن أريد أن أتطرق إلى ما جاء في الموروث عن هؤلاء الملائكة، الموروث الخرافي والأسطوري والشعبي الذي أبتلى به الإسلام ورسوله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، كمسلم أؤمن بما جاء في كتاب الله عز وجل، ولكن ذلك لا يشرط علي أن أؤمن بكل ما جاء في هذا الموروث، سواء كان في سيرة إبن أسحق أو طبقات بن سعد أو كافي الكليني أو بحار المجلسي، وحان الوقت لتصفية هذا الموروث فيما يخص أشرف خلق الله، ذلك هو النور الرباني محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، ولا يهمني ولن يهمني أن يُرضي ذلك أبا بكر أو عليا أو فلان أو علان، سنيا أو شيعيا، فمحمد أغلى من الجميع، وفوق الجميع.

عمائم الملائكة!
يتحفنا إبن أسحق باكثر من رواية عن سيماء الملائكة الذين قاتلوا في بدر! ومن أبرز هذه السمات كونها ذات (عمائم بيضاء قد أرسلوها على ظهورهم) فيما كانت عمائمهم يوم حنين (صفراء)! ولست أدري سر هذا الاختلاف الصارخ في اللون من معركة إلى أخرى! وقد فتشت عن نموذج لهذه الرواية فيما يسمى بصحيح السيرة ــ وهو مجموع الروايات التي وردت في الصحاح وغيرها مما صحّ إسناده وقد جُمِعَتْ في كتاب مهم عنوانه : صحيح السيرة النبوية، جمعها الدكتور إبراهيم العلي، وهو عالم دين أردني، وقد إعتمدت طبعته الثانية سنة 1996، دار النفائس في الاردن ــ فلم أجده، على أن سند إبن أسحق ضعيف جدا وذلك من البداية، فهو يقول (... وحدَّثني من لا أتهم عن مقسم، مولى عبد الله بن الحارث،عن عبد الله بن عباس، قال : كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء...) / المصدر ص 374 / فالراوية ضعيف بـ (لا أتهم) كذلك ضعيفة بـ (مِقسم)، فقد ذكره البخاري في الضعفاء، وكذلك إبن حزم / مغني الذهبي 2 رقم 6404 /
ولكن لماذا هذا الاختيار؟
أقصد هيئة العمائم!
هل لثقافة ذلك الزمن أثر في هذا الأختيار؟ فإن العمائم تيجان العرب كما نعلم، ولهم في لبسها وخامها ولونها وطريقة التباهي بها وشرفها مذاهب ومدارس وأخبار، وقد أصدم القاري إذا قلت له : أن رواياتنا عن عمائم العرب أكثر بكثير من رواياتنا عن (الحجاب)، بل ليست هناك نسبة تذكر، حتى يحار المرء كيف يتغلب أدب العمامة في حديث رسول الله وأهل البيت على أدب الحجاب، فيما الأول من المستحبات أو المندوبات فيما الثاني واجب كما يقولون!
هنا نستطيع أن نلمس اثر الثقافة، ثقافة الزمن الذي صيغت فيه هذه الروايات في طبع مضمون الرواية سواء فيما يتعلق بعمائم الملائكة أو غير ذلك من موضوعات تمس سلوك الإنسان، وليس سرا، أن الكثير من مواقف وأداب وتصرفات و أذواق العرب أقرتها الشريعة الغراء نصا أو بنحو من التغيير بأضافة أو حذف.
ترى ماذا لو كانث ثقافة ذلك العصر هي ثقافة (الجينز) مثلا؟
لقد مرت رسوم السيد المسيح على نبينا وعليه السلام بنماذج مختلفة في بحر التاريخ الفني الغربي، تارة هو جسد قوي عملاق، وتارة هو جسد ناعم شفاف، تارة هو أبيض الون ترف اللحم، و أخرى هو أسود اللون خشن اللحم، وتارة هو بين هذا وذاك، هل نستبعد أثر التصورات الشعبية وا لثقافات السائدة في هذا الزمن أو ذاك كـ (سبب) جوهري في هذه المفارقات فيما يخص صورة السيد المسيح عليه السلام في أذهان الناس، ومن ثم أنعكاسها على مخيلة الرسامين والفنانين؟
على أن رواية إبن اسحق تعارضها رواية الطبقات، ففي ا لجزء ا لثاني ص 26 نقرا (أخبرنا عتّاب بن زياد، أ خبرنا عبد الله بن مبارك، اخبرنا هشام بن عروة عن عبّاد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير قال : نزلت الملائكة عليهم عمائم صُفر، وكان على الزبير يوم بدر ربطة صفراء قد أعتجر بها)! ولسنا ندري أي عمامة نصدق ذات اللون الأبيض أم ذات اللون الأصفر، عمامة إبن عباس أم عمامة عبّاد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير، على أن الرواية مرسلة.
تتسع مخيلة الواقدي ـ وهو يحرص في كثير من المرات أن يأتي بسند فيما لا سند لابن اسحق فيه!!! ـ لألوان العمائم الملائكية هذه فيقول في مغازيه (... قالوا : وكان سيماء الملائكة عمائم قد أرخوها بين أكتافهم، خُضرا وصُفرا وحُمرا من نور...) / 1 ص 75، بل ويزيد على ذلك (والصوف في نواصي خيلهم)، وهكذا تتصاعد المخيلة الاجتماعية في فعلها السحري، لتصبغ المفارِق بالزمني، والزمني الكثيف وليس الشفاف!
والان ما هو لون تلك العمائم؟ بيضاء، ام صفراء، أم حمراء، أم هي من كل الألوان؟ ربما لو أقترحنا النموذج الأخير سوف نطلق عنان الخيال للفنانين والرسامين، فنكون قد قدمنا خدمة للفن الجميل.
يروي الواقدي (حدّثنا محمد قال : حدّثنا الواقدي قال : فحدّثني محمّد بن صالح،عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الملائكة قد سوَّمت فسوِّموا. فأعلموا بالصوف في مغافرهم وقَلانسهم) / المصدر ص 76. ومحمود بن لبيد هذا يروي عن الرسول الكريم أحاديث ولكن لم تصح له رؤية ولا سماع، أو رأى النبي وهو صغير / تهذيب التهذيب 10 رقم 110 / وعلى قول الواقدي كان عمره ثلاث عشر سنة، فهو صغير السن يوم بدر، وبالتالي، روايته عن بدر أشبه بالمرسلة.
يبدو أن المخيال الاجتماعي (عمَّم) الملائكة بهذه العمائم في سياق القانون الذي يقول أن الحرب خدعة ومكر وتخطيط، أم هي الإستغراق في قيمة العمامة وقيمها وهيبتها في ثقافة ذلك الزمان؟

الملائكة واللون المفضَّل
تقول الرواية (أخبرنا الواقدي قال : وحدّثني موسى بن محمد، عن أبيه، قال : كان أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلِمون في ا لزحوف : حمزة بن عبد المطلب مُعلِم يوم بدر بريشة نعامة، وكان علي عليه السلام مُعْلِما بصوفة بيضاء، وكان الزبير مُعْلِما بعصابة صفراء، وكان الزبير يُحدِّث : إن الملائكة نزلت يوم بدر على خيل بُلق، عليها عمائم صفر، فكان على الزبير يومئذ عصابة صفراء، وكان أبو دجانة يُعلم بعصابة حمراء) / المصدر ص 76 / لقد كانت عمائم الملائكة على لسان الزبير صفراء اللون، ولكن لماذا؟ هل لان عصابته كانت صفراء اللون هي الأخرى؟ هناك زي موحد كما يبدو بين عمائم الملائكة وعمامة الزبير! ومما يسهل الخطب هو أن الرواية مرسلة. تُرى كيف سيكون لون هذه العمائم لو أن عليا تحدث؟ حتما سيكون البياض هو اللون!

(إعمى) ينتقم!
تقول رواية إبن اسحق (وحدّثني عبد الله بن أبي بكر، عن بعض بني ساعدة، عن أبي أسيد مالك إبن ربعية وكان شهد بدرا، قال : بعد أن ذهب بصره : لو كنت اليوم ببدر ومعي بصري لأ ريتكم الشِعب الذي خرجت منه الملا ئكة، ولا اشك فيه ولا أتمارى) / المصدر ص 373 /
هل هي عقدة العمى؟
الرواية ضعيفة بـ (عن بعض بني ساعدة)!
هناك سر خفي في السند، ذلك أن أبي أسيد هذا هو من بني ساعدة بالذات! فقد جاء في مغازي الواقدي قوله [ وكان أبو أسيد (الساعدي) يحدِّث بعد أن ذهب بصره قال : لو (وساق الحديث) ] / المصدر ص 76 / فهي لعبة المفاخر والخيالات إذن.
ولكن أي نوع من الملائكة هذا التي تخرج من الشِعب؟
ذلك هو المخيال الاجتماعي!
رواية الواقدي هذه موصولة برواية سابقة يقول فيها (حدّثني الواقدي، قال : فحدّثني عبد الله بن موسى بن أمية بن عبد الله بن أبي امية، عن مصعب بن عبد الله، عن مولى لسهيل، قال : سمعت سهيل بن عمرو يقول : رأيت يوم بدر رجالا بيضا على خيل بُلق بين السماء والارض، مُعلمين، يقتلون وياسرون...) / ص 76 / الرواية ضعيفة لمجهولية هذا المولى، ولكن يبدو أن المولى المذكور أراد أن يسجل لسيده مكرمة تارخية عظيمة، ذلك أنه شاهد ملائكة الله!

أسانيد تفرز متونها!
في سيرة إبن هشام [... عن بعض بني ساعدة،عن أسيد بن مالك أبن ربعية (الساعدي / برواية الواقدي) وكان شهد بدرا... لو كنت يوم بدر ومعي بصري لأريتكم الشِعب الذي خرجت منه الملائكة... ] / سبق ذكره /.
بنو ساعدة يخلّدون إبن عشريتهم، ذلك هو الصحابي الساعدي أسيد، وبالتالي، هو فخر للعشيرة ذاتها.
في الواقدي (... عن مولى لسهيل، قال : سمعت سهيل بن عمرو يقول : رأيت يوم بدر رجالا بيضا...) / سبق ذكره /.

مولى مجهول يخلِّد سيّده!
يروي البيهقي ذلك بسند متصل (... حدثني سلامة عن عُقيل، حدثني إبن شهاب، قال : قال أبو حازم،عن سهل ابن ساعد، قال : قال أبو أُسيد الساعدي بعد ما ذهب بصره : يا ابن أخي والله لو كنتُ أنا وأنت ببدر ثم أطلق الله لي بصري لأريتك الشَّعب الذي خرجت علينا منه الملائكة غير شك ولا تمار) / البيهقي 2 ص 336، طبعة دار الفكر /.
وسلامة هذا هو (سلامة بن روح الأيلي)... والسند هش فإن (سلامة عن عُقيل) منكر الحديث على رأي الرجالي المعروف أو زرعة / مغني الذهبي 1 رقم 2512، وفي تقييم (صدوق له أوهام)، قيل إنه لم يسمع من عمه وإنما يحدِّث من كتبه (هامش المغني ص 272).
أن هذا الذي رأي الملائكة تخرج من الشِّعاب أي سهل بن ساعدة يمكنه أن يصف الشِّعاب المذكور، فما له بخل على أبن اخيه هذه النعمة العظيمة؟ مما قد يشير أن الرواية سيقت بلا وعي على لسان مختلقها، خاصة وإن مهمته كانت إثبات فضيلة لا أكثر ولا أقل.
قال في سيرة إبن هشام (وحدَّثني أبي إسحق بن يسار، عن رجال من بني مازن بن النَّجار،عن أبي داود المازني، وكان شهد بدرا، قال : إني لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه، إذ وقع قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه قتله غيري) / المصدر ص 373 /.
(مازنيون) يخلِّدون إبن عشيرتهم، ذلك هو الصحابي الجليل أبو داود المازني،فرؤية الملائكة شرف عظيم، ودلالة على كرامة من طراز رفيع، وهي كرامة قابلة للتوارث في قيم العشيرة وفي ثقافة عصرها.
هذه الرواية الخيالية يرويها البيهقي في كتابه دلائل النبوة (ولكن الرواية الاخيرة ضعيفة بطبيعة الحال بـ (عن رجال من بني مازن)، فنحن لا نعرفهم، والرواية (أخرجها أحمد بن حنبل في مسنده 5 / 450، عن طريق إبن إسحق، حدثني أبي أسحاق بن يسار عن رجال من بني مازن عن أبي داود... وأخرجه كذلك البيهقي في الجزء الثاني ص 338 طبع دار الفكر طبع 1996، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 6 / 83 : رواه أحمد وفيه رجل لم يسمَّ) / راجع صحيح السيرة هامش صفحة 181 / فهي رواية في الأساس عن إبن أسحق عن أولئك الرجال من بني مازن!
في سيرة إبن اسحق (وحدّثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة مولى إبن عباس، قال : قال أبو رافع : كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب، وكان الإسلام قد دخل هذا البيت، فأسلم العباس وأسلمت أم الفضل وأسلمتُ...) ثم يستمر بالحديث حتى تصل النوبة ليوم بدر فيقول (لقينا رجالا بيضا،على خيل بُلق، بين السماء والارض، والله ما تليق شيئا / اي لا تبقي / قال أبو ر افع : فرفعت طُنُب الحجرة بيدي، ثم قلت : تلك والله الملائكة، قال : فرفع أبو جهل / وكان حاضرا / يبده فضرب بها وجهي ضربة شديدة...) / المصدر ص 382 /. ولا أشك أن الرواية مساقة لإثبات أن العباس أسلم قبل الهجرة! وهي ضعيفة بـ (حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس..)!.

خيول وصخب وغبار وحصى
يبدو أن الملائكة في خوضها المعركة مع قريش إلى جانب المسلمين يوم بدر لم تشذ عن قانون البشر، بل كا نت طبق قواعد ومقتربات وحيثيات ذلك الزمن!
في سيرة إبن إسحق (وحدَّثني عبد الله بن أبي بكر أنه حُدِّث عن أبن عباس، حدثني رجل من بني غفار، قال : أقبلت أنا وأبن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف لنا على بدر، ونحن مشركان، ننتظر الواقعة على من تكون... فننتهب مع من ينتهب، قال : فبينا نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة، فسمعنا فيها حمحمة الخيل، فسمعت قائلا يقول : : إقدم حيزوم ــ فرس جبريل! ــ فأما أبن عمي فأنكشف قناع قلبه، فمات مكانه، وأما أنا فكدت أهلك، ثم تماسكت) / المصدر ص 373 / ولست مستعدا أن أقبل رواية لص! ثم الرواية مرسلة كما هو واضح. والمتن يكشف عن ثقافة زمن بعينه، يبدو لو كانت معركة بدر قد حصلت في مثل هذا الزمن، لكان جبريل ياتي على دبابة أو طائرة نفاثة!
يروي مثلها أو هي مع تغيير وتحوير الواقدي في مغازيه ص 76، وفي سنده مجهول (...فكان يحدث عن رجل من بني غفار ...)، ويكررها في ص 77، مع تحوير وتغيير وفي السند مجهول (... عن أبي رهم الغفاري، عن إبن عم له...)، فإن إبن العم هذا لغز، أنه شخصية مجهولة، فيما الحدث كوني هائل، فأي قسمة ضيزى بحق هذا الخبر المسكين ?
وفي دلائل البنوة للبيهقي (... حدّثني أبو الحويرث أن محمد بن جبير بن مطعم حدثه أنه سمع عليا رضي الله عنه فقال : بينما أنا أمتح من قليب بدر إذ جاءت ريح شديدة لم أر مثلها قط، ثم ذهبت ثم جاءت ريح شديدة لم أر مثلها قط إلاّ التي كانت قبلها، وأظنه ذكر : ثم جاءت ريح شديدة قال فكانت الريح الاولى جبريل عليه السلام ونزل في ألف من الملائكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت الريح الثانية ميكائيل نزل في ألف من الملائكة عن يمين رسول لله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر عن يمينه، وكانت الريح الثالثة إسرافيل نزل في ألف من الملائكة عن ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأ نا في الميسرة، فلما هزم ا لله أعداءه حملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرسه فخرت بي فوقعت على عقبي، فدعوت الله فامسكت، فلما إستويت عليها طعننت بيدي هذه في القوم حت اختضب هذا. وأشار إلى إبطه) / المصدر 2/ ص 337 /.
هذه الريح الكونية العاتية لم يروها غير علي بن أبي طالب، ترى هل كانت ريحا سرية لم يشهدها غير علي عليه السلام؟
يرويها صاحب المغازي الواقدي مع تحوير وتغيير واضحين، ولكن الرواية ضعيفة بسندها، ففيه مجهول (... عن أبي رُهم عن أبن عمل له...) / الواقدي ص 77 /
خرافة تعبر عن خيال مريض، ومهما يكن فالرواية ضعيفة بـ (أبو الحويرث) فهو مجهول / مغني الذهبي 2 / رقم 7422، 7423 /
يقول الواقدي (... فحدَّثني عائذ بن يحي، عن أبي الحويرث،عن عمارة بن أكيمة الليثي، عن حكيم بن حزام، قال : رأيتنا يوم بدر وقد وقع بوادي خلْص الرويشة ـ فإذا الوادي يسيل نملا، فوقع في نفسي أن هذا شي من السماء أيَّد به محمد، فما كانت إلا الهزيمة، وهي الملائكة) / ا لمصدر ص 80 /

أنه أبو الحويرث الذي تجهله كتب الرجال!
ولكن هذه الرواية يرويها البيهقي بسند أخر بطلها شاهد أخر (... حدَّثني جرير بن حازم، حدَّثني أبي، قال سمعت محمد بن إسحق يقول : حدّثني أبي عن جبير بن مطعم قال : رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل اليجاد الأسود أقبل من السماء مثل النمل السود فلم أشك أنها الملائكة فلم يكن إلا هزيمة القوم) / ص 341.
يبدو أن يوم بدر كان رياحا عاتية، وبريقا صاعقا، وخيولاً تنزل من السماء إلى الأرض، وملايين من الملائكة تحتشد في الوادي وعلى أطرافه، وأسواط تشتغل على ظهور الاعداء من فوق...

لم نقرأ مثل ذلك في القرآن الكريم!!
يروي البخاري (حدثني إبراهيم بن موسى، أخبرنا عبد الوهّاب، حدَّثنا خالد عن عكرمة، عن بن عباس رضي الله عنهما : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : هذا جبريل آخذ براس فرسه عليه أداة الحرب) المصدر ح 3995 /. وفي سيرة إبن اسحق مرسلا (... هذا جبريل آخذ بعنان فرس يقوده، على ثنياه النَّقع) / ص 370 /.
فإذن لجبريل فرسه، ولا ندري هل هي فرس من جنسه ولاهوته، أم هي فرس عادية كتلك التي نعرفها نحن بنو البشر؟ ويبدو أن جبرائيل يحتاج لعدة، عدة يحارب بها كفار قريش، ولسنا ندري هل هي عدة من جنس هويته وماهيته المفارقة، أم هي كتلك العدة التي نعرفها نحن أهل البشر؟
يرويها كذلك البيهقي ولكن في سنده المجهول (أبو الحويرث) وذلك في الجزء الثاني ص 336.
جاء في مغازي الواقدي (حدّثنا محمد قال : حدَّثنا ا لواقدي قال : فحدَّثني موسى بن يعقوب،عن عمِّه، قال : سمعت أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة قال : سمعت مروان بن الحكم يسأل حكيم بن حزام عن يوم بدر، فجعل الشيخ يكره ذلك حتى ألحَّ عليه، فقال حكيم : إلتقينا فأقتتلنا، فسمعت صوتا وقع من السماء إلى الارض مثل وقع الحصاة في الطست، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم القبضة فرمى بها فأنهزمنا) / المصدر ص 95 /.
يبدو أن (حكيم بن حزام) يستحق الحضور في ملحمة الرواية، أي رواية معركة بدر، وذلك نظرا لمواقفه المحبِّطة لقريش، ورفضه لها من حيث المبدأ، فهذا الرجل كثير الحضور في هذه الرواية، وتركز روا يته على الخوارق والمعاجز والغرائب.
حكيم بن حزام هذا من أشراف قريش، وهو الوحيد الذي نجى من القتل، وذلك ضمن فريق المشركين الذين صمَّموا على الشرب من حوض الملسمين (فأنه لم يُقتَل، ثم أسلم بعد ذلك، وحسن أسلامه، فكان إذا إجتهد في يمينه، قال : لا والذي نجّاني من يوم بدر) / سيرة إبن هشام ص 367 /، وهو الذي سعى بتكليف عتبة بن ربعية لأقناع قريش بالعدول عن قتال محمد بعد أن علم من الراصد أن جماعة محمد مستميتين بالقتال!
حكيم بن حزام هذا شهد الكثير من الآيات البينات في حرب بدر، فهو يروي حادث نزول النمل من السماء في وادي بدر، وهو الذي يروي خبر الصوت السمواي، وهو يروي غير هذا وذاك، فما الذي منعه من الإيمان والتصديق بمحمد حتى يتأخر إسلامه إلى يوم الفتح، بل ويكون من صنف المؤلَّفة قلوبهم؟ / سير أعلام الذهبي 3 رقم 12 /
يخلو القرآن الكريم من خبر هذا الصوت السما وي المعجز أو الخارق، الذي لعب دورا مهيبا في هزيمة قريش كما يبدو من لحن الكلام الصريح!!، وهو الخبر الذي سيحرص ــ أغلب الظن ــ على ذكره لو كان، لأنه من الآيات الجميلة، ومن الدلائل الكبيرة، وهذه سورة الأنفال تتعرض لكثير من الحقائق والوقائع والحالات النفسية للمقاتلين والمشركين في معركة بدر، ولكنه لم يأت على ذكر هذا الصوت المزعوم، الذي يبدو كان صوتا مخيفا، مرعدا!!! وهل هو أقل آية من نزول المطر الذي ساعد على تثبيت أقدام المؤمنين على التل، وأربك مسير الكافرين في الوادي؟
في المغازي أيضا (حدَّثنا محمد قال : حدَّثنا الواقدي قال : فحدَّثني أبو إسحق بن محمد، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد،عن عبد الله بن ثعلبة بن صُعَير، قال : سمعت نوفل بن معاوية الدِّيلي يقول : إنهزمنا يوم بدر ونحن نسمع كوقع الحصا في الطَّساس بين أيدينا ومن خلفنا، فكان ذلك أشد الرعب علينا) / ص 95 /. ولكن سنده هش!

يتبع