يقلل زعماء الفصائل الفلسطينية المتقاتلة الان، من خطورة الاقتتال، وتحوله إلى حرب أهلية طاحنة، على أساس أن الحرب الأهلية لم تكن جزءا من التاريخ الفلسطيني وتراثه، في حين يحاجج باحثون بعكس ذلك، ويذهبون إلى أن تاريخ فلسطين، على الأقل منذ الفتح العربي الإسلامي في القرن السادس عشر، كان تاريخ حروب أهلية صغيرة وطويلة محلية ومرتبطة بتاريخ المشرق العربي.

وفي فترة مبكرة من تاريخ فلسطين الإسلامي، عقد في القدس، الاتفاق بين معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، الذي شكل حلفا ضد الخليفة علي بن أبي طالب، والذي أدى إلى تغيير التاريخ الإسلامي، وميلاد الإمبراطورية الأموية.
وفي فلسطين ارتكب العباسيون المجازر، ضد أبناء عمومتهم من بقايا الأمويين، وهي مجازر تقشعر لها الأبدان كما نقلها الاخباريون العرب، ومثلما كان يحدث في الفترة الأموية، كان يظهر بين الفترة والأخرى المتمردون ضد ممارسات الولاة والحكام، وبعضها يتحول إلى ثورات، هي في حقيقتها حروب أهلية، تتقاطع فيها المصالح وأشكال التمرد من القتل إلى النهب.

وكانت فلسطين مسرحا، للنزاعات الدموية بين الفاطميين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين، وبين الأطراف المتحاربة في كل فريق.
وابرز محطات الحرب الأهلية القريبة نسبيا، كانت مع دخول إبراهيم باشا ابن والي مصر الطموح محمد علي إلى فلسطين والبلاد الشامية عام 1834م، واندلاع الحروب الدموية ضده وبين حلفائه وخصومه الفلسطينيين، والتي استمرت عدة سنوات.
وبعد سنوات اندلعت الحرب الأهلية الطاحنة بين حزبي (قيس) و(اليمن) وهو التقسيم بين العرب الذي يعود للعصور الإسلامية الأولى، الذي قسم العرب عربين: عرب الشمال (قيس) وجدهم عدنان وعرب الجنوب (اليمن) وجدهم قحطان، واستمرت هذه الحرب الأهلية، المسكوت عنها في التاريخ الفلسطيني، طوال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وما يوازي قيس ويمن في فلسطين (يزبك) و(جنبلاط) في لبنان.

وانقسام الفلسطينيين بين حزبي يمن وقيس، كان تقسيما غريبا، فهو كان فوق الاعتبارات الطبقية والدينية، ففي كل قسم كان مسيحيون ومسلمون ودروز وبدو وفلاحون..الخ.
ويمكن القول أن هذا التقسيم كان أداة لإدارة نزاعات عميقة، وجدت في عصبية يمن وقيس، اكبر من أية عصبية أخرى، وأدت رغم دمويتها، وظيفة اجتماعية وثقافية باستعلائها عن التقسيمات الطائفية والعشائرية.

ومن الصعب إحصاء عدد القتلى الفلسطينيين في حرب أهلية تستمر نصف قرن أو يزيد، ولكن المؤكد وقوع مذابح مروعة لا تصدق، بعضها تتوفر عنها إحصاءات ومعلومات، من خلال ما يوميات القناصل الأجانب في فلسطين ومشاهداتهم.
ولم يكن تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية بعد الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1917، بمعزل عن مسببات الشقاق والخلاف الأهلي، فمنذ البداية برز حزبان الأول بقيادة الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين الذي تحول إلى معبود الجماهير، والآخر المهادن والمتعاون مع السلطات بقيادة راغب النشاشيبي.
وعندما اندلعت الثورات الفلسطينية المتتالية وابرزها الثورة الكبرى (1936-1939)، لم يكن الثوار بمعزل عن التجاذبات السياسية، بين الحزبين الكبيرين، والتي أدت في فترة لاحقة إلى موجة اغتيالات سياسية الطابع، تؤكد كثير من المصادر وقوف الحاج أمين المنفي خارج فلسطين خلفها، والذي بقيت شخصيته حتى الان فوق النقد.
وفي فترة لاحقة شكلت مجموعات مسلحة تلقت دعما من الانتداب عرفت باسم فصائل السلام، خاضت حربا ضد مجموعات الثوار، فيما يشبه الحرب الأهلية، ومثلما هو الحال في حرب يمن وقيس، لا يتوقف الفلسطينيون، لسبب غير مفهوم، كثيرا بشأنها.
وبعض الثارات القبلية الناتجة عن تلك الحرب المسكوت عنها، ما زالت تلقى بظلها على علاقات بعض العائلات حتى الان.
ولم يخلو تاريخ الحركة الوطنية المعاصرة من حروب أهلية مدمرة، بدأت في أيلول الأسود في الأردن عام 1970، وأحراش عجلون 1971.
وتورط هذه الحركة في الحرب الأهلية اللبنانية معروفا، كجزء من طرف لبناني ضد آخر، واكثر من هذا فان حروبا اندلعت بين فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية نفسها، مثل ما عرف باسم معارك المخيمات الفلسطينية في لبنان، وغيرها سبقها وتبعها.
وعشية تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1993، وقعت عدة اغتيالات في قطاع غزة مثل اغتيال اسعد الصفطاوي القائد البارز في حركة فتح، وفهم من ذلك انه يأتي ضمن تصفيات داخلية في الحركة، ووجهت اتهامات لشخص اصبح شخصية بارزة في السلطة وما يزال، بالوقوف خلف هذه الاغتيالات، لإخلاء مسرح قطاع غزة له.

وبعد تأسيس السلطة بزرت مؤشرات فهمت على أنها مقدمات لحرب أهلية، يعتقد أن ياسر عرفات، رئيس السلطة الفلسطينية آنذاك، كان يدفع إليها، مثلما عرف باسم مجزرة مسجد فلسطين في أواخر العام 1994م، والتي أدت إلى مقتل 14 مصل كانوا خارجين من المسجد معظمهم من حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وسبق ذلك وتلاه طوال سنوات أحداث مماثلة، استهدفت حركة حماس التي مارست سياسة ضبط النفس، وحوادث اغتيالات داخل فريق السلطة مثل اغتيال هشام مكي مدير التلفزيون الفلسطيني الرسمي.

ولكن حركة حماس هذه التي كان كوادرها يعتقلون ويقتلون، أضحت هي السلطة، ولديها جناح عسكري قوي، لم تستطع قوة كبيرة كإسرائيل تفكيكه، وقوات منظمة قوامها 6 آلاف تعرف باسم القوة التنفيذية تابعة لوزارة الداخلية التي يجلس على مقعد الوزير فيها سعيد صيام، القائد في حماس الذي كان قبل سنوات قليلة فقط يعتقل ويزج به في زنازين الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
ومع وصول حماس إلى السلطة، يتضح أنها تخلت عن سياستها السابقة بضبط النفس ولا تريد العودة إلى فترة كان أعضاؤها فيها نزلاء في السجون الفلسطينية، في حين أن الطرف الآخر مستمر في سياسته الأولى، مما يعني أن الحرب الأهلية لن تكون بعيدة الحدوث.